ما أن تخطو قدماك داخل مطعم «القدس العتيقة» في قلب الجندي المجهول وسط مدينة غزةحتماً تشعر وكأنك تتجول في ساحات مدينة القدس بالضفة الغربية المحتلة, حيث استوحي تصميم المكان من داخله وخارجه شكل قبة الصخرة المشرفة بأسوارها وزخارفها التي تشتاق العين لرؤيتها عن قرب، في محاولة لتغيير النمط السائد عند الكثيرين، ونقل معالم المدينة ورائحة أكلاتها وحلوياتها الشعبية إلى سكان القطاع.
فكرة المطعم الفريدة من نوعها من حيث الشكل والمضمون، راقت لأربعة من الأسرى المبعدين من الضفة الغربية إلى القطاع منذ ثلاثة أعوام ونصف، فأطلقوا عليه اسم «القدس العتيقة»، لما يتميز به شكل البناء الذي يشبه إلى حد كبير قبة الصخرة، وما يقدمه المطعم من مأكولات تشتهر بها مدن الضفة، في رسالة تحمل معنى الشوق والحنين إلى القدس ومسقط رأسهم التي حرمهم الإبعاد من رؤيتها.
حمودة صلاح أحد الشركاء الأربعة، يقول:" فكرة المشروع جاءت في أذهاننا من أول لحظة قرر فيها الاحتلال إبعادنا إلى قطاع غزة؛ لأننا بهذا الابعاد سوف نحرم من دخول المسجد الأقصى المبارك والتجول في مدن وقرى الضفة الغربية بشكل عام, فأردنا أن ننقلهما إلى القطاع بطريقتنا الخاصة ".
ويضيف صلاح لـ"الاستقلال":"في الشهور الأولى التي تم فيها إبعادنا إلى القطاع قمنا بإنشاء عدة مشاريع صغيرة كمحل لصنع وبيع العصائر الطبيعية وآخر لصنع وبيع الحلويات, لكن آمالنا وطموحاتنا كانت أكبر من ذلك فقررنا إنشاء هذا المطعم وبالفعل تم إنشاؤه قبل شهرين", مبيناً أن كل واحد منهم كانت له تجربة داخل الأسر وخلال فترة محكوميتهم التي وصلت (12عاما), حيث تشاركوا في صنع بعض الأطعمة والحلويات بحسب المواد المتوفرة داخل السجن كـ "خبز الفينو والجبنة الصفراء لصنع الكنافة النابلسية ".
ويرى أن الفكرة كانت ومازالت جديدة نوعا ما على أهل القطاع، من حيث تصميم المكان الذي يشبه قبة الصخرة، ونوعية الطعام المقدم فالشاورما تصنع على طريقة مدينة رام الله, والكنافة على طريقة أهل مدينة نابلس, منوهاً إلى أن أي شخص زار الضفة المحتلة وتناول أكلاتها, ومن ثم تذوق أكلات المطعم لن يفرق بينهما.
وبين أن كافة مكونات الأكلات كالشاورما التي تحتاج لكثير من أنواع البهارات الخاصة, وكذلك الحلويات التي تحتاج إلى نوع معين من الجبن والرشة والسمن البلدي، يستوردونها من الضفة المحتلة من خلال تعاقدهم مع إحدى الشركات هناك.
وجبات أخرى
وعن قائمة الوجبات التي يقدمها المطعم، أوضح نادر أبو تركي الشريك الثاني للمشروع، أن القائمة تحتوي على الكثير من الوجبات التي تشتهر بها مدن الضفة كالشاورما والمسخن والحمص الخليلي وبعض المشاوي والأكلات الخفيفة، بالإضافة إلى مختلف الحلويات كالنابلسية والعربية والكلاج المقدسي، إلى جانب بعض المشروبات الضفاوية كاللوز الطبيعي, مشيراً إلى أنه خلال الأيام المقبلة سيقومون بإضافة بعض الوجبات الأخرى لقائمة الوجبات.
ولفت إلى أنهم بهذا المشروع يريدون الاعتماد على أنفسهم في توفير لقمة العيش, وليس على بعض المؤسسات, كونهم أسرى محررين.
وفيما يتعلق بالمعيقات التي تواجههم أشار إلى أن الاحتلال يمنع دخول بعض المعدات الخاصة بالمطعم والتي قاموا بجلبها من الضفة الغربية دون وجود أسباب معينة, ومنع قبل فترة وجيزة دخول الخبز الضفاوي وكعك القدس وخبز الطابون، والتي لا يستطيعون صنعها لأن لها علاقة بالمناطق الجبلية وتحتاج إلى أفران الزلط وبعض المواد الخاصة.
ويلفت إلى أنهم استطاعوا توفير فرص عمل لخمسة عشر شابا من أهل القطاع في هذا المطعم, تشمل جرسونات لتقديم الوجبات للزبائن ومعدين للطعام والحلويات تحت إشرافهم وعامل لنظافة المكان, مؤكدا أن علاقتهم بالزبائن تزيد قوة يوما بعد يوم, ووجود المطعم في وسط مدينة غزة زاد من قوة المنافسة بينه وبين المطاعم الأخرى الموجودة في نفس المدينة.
المطعم لاقى استحسان وإعجاب المواطنين الذين ارتادوه ، لما يقدمه من وجبات متنوعة وشهية ومختلفة عما اعتادوا تذوقه في بعض مطاعم غزة، بالإضافة إلى سحر المكان الذي يشعرهم وكأنهم في زيارة إلى مدينة القدس وقبة الصخرة بأسوارها وزخارفها الجميلة، وقد تجلى ذلك بشكل واضح في حجم الإقبال الكبير من المواطنين على المطعم.
الاستقلال