داخل ورشة صغيرة في أحد الأحياء القديمة بمدينة غزة، تعلو أصوات ماكينات الخياطة وضربات متتالية من مطرقة على أحذية ما زالت في طور التجهيز.
يجلس "إيهاب ساق الله"، صاحب الورشة، يوميًا ولساعات قليلة، خلف طاولة مستطيلة يرسم بقلمه علامات على قطع من الجلد الصناعي، تمهيدًا لقصها، وصناعة كمية محدودة من الأحذية.
قبل عقود كانت هذه الورشة تعج بعشرات العمّال، وتعمل على مدار الساعة، لتلبية حاجة السوق الفلسطيني، إلا أنها اليوم تعمل لساعات محدودة فقط، جراء الحصار الذي تفرضه (إسرائيل) على القطاع، وغزو السلع الصينية للسوق بشكل كبير، وفق ما تحدث به "ساق الله" في حديثه مع الأناضول.
ويقول "ساق الله" (38 عامًا)، وهو أب لثلاثة أطفال: "قبل الحصار الإسرائيلي، كنا نُنتج نحو 300 حذاء يوميًا، أما الآن فلا يتعدى الإنتاج أكثر من 70".
ويضيف: "صناعة الأحذية في قطاع غزة تشهد تراجعًا كبيرًا، المنتج الصيني وجه ضربة قاسية لورشات صناعة الأحذية المحلية".
ساق الله، بدأ العمل مع والده قبل 28عامًا، ويستخدم في صناعة أحذيته الجلد الاصطناعي، وقد تقلّص عدد عماله من نحو 20 عاملاً إلى 10، كما يقول.
ويتابع: "نعاني من شح في عدد من المواد الخام، ومنها الغراء (مادة لاصقة)، حيث تمنع (إسرائيل) إدخالها، ونعتمد حاليًا على الكمية المخزنة لدينا، وأتوقع أن تنفد خلال شهر أو شهرين، مما ينذر بتوقفنا عن العمل".
ولا يملك ساق الله مهنة أخرى، للعمل بها، مما قد يدرج اسمه في قائمة البطالة الطويلة التي يعاني منها قطاع غزة، حسب تعبيره.
وانخفضت كمية إنتاج الأحذية في قطاع غزة، منذ عام 2006، إلى نحو 30 %، كما صرّح لوكالة الأناضول، أمير حبوب، عضو اتحاد الصناعات الجلدية في غزة، الذي قال إنه لا يوجد إحصائيات دقيقة حول كمية الأحذية التي ينتجها القطاع سنويًا.
وتتم صناعة الأحذية في القطاع، بطريقة يدوية بشكل كامل، وفق أصحاب ورش هذه الحرفة، ومن بينهم عصام سكيك (50 عامًا) الذي يحاول بذل قصارى جهده، هو وعمّاله في ورشته، لإنهاء طلبية لأحد التجار، قبل موعد فصل التيار الكهربائي.
ويقول سكيك الذي افتتح ورشته عام 2006، إن مهنة صناعة الأحذية تراجعت بشكل ملحوظ في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة.
وتابع الأب لخمسة أبناء: "جدول عملنا غير منتظم بسبب مشكلة الكهرباء، ولا نستطيع الاعتماد على الطاقة البديلة الناتجة عن المولدات الكهربائية فهذا مكلف جدًا، ويسبب لنا الخسائر".
ويوضح أن عدد عمّاله انخفض من 10 إلى 3 فقط، مضيفًا "ننتج أسبوعيًا نحو 70 زوجًا من الأحذية فقط، ومردودها المالي بالكاد يغطي المصاريف الدنيا للعمل".
ويعاني قطاع غزة الذي يعيش فيه نحو "1.8 مليون نسمة" منذ ثماني سنوات، من أزمة كهرباء خانقة.
ويحتاج القطاع إلى نحو 400 ميغاوات من الكهرباء، لا يتوفر منها سوى 212 ميغاوات، توفر (إسرائيل) منها 120 ميغاوات، ومصر 32 ميغاوات (خاصة بمدينة رفح)، وشركة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة، التي تتوقف بين فينة وأخرى عن العمل، بسبب نفاذ الوقود، 60 ميغاوات.
وبحسب حبوب، فإن عدد الورش في قطاع غزة حاليًا يقدر بـ 30 ورشة صغيرة.
ويضيف للأناضول: "قبل فرض الحصار على قطاع غزة، وغزو المنتج الصيني للأسواق، كان هناك أكثر من 100 مصنع كبير للأحذية".
ويتابع: "طال الحصار قطاع الأحذية أيضًا، فـ(إسرائيل) تمنع إدخال العديد من المواد الخام اللازمة لهذه الصناعة، منها دهان الجلد، وغراء لنعل الأحذية، مما يؤثر سلبًا على أصحاب هذه المهنة وتجارها".
وتفرض (إسرائيل) حصارًا بريًا وبحريًا وجويًا على قطاع غزة، منذ منتصف يونيو/ حزيران 2006، عقب فوز حركة حماس في الانتخابات البرلمانية.
وفي 22 مايو/ أيار العام الماضي، قال البنك الدولي، في بيان، إنّ "نسبة البطالة في قطاع غزة وصلت 43 %، وهي الأعلى في العالم، وأن نحو 80 % من سكان القطاع يحصلون على شكل من أشكال الإعانة الاجتماعية، ولا يزال 40 % منهم يقبعون تحت خط الفقر".
الأناضول