لا يعرف الباحثون حتى اليوم الأصول الأولى لتقديس الشعوب القديمة للعدد سبعة، والأرقام المتصلة به: 70، 71، 72، 73 و77. ما نعرفه أنها غدت مقدسة قبل التاريخ المكتوب الذي وصلنا حتى الآن. وقد كان اختياراً واضحاً في الثقافتين البابلية، والإغريقية (قبل أيام سقراط، مع أتباع الفيلسوف فيثاغورث خصوصاً)، وكلتاهما استخدمتا العدد سبعة في سياق مفهوميهما للمعرفة الفلكية، لفهم القوانين التي تحكم الكون.
مع بدايات الديانات السماوية، وإخضاع الكون لمفهوم الإله الواحد المنظم الأول للكون، لم ينحسر تقديس العدد سبعة، بل أخذ أشكالاً جديدة، وأصبح واحداً من أهم رموز القصص الدينية. في المسيحية واليهودية، الرقم سبعة يوحي بفيض من التعظيم والمبالغة والتهويل. فعندما يهدد الإله "يهوه" بأنه سينزل عقاباً "سبعة أضعاف" على من يتحداه، فإن المعنى رمزي، وهو أن العقاب سيكون دماراً شاملاً. وفي قصص العهد القديم، تأخذ الأرقام بعداً درامياً، فقد مرت 700 سنة بين الخلق والطوفان، و7 أيام بين تحذير نوح من الطوفان وحصوله، وقد أدخل نوح 7 أزواج إلى فلكه، وأشرقت الشمس بعد الطوفان في اليوم السابع. ومن المثير أن الـ7 بالتحديد تعطي إيحاءً بالخير الكبير، وبأقصى درجات الرهبة في الوقت نفسه.
وفي مزامير الكتاب المقدس، من إشارات يهودا، نور "نقي سبعة أضعاف"، يخرج من الأرض ونحن هنا نفهم التعبير أنه يعني شديد النقاء. هذا الاستخدام الرمزي للسبعة استمر في كتاب العهد الجديد، الذي خُلق فيه الكون في سبعة أيام، وهناك أبعاد معقدة لاستخدام الأرقام في السياق الديني تتجاوز رقميتها إلى دلالات أبعد.
انعكست مركزية السبعة في الثقافة الدينية عامة، التي عبرت عنها في الطقوس المقدسة، وفي العمارة أيضاً.
ومع انتشار استخدامات السبعة في الشرق القديم، ليس مفاجئاً أن أهمية الـ7 والـ70 استمرت عند العرب، لتعطي معنى التكثير والتضعيف، والأمثلة كثيرة. فقد وصلتنا المعلقات سبعاً، واحتفي بالمأمون كونه الخليفة السابع للعباسيين. وفي العربية تعبير "سبع الله لك!"، الذي يعني "منحك الله الخيرات الكثيرة". واستخدام الأرقام بمعنى التكثير، كما يقول الباحث لورنس كونراد، هو من صفات الثقافات المحكية بصفة عامة. ولعل أشهر الأمثلة على ذلك استخدام "ألف ليلة وليلة" بمعنى أنها قصص كثيرة ولياليها طويلة، وليس أن العدد 1001.
السبعة خصوصاً كان لها أهميتها عند العرب من الجاهلية حتى اليوم، وارتبطت بالقداسة. يذكر ذلك ابن خلدون في مقدمته، ويعتبر أن الأرقام لا يمكن أن تفهم كلها حرفياً، إذ أن بعضها يعبر عن "الكثرة"، وهو بالتحديد يذكر الرقم 70، الذي يقول إنه عند العرب يعنى "كثير". في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية، تظهر أهميتها في قصص عدة: السماوات السبع، والأرضون، وقد خلق الكون في سبعة أيام، وكرم نبيه بـ"السبع المثاني"، أيضاً الفاتحة بآياتها السبع، والبحور السبعة (في سورة لقمان)، وفي سورة يوسف، البقرات السبع (سبع سمان وسبع عجاف)، والسنابل السبع (سبع سنابل خضر وأخرى يابسة)، والجنة سبع طبقات، وجهنم كذلك.
كما تكرر استعمال هذا الرقم في الطقوس الدينية الإسلامية. ففي طقوس الحج مثلاً، الطواف حول الكعبة 7 مرات، ورمي الجمرات 7 مرات.
وقد تنبه لهذه الظاهرة، وكتب عنها مؤرخو العصور الوسطى. فالمسعودي في كتابه مروج الذهب، كتب أن كل شيء في العالم يمكن فهمه عن طريق الرقم 7، فهناك سبعة كواكب، والأقاليم السبعة (متأثراً باليونان والرومان)، وسبعة أيام في الأسبوع، وسبع مراحل لحياة الإنسان. إلا أن الكثير منهم استخدمها أيضاً برمزيتها في توثيق أحداث عصرهم. فنحن اليوم حين نقرأ أن جيشاً ضم 700 ألف جندي، أو أن مدينة فيها 7 آلاف جامع، أو أن شخصاً عاش 70 عاماً (لعل هذا تأثير من مزامير داود، التي تحدد عمر الإنسان بـ70 عاماً، كعمر داود عليه السلام)، فإن علينا أن نفهمها رمزياً وليس حرفياً.
في قصة غابرييل غارسيا ماركيز القصيرة "الحسناء النائمة"، التي تدور أحداثها في مطار، تسأله موظفة الطيران أن يختار بين مقعدين: رقم 7 ورقم 13، وتفاجأ عندما يختار الرقم 13! وتخبره بأنها أول مرة على الإطلاق لا يكون فيها رقم 7 هو الخيار الأول. لعلنا اليوم، لا نلتزم بالمعاني المقدسة للأرقام، ولا تعنينا رمزيتها، إلا أننا نستخدمها في خياراتنا اليومية البسيطة، وتعطينا رضى لا تفسير له ولا قيمة حقيقية، ربما لأننا نرى فيها صدى لأقدم طقوس القداسة في تاريخ منطقتنا.
وكالات