نابلس-رام الله- الاقتصادي- وفاء الحج علي- عمر يبلغ من العمر 11 عامًا، وهو مثل بقية جيله طفل مفعم بالطاقة التي في كثير من الأحيان لا تفرغ بالمكان أو الطريقة المناسبة، فهو يركض في إحدى الشوارع الضيقة في بلدته جماعين قرب نابلس، يرتدي في إحدى رجليه زلاجًا يتيح له التزلج قليلاً قبل أن يضطر للرجوع عرجًا إلى أول الشارع كي تتسنى له متابعة التزلج.
عمر لا يجد مكانًا يلهو فيه غير الشارع!
لكن عمر ليس وحده، فهو يجر معه أخاه الأصغر الذي يرتدي الزلاج الآخر، ومعًا يلهوان في الشارع الضيق المزدحم دون أن يأببها بأبواق السيارات التي تعلو كي تبعد الأطفال عن الطرقات.
وعندما سألنا الطفل عمر عن سبب لعبه بهذا المكان الذي يضج بالمارة والسيارات، أجاب ببساطة: "أين تريدوننا أن نلعب؟"
سؤال الطفل وإن كان بريئًا فإنه منطقي، ففي فلسطين، وإن طرأت هناك بعض التغيرات، إلا أن معظم أطفالنا يفتقرون لأماكن آمنة ومناسبة للعب وقضاء الوقت، لذا فإننا نشهد في معظم قرانا ومدننا ومخيماتنا شوارع مكتظة ليس بالمارة والسيارات فحسب، بل بالأطفال الذين يتزاحمون على اللهو أيضًا.
أماكن قليلة لكن آمنة
تبين رجاء طاهر من العلاقات العامة في بلدية نابلس أنه رغم قلة المساحات والأماكن المخصصة للهو الأطفال، إلا أنه يوجد بعض المساحات المخصصة لذلك، مؤكدةً أن هذه المساحات آمنة ومستوفية لشروط الآمن والسلامة التي تخص أماكن لعب الأطفال.
وتوضح طاهر أن المساحات المخصصة للعب الأطفال يجب أن تبنى في مناطق آمنة، بعيدة عن الشوارع والطرق المكتظة لكن سهل الوصول إليها في الوقت ذاته، كما يجب أن تكون مغلقة بسور أو سياج واقي، وأن تكون الألعاب فيها مراعية لأعمار الأطفال الذين يقبلون على المكان.
أيضًا يجب أن تكون أرضيات هذه المساحات مهيأة ومزودة بالرمل الخالي من الشوائب، وأن تكون الأرضيات المقاربة للألعاب مكسوة بالرمل والإنجيل (العشب الأخضر).
وتؤكد طاهر أنه في مدينة نابلس يوجد عدد من المتنزهات التي يمكن للأطفال من مختلف الأعمار اللهو فيها بشكل مجاني، مثل حديقتي جمال عبد الناصر والعائلات، وملعب البلدية وغيرها، مشيرةً في الوقت ذاته إلى أن هذه المساحات ليست كافية إذا ما قورنت بأعداد الأطفال والعائلات التي تتوافد إليها، وبخاصة في فترة الصيف والعطلة المدرسية وإجازات الأعياد.
الأولياء: هل نحبسهم لنحميهم أم نحررهم ليتعلموا؟
أم يحيى هي سيدة خمسينية، ربت 8 أولاد وهي الآن تساعد في الاعتناء بأحفادها، وهي مثل معظم الأمهات الفلسطينيات اللواتي يعشن حالة من القلق شبه الدائم بسبب قضاء أحفادها (وأولادها سابقًا) كثيرًا من الوقت في الشوارع، فهي تعيش في قرية صغيرة بمحافظة رم الله والبيرة رام الله، بالكاد فيها ملعب في المدرسة.
تقول أم يحيى: "عندما يكون الأطفال في الخارج يلعبون، أرتعب لمجرد سماعي صوت سيارة تقترب، فلا نعلم إن كان يومًا ما سيحصل شيئًا مروعًا لهم بسبب لعبهم كل هذا الوقت في الشارع، لكن لا يمكن لوالدي الأطفال أو لي أن نحبسهم داخل البيت، لأن ذلك سيمنعهم من الاحتكاك بالناس وبالعالم الخارجي، وسيحول دون انطلاقهم وتشكل شخصياتهم".
وتضيف: "لذا نحن في حيرة من أمرنا، فليس من السهل على سكان القرى مرافقة الأطفال إلى الحديقة في المدينة كلما أرادوا اللعب".
وتتابع: "طالب الكثير من أهالي القرى البلدية بأن تشرف على إقامة حديقة لأهالي البلدة، حتى وإن كانت صغيرة وبدائية، إلا أننا سنشعر بالاطمئنان عندما يكون أطفالنا فيها، كما أنها ستشكل مساحة لهم للتعبير عن أنفسهم وتفريغ طاقاتهم، لكن قوبل طلبنا بالتجاهل".