جميعنا يعلم الكثير عن مشكلة النفايات، وتراكم القمامة في جميع أنحاء العالم. البر امتلأ بالقمامة، والبحار بالصرف الصحي، والجو بالغازات السامة، لكن ما لا يعلمه الكثير منا أنه حتى الفضاء المحيط بكوكب الأرض، أصبح ممتلئًا بالقمامة التي تسبب فيها البشر أيضًا.
المخلفات الفضائية
ويقصد بها مجموعة النفايات الناتجة من اختراعات البشر، وبقايا الأقمار الصناعية في مداراتها حول الكوكب، والتي لا تزال بقاياها تسبح حول الأرض. وتضم هذه المخلفات كل شيء لم يعد له حاجة في الفضاء، مثل الأقمار الصناعية المعطلة، أو أجزاء الصواريخ الفضائية التي تم إطلاقها للفضاء، خلال عشرات السنوات الماضية.
نحن لا نتحدث عن الأجسام الكبيرة فقط، لكن بواقي الأصباغ التي تدهن بها المركبات الفضائية أيضًا، أو بعض الأدوات الصغيرة، كالمسامير أو الأسلاك الخاصة بالمركبات الفضائية، وحتى شظايا الاحتراق والتآكل وغيرها.
على ارتفاع أقل من ألفي كيلومتر، تكون هذه النفايات أكثر كثافة من النيازك. وغالبية هذه النفايات تتمثل في الغبار الناتج من محركات الصواريخ، التي تعمل بالوقود الصلب، وقشور الطلاء الناتجة عن التآكل لسطح المركبات، والمواد المبردة المستخدمة في الأقمار الصناعية العاملة بالطاقة النووية. هذه الأنواع من الحطام تسبب ضررًا أقرب إلى النفخات أو الرياح الرملية، والتي تسبب الضرر للألواح الشمسية والأجهزة البصرية، مثل التليسكوبات، وأجهزة تتبع النجوم الموجودة حول الأرض، والتي لا يمكننا أن نغطيها بدروع حماية.
وحتى نعلم مدى ضرر هذه النفايات على المركبات والأجهزة الفضائية حول الأرض، فعلينا أن نعلم أن محطة الفضاء الدولية تحلق على ارتفاع ما بين 300 إلى 400 كيلومتر من سطح الأرض، وبالتالي فهي عرضة للإصابة بهذه المخلفات، وحدوث مشاكل حقيقية لها وللطاقم البشري على متنها.
محطة الفضاء الدولية مهددة بالحطام المنتشر حول الأرض
تزايد المشكلة
وأخذت هذه المخلفات الفضائية، تلقى اهتمامًا واسعًا من المؤسسات الخاصة بالفضاء، وعلى رأسها وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»؛ لقدرة هذه النفايات على التسبب بأضرار فادحة في هيكل المركبات الفضائية والأقمار الصناعية. هذه المخلفات تسير بسرعات عالية جدًا، وهذا هو السر وراء خطورتها البالغة.
وتقدر كمية المخلفات التي تركها البشر في المدارات حول الأرض حوالي 5.5 مليون كيلوغرام، وحتى يوليو (تموز) 2013، كان هناك أكثر من 170 مليون قطعة حطام أصغر من سنتيمتر واحد، بالإضافة إلى 670 ألف قطعة حطام يتراوح طولها بين سنتيمتر إلى 10 سنتيمتر، و29 ألف قطعة حطام أكبر من 10 سنتيمتر. واعتبارًا من عام 2009 يتم تعقب أكثر من 20 ألف قطعة حطام طولها أكبر من خمسة سنتيمترات عبر ناسا.
وتشير الأرقام إلى إطلاق أكثر من 6600 قمر صناعي منذ بداية عصر استكشاف الفضاء عام 1957، من خلال أكثر من 4900 عملية إطلاق باستخدام الصواريخ والمركبات الفضائية. ويبلغ عدد الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض حاليًا أكثر من 3600 قمر، منها 1380 قمر صناعي لاتزال في طور الخدمة، بينما البقية وصلت إلى مرحلة نهاية الخدمة لتدور حول الأرض بلا أية فائدة تذكر، لكنها يمكن أن تمثل خطرًا كبيرًا على الأقمار تحت الخدمة؛ نتيجة احتماليات التصادم التي تتسبب في ظهور مخلفات جديدة هي الحطام الناتج عن التصادم.
الحادثة الأشهر في موضوع تصادم الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض جرت عام 2009، حينما تصادم قمران، أحدهما أمريكي خاص بالاتصالات «كوسموس 2251» مع قمر روسي خاص بالأغراض التجسيية «إيريديوم 33»، وهو ما تسبب في انفصال أكثر من ألفي جسم معدني عنهما، والتي اتخذت مدارات عشوائية حول الأرض.
هناك مثال آخر تمثل في اختبار الصين لأحد صواريخها المضادة للأقمار الصناعية عام 2007: فقد أطلقت الصين صاروخًا يعمل بالوقود الصلب، ليصيب أحد الأقمار الصناعية التابعة لها. هذا الصاروخ لم يكن يحمل رأسًا متفجرًا، بل تسبب في تدمير القمر بواسطة الاصطدام فقط، ونتج عن التصادم والانفجار الذي تبعه حوالي 2500 قطعة حطام أصغرها يصل إلى حجم كرة المضرب.
هذه الأقمار تشكل نسبة بسيطة مقارنًة بالمخلفات والنفايات الأخرى، مثل قشور الأصباغ المستخدمة في دهان المركبات الفضائية وخزانات الوقود. فخزانات الوقود الخاصة بالصواريخ متعددة المراحل، والتي تنفصل بشكل متتابع بعد الانطلاق، لا تسقط في العادة نحو سطح الأرض، لكنها تتخذ مدارات معينة حول الأرض وتظل تدور بشكل عشوائي حول الأرض.
صورة لجسم من المخلفات الفضائية الذي سقط بالسعودية عام 2001
مخاطر عديدة
معظم هذه الفضلات تسير بسرعة 28800 كيلومتر في الساعة، وهو ما يجعلها تكتسب طاقة حركة كبيرة جدًا تمنحها قوة بالغة عند التصادم. هذه السرعة تمكن للفضلات مهما بلغ صغرها من اختراق هيكل المركبات الفضائية، مما يشكل خطرًا بالغًا على رواد الفضاء على متنها.
فلو فرضنا أحد المخلفات التي يبلغ حجمها حجم كرة المضرب، فإن حركتها بهذه السرعة العالية تجعلها تحمل قدرة تفجيرية توازي 25 أصبع ديناميت. كما أن جسم بحجم حبة البازلاء تسير بهذه السرعة تجعل لها قوة اصطدام تعادل جسم وزنه 181 كيلوغرام يسير بسرعة 100 كيلومتر في الساعة، تخيل دراجة بخارية صغيرة تسير بهذه السرعة واصطدمت بحائط ما، ماذا سيكون حجم الدمار.
وبشكل عام فإن جدران المركبات الفضائية والأقمار الصناعية تتم صناعتها بتقنيات تصفيح تسمح باختراقها عبر الأجسام التي يتعدى طولها السنتيمتر الواحد. وبالتالي فنحن نتحدث عن مئات الآلاف من أجسام الحطام التي يمكنها اختراق الصواريخ والمركبات والمحطات الفضائية والأقمار الصناعية. الخطورة تظهر بشكل أكبر عندما يخرج رواد الفضاء لتنفيذ مهام خارج مركباتهم؛ وذلك لأن البدلة والخوذة التي يرتدونها هي أقل مقاومة، ويمكن اختراقها بأجسام أصغر بكثير.
قطع الحطام المعدني التي يفوق حجمها 10 سنتيمتر يمكن اعتبارها قنابل موقوتة تسير في الفضاء، ولها القدرة على تفجير الأقمار الصناعية وإصابة المركبات الفضائية بأضرار خطيرة. هذا الأمر جعل المركبات الفضائية، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تغير نوافذها بشكل دوري؛ بسبب الخدوش التي تحدثها الشظايا والنيازك الصغيرة، كما اضطرت بعض هذه المركبات إلى تغيير مساراتها؛ لتفادي الاصطدام بحطام يفوق حجمه العشرة سنتيمترات في العديد من المرات خلال رحلاتها خارج الغلاف الجوي.
الأجسام المعدنية التي تتراوح بين سنتميتر واحد وعشرة سنتيمترات هي الأشد خطرًا، وتتميز بأنها تتركز بشكل أساسي في المدارات المفيدة، وهي تلك المدارات التي تستعمل عادًة لوضع أقمار صناعية جديدة، مثل المدارات الخاصة بأقمار الاتصالات.
كيف تخترق المخلفات الصغيرة دروع المركبات الفضائية
ما هو الحل؟
لا يوجد حل يمكن تطبيقه حاليًا من أجل تنظيف المدارات حول الأرض من هذه النفايات الضارة. الذي يفيدنا في تقليل أعداد هذه النفايات تدريجيًا مع مرور الوقت هو الغلاف الجوي للأرض الذي يمكنه أن يعمل على إبطاء سرعة بعض الحطام القريب منه بفعل الاحتكاك لتسقط أخبرًا على الأرض. هذا الحل التلقائي لا يصلح إلا مع الأجسام القريبة، لكن الأجسام التي تدور على ارتفاع 800 كيلومتر مثلًا تحتاج إلى 100 سنة حتى يمكنها أن تسقط على الأرض.
الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوروبي، هي الدول الأكثر خبرة في التعامل مع تكنولوجيا الفضاء حاليًا، لكن جميع هذه الدول فشلت في إيجاد حلول جذرية للمشكلة المتصاعدة يومًا بعد يوم؛ نتيجة زيادة عدد الرحلات الفضائية، خصوصًا في الألفية الجديدة. ورغم اقتراح بعض الحلول الوقائية للحد من المشكلة مستقبلًا، إلا إنها لم تتحول إلى الناحية العملية بشكل واسع بعد.
من بين هذه الاقتراحات هو ما أطلق عليه العلماء اسم «المدار المقبرة»، ويقصد به المدار الذي يتم تخصيصه للأقمار الصناعية بعد انتهاء خدمتها، ويكون بعيدًا عن المدارات المفيدة. كما تم اقتراح عدد من الأفكار التي تعنى بوضع معايير خاصة بصناعة الصواريخ، وخصوصًا المرحلة الأخيرة منه، التي تحمل القمر الصناعي، وذلك بغرض منع انفجاره، بعد إيصال القمر الصناعي لمداره، وبقائه في مدار معين حول الأرض؛ بهدف تقليل كمية الحطام.
وكالات