لم يعد يقضي المزارع إياد العطار (40 عاماً) وقتا طويلا في أرضه المزروعة بأصناف متعددة من الخضار، بعدما بات يعتمد على نظام الزراعة المائية بعيدا عن الأنظمة التقليدية، التي كانت تستنزف منه جهداً ومالاً كبيرين.
ويتميز نظام الزراعة المائية بقدرته على تجاوز عدة مشاكل يعاني منها المزارعون عادة، وتحديدا في قطاع غزة، كنقص كميات المياه وارتفاع نسبة الملوحة، فضلا عن عدم حاجة النظام إلى مساحة كبيرة من الأرض، كونه يستخدم مُغذيات ذائبة في الماء دون اللجوء إلى التربة أو الرمال.
ومنذ وصول تقنيات الزراعة المائية إلى القطاع مع مطلع عام 2012، حاول عدد من المزارعين الاستفادة من مميزات النظام وتطبيقه عمليا في مزارعهم، ولكن غالبية تلك المحاولات لم يكتب لها الاستمرارية والنجاح، بسبب غياب الخبرة الكافية ونقص بعض المعدات المطلوبة من السوق المحلي.
ورغم فشل المحاولات الأولى، إلا أن المزارع إياد العطار تمكن في منتصف العام الماضي 2015 من تطبيق النظام بنجاح في أرضه الواقعة ببلدة بيت لاهيا، شمال القطاع، وذلك بعد عدة دراسات وأبحاث علمية أجراها مع مختصين في منظمة الأغذية والزراعة العالمية "الفاو".
ويوضح العطار أن جذور النباتات المزروعة بالطريقة المائية تتغذى على محاليل عضوية طبيعية توضع داخل الأحواض الممتلئة بالماء، والذي يبقى متحركاً على مدار الساعة بواسطة مجسات خاصة بهدف توفير الأوكسجين اللازم لتنفس الجذور.
وبين العطار أنه بعد ملء الأحواض بالماء المخلوط بالمحلول المغذي الذي يحتوي على عناصر غذائية متعددة كالنيتروجين والأكسجين والكبريت بجانب الكالسيوم والبوتاسيوم، توضع ألواح الفلين العائم فوق الماء والمحفورة بثقوب دائرية لتزرع عبرها النباتات بالطريقة الحديثة.
ولفت إلى أن الزراعة المائية "آمنة" كونها لا تستخدم مواد كيماوية أو مبيدات الحشرية، وكذلك اقتصادية في الماء إذ توفر نحو 95% من حجم الاستهلاك، فضلا عن أن دورة إنتاج المزروعات المائية تصل لنصف مدة منتجات الطريقة التقليدية، مبينا أنه يمكن زراعة جميع أنواع الخضار وبعض أصناف الفاكهة بواسطة الماء.
وأشار العطار إلى أن منتجات الطريقة المائية والتقليدية يتشابهان في طرق عرضهما للمستهلكين وكذلك أسعار بيعهما، وذلك بسبب محدودية إنتاج مزروعات الآلية الحديثة، رابطا تسويق منتجات الطريقة المائية بوصول كميات الإنتاج إلى أكثر من 30% من نسبة احتياجات السوق.
وتعد مشكلة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة يومياً، من أكبر التحديات التي تواجه العاملين في مجال الزراعة المائية، نظرا لأن عملية ضخ المحلول المغذي داخل الأحواض المائية مرتبطة بتوفر التيار الكهربائي، الأمر الذي يدفع المزارعين إلى استخدام أنظمة الطاقة البديلة كالخلايا الشمسية أو تشغيل مولدات الديزل.
في ذات السياق، قال مدير عام التربة والري في وزارة الزراعة بغزة، نزار الوحيدي لـ "العربي الجديد" إن حجم الإنتاج الناتج عن زراعة دونم واحد بدون تربة، يعادل إنتاج قرابة ثلاثة دونمات مزروعة بالطريقة التقليدية المتعارف عليها، مبينا أن المنتج النهائي للزراعة المائية يمتاز بجودته العالية وسلامته من أضرار المبيدات.
وأضاف الوحيدي: "لا تحتاج الزراعة المائية إلى عمليات حراثة وتنظيف؛ بسبب عدم نمو الأعشاب الضارة بشكل تام، وفي الوقت ذاته تتغلب على عيوب وأمراض التربة والنبات، وكذلك تحد بشكل كبير من استهلاك المياه، وبجانب ذلك تتميز الزراعة الحديثة بأنها ذات عمر افتراضي طويل".
وعلى صعيد أهمية نشر الزراعة المائية في القطاع، أوضح الوحيدي أن الأنظمة الحديثة للزراعة بدون تربة، تساعد في التغلب على مشكلة شح المياه في غزة ونقص الأراضي الزراعية بسبب الزحف العمراني، مبينا أنه يمكن تنفيذ هذا النوع من الزراعة على أسطح المنازل والجامعات والمدارس كونها لا تحتاج إلى مساحة كبيرة.
وأشار الوحيدي إلى أن فكرة الزراعة المائية ما زالت في طول النمو داخل قطاع غزة، وتواجه بعض التحديات أبرز نقص الخبرة الكافية لدى المزارعين وافتقار السوق المحلي لبعض التقنيات الحديثة اللازمة، فضلا عن ارتفاع التكلفة التأسيسية للمزرعة المائية والتي قد تصل لقرابة 25 ألف دولار للدونم الواحد، (الدونم يعادل 1000 متر مربع).
وحسب إحصائيات سلطة المياه في غزة، فإن عدد الآبار الجوفية يبلغ نحو 10 آلاف، منها 2700 بئر حاصلة على ترخيص حكومي، بينما يعمل العدد الباقي دون تراخيص وقد تم حفرها بشكل عشوائي.
العربي الجديد