يبدو أن الحرب التي تشنها مصر على المتعاملين في السوق السوداء للعملة لا تؤتي ثمارها المرجوة. فبعد شهر من خفض قيمة الجنيه الذي كان من المفترض أن يخفف حدة نقص حاد في الدولار بالنظام المصرفي يزدهر نشاط السوق الموازية في المقاهي والمتاجر والمنازل.
وأطلق البنك المركزي الذي كان يأمل بأن يؤدي خفض قيمة الجنيه 13%، إلى تخفيف الضغوط النزولية على العملة المصرية حملة على مكاتب الصرافة التي تتعامل بأسعار أعلى كثيرا من السعر الرسمي.
غير أن الفجوة بين السعر الرسمي للعملة والاسعار في السوق السوداء باتت تتسع أكثر من أي وقت مضى بعدما كانت ضاقت لفترة وجيزة مع خفض العملة حيث يشتري المتعاملون الدولار ويبيعونه بزيادة 20%، فوق السعر الرسمي البالغ 8.78 جنيه.
ويقول متعاملون إن الإجراءات التي اتخذها المركزي لم تسفر إلا عن تفاقم الأزمة. ويتحاشى حائزو الدولارات النظام المالي الرسمي بما يجعله متعطشا للعملة الصعبة الأمر الذي يفرض مزيدا من الضغوط على الجنيه ومن المتحتمل ان تكون له عواقب وخيمة على التضخم وثقة المستثمرين والنمو الاقتصادي.
وقال مصرفي طلب عدم ذكر اسمه "لم يعد أحد يبيع الدولارات للبنوك. الجميع يفضلون الذهاب إلى السوق السوداء التي ستشتري منهم بأسعار أعلى."
وأضاف قائلا "الدولارات لم تعد تدخل النظام المصرفي وإحتياطيات البنك المركزي الدولارية لا تكفي لدعم الحاجات الاستيرادية للبلاد."
تقلبات الجنيه
والقضاء على السوق السوداء ضروري لاستعادة ثقة المستثمرين إذ سيقلل خطر تآكل أرباحهم بسبب تقلبات الجنيه.
ويواجه المستثمرون الأجانب صعوبة بالفعل في تحويل أرباحهم بسبب هبوط الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي إلى أقل من النصف منذ 2011 لتصل إلى حوالي 16.5 مليار دولار في مارس آذار. وجعل هذا من الصعب عليهم تحويل أرباحهم بالجنيه إلى العملة الصعبة من خلال النظام المصرفي.
وحتى قبل خفض قيمة الجنيه الشهر الماضي والذي صاحبه إطلاق أدوات مالية تهدف إلى جذب العملة الصعبة إلى البنوك لجأ المركزي المصري إلى استخدام سلطة يخولها له القانون. ففي فبراير ألغى المركزي تراخيص أربع شركات صرافة لها 27 مكتبا.
ومنذ ذلك الحين لم تتحول توقعات تدفق الدولارات إلى حقيقة على أرض الواقع وأحال البنك المركزي هذا الشهر 15 شركة صرافة أخرى إلى النيابة العامة. وقال البنك يوم الأربعاء إنه ألغى تراخيص 9 شركات أخرى لتلاعبها في أسعار الدولار في السوق الموازية.
مردود عكسي
ويقول مصرفيون إن الحملة على السوق السوداء كان لها مردود عكسي إذ أنه مع زيادة المخاطرة في التعامل في السوق الموازية ارتفع الدولار أمام الجنيه وبدأ الناس يكتنزون العملة الصعبة للمضاربة على السعر. وأدى ذلك إلى هبوط العملة المصرية إلى مستوى قياسي لتبلغ 11.50 جنيه مقابل الدولار هذا الأسبوع.
وقال زياد وليد الخبير الاقتصادي في بلتون المالية "المتعاملون يضاربون على الدولار والمستوردون الذين يحتاجون الدولارات يعجزون عن الحصول عليها ويضطرون إلى شرائها من المتعاملين أو المضاربين ومن ثم فإن سعر السوق السوداء يضع الاقتصاد المصري في مأزق."
ووصف أحد المتعاملين الوضع بأنه متأزم قائلا إنه في حين يسعى البنك المركزي لمعاقبة المتعاملين بالسوق السوداء إلا أنه لا يملك الموارد اللازمة لمحاربتهم.
تشديد الرقابة
وأضاف قائلا "سنؤمن أنفسنا وسنواصل العمل وسنؤديه بحذر كما لو كنا نتاجر في المخدرات. سنحتفظ بالدولارات ولن نبيعها. من أين سيحصل البنك المركزي على الدولارات؟".
على مسافة قريبة من أحد مكاتب الصرافة بالقاهرة كان أحد المتعاملين يحتسي القهوة في مقهى بمنطقة وسط المدينة وهو يمارس نشاطه ويبرم صفقاته عبر الهاتف بعيدا عن أعين السلطات.
وسأل متعاملا آخر قائلا "هل معك ريالات؟.. سآخذ كل ما لديك" عارضا سعر السوق السوداء للعملة السعودية.
وهذا مثال على مدى سهولة تأقلم المتعاملين مع تشديد الرقابة.
ويقول متعاملون إنهم يعرضون الأسعار الرسمية في مكاتب الصرافة التي تخضع للرقابة الشديدة دون إبرام أي صفقات ثم يعقدون الصفقات في المقاهي أو أي مكان آخر بأسعار السوق السوداء.
ملاحقة مستمرة
وأمام مكاتب الصرافة يقف شبان ينفثون دخان سجائرهم ويهمسون في أذن العملاء "دولار؟ يورو؟"
وقال مدير مكتب آخر للصرافة في وسط القاهرة "لا أحد يشتري أو يبيع بالسعر الرسمي ولهذا فإنه عندما يغادر العملاء يجدون أشخاصا يقفون في الخارج يلاحقونهم ويعرضون عليهم شراء الدولارلاات بالأسعار غير الرسمية."
وقال تاجر عملة "إذا اغلق مكتب الصرافة فإننا سنواصل العمل من الشوارع وبهذه الطريقة سيصل السعر إلى 13 أو 14 جنيها مقابل الدولار."
وأطلع تاجر عملة رويترز على سيارة يستخدمها لنقل الاموال إلى الزبائن في أكياس للنفايات مخبأة في صندوق السيارة الخلفي. وقال متباهيا "أكبر مبلغ حملته هذه السيارة يعادل 11 مليون جنيه مصري".
رويترز