رام الله- الاقتصادي- طالب مختصون وخبراء اقتصاديون بضرورة اعتماد السلطة الفلسطينية لاستراتيجيات وإقرار سياسات تهدف للحد من تأثير الإجراءات الإسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني، والى تقليص التبعية للاقتصاد الإسرائيلي. ومن المهم أيضاً أن يرافق هذا الجهد إجراءات عملية على الأرض تسهم في تحقيق الأهداف المنشودة وتعزز من فرص نجاح تلك المساعي، ولزيادة الترابط التجاري لفلسطين مع المحيط العربي ودول العالم. جاء ذلك خلال جلسة الطاولة المستديرة التي عقدها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) في مقره برام الله أمس، حول التدابير الاقتصادية الإسرائيلية إثر الحرب الأخيرة على غزة وتداعياتها على الاقتصاد الفلسطيني.
وأكد المشاركون في الجلسة على دور الحكومة في التخفيف من التداعيات الاقتصادية على المواطن الفلسطيني من خلال تحمل جزء من التكاليف المترتبة على الإجراءات الإسرائيلية، وتحسين البيئة القانونية المنظمة للشأن الاقتصادي بما يضمن تطبيق السياسات والقرارات الاقتصادية بشكل جدي وبما يحقق الأهداف الاقتصادية ويساعد على تنظيم السوق الفلسطينية وتعزيز صمود المواطنين ويحقق أمنهم الاقتصادي. وفي هذا السياق، أوصى المشاركون بتعزيز الاستيراد المباشر والوكالات التجارية المباشرة للمنتجات المستوردة، وترجمة المساعي الفلسطينية بفك التبعية للاقتصاد الإسرائيلي من خلال تغيير أنماط الاستهلاك وتبني هذا النهج كنمط وأسلوب حياة. وبالتوازي مع ذلك، يمكن تعزيز العلاقات بالاقتصاد الفلسطيني داخل الخط الأخضر والاستفادة من التشابه في أنماط الاستهلاك والبعد الوطني والاجتماعي، وتحقيق فوائد كبيرة للطرفين. وبهذا الصدد، نادى البعض بضرورة تكثيف الجهود لترتيب عقود تجارية مع حكومات الدول العربية والصديقة لتصدير المنتجات الفلسطينية، وتحسين جودة وتنوع المنتجات الفلسطينية لزيادة تنافسيتها في الأسواق المحلية والدولية. وفي إطار المسعى الفلسطيني لتعديل العلاقات الاقتصادية غير المتوازنة مع الاقتصاد الإسرائيلي، أشار البعض لأهمية تنويع الشركاء التجاريين مع الاقتصاد الفلسطيني وعدم تركيز التجارة مع الجانب الإسرائيلي، وعدم التجاوب مع التدابير الإسرائيلية بخصوص رفع القيمة المضافة في الاقتصاد الفلسطيني في محاولة لتجاوز الإطار المقيد للاقتصاد الفلسطيني والمتمثل باتفاق باريس الاقتصادي. إضافة إلى ضرورة تكاتف جهود مختلف الأطراف من مستهلكين ومنتجين وحكومة لإنجاح الجهود والمبادرات الهادفة لتحسين أداء الاقتصاد الفلسطيني.
تحدث خلال الجلسة كل من: السيد نظير مجلي من فلسطينيي الداخل والخبير في الشؤون الاقتصادية الإسرائيلية، والسيد عزمي عبد الرحمن من وزارة الاقتصاد الوطني. وشارك في الجلسة نخبة من الرسميين والخبراء والقانونيين وممثلي المؤسسات العامة والأهلية والقطاع الخاص. أدار الجلسة مدير البحوث في "ماس"، د. سمير عبد الله، وعرض في تقديمه جملة من التدابير الإسرائيلية المقترحة لتغطية تكلفة العدوان، والتي انعكست باقتراحات ملموسة لتقليل الإنفاق العام وزيادة الإيرادات. وفتح المجال لمتحدثين لتقديم مداخلاتهم والإجابة على تساؤلات المشاركين في الجلسة.
عرض السيد نضير مجلي في مداخلته المنطلقات الإسرائيلية في مجال إعداد الموازنة وتخصيص الموارد المالية للقطاعات المختلفة، والأبعاد السياسية والإستراتيجية التي تصاحب إعداد الموازنة في إسرائيل. وبيّن أن الموازنة الإسرائيلية للعام 2015 أقرت من قبل الحكومة بانتظار مصادقة الكنيست الإسرائيلي عليها لتصبح نافذة. وأشار إلى أن تغييرات متوقعة على بنود الموازنة ستحدث عند عرضها على الكنيست في إطار التجاذبات والمصالح السياسية والحزبية. وأضاف مجلي بأن الموازنة الحالية كان من المفترض أن تشهد تغييرات هيكلية لصالح الفئات المهمشة والطبقة المتوسطة، إلا أن العدوان على غزة وتخصيص موارد مالية أكبر للجهد الحربي، غير توجهات الموازنة، حيث شهدت تقليصات مباشرة في الإنفاق في المجالات الاجتماعية الأخرى وزيادة متفاوتة في جانب الإيرادات مع تنامي للعجز في الموازنة سيتم تمويله في مرحلة لاحقة. وأشار إلى أن الإستراتيجية الحربية لإسرائيل تتحكم في سلوك صانع القرار وتنعكس على مختلف جوانب الحياة في إسرائيل. ومن شأن الاستمرار بهذا النهج القائم على عسكرة المجتمع الإسرائيلي وتخصيص موارده للقطاعات الأمنية تصاعد الحملات الشعبية داخل إسرائيل للمطالبة بإنصاف الطبقات المهمشة والمتوسطة، وخصوصاً في المجتمع العربي في إسرائيل، والحد من هدر الموارد على المجهود الحربي الذي يخدم مصالح فئات وقطاعات محدودة. وأكد على أن الاقتصاد العربي في إسرائيل يمتلك المقومات الاقتصادية والبشرية التي تمكنه من تطوير أدائه وتنويع خياراته ورفع مستوى المواطن العربي. ونوه مجلي في ختام مداخلته إلى خطورة التوجهات الإسرائيلية المستقبلية الرامية لزيادة موازنة الأمن والجيش في السنوات الثلاث القادمة لترتفع من 65 مليار شيكل إلى أكثر من 90 مليار شيكل.
بدوره، استعرض السيد عزمي عبد الرحمن أهم قنوات التشابك مع الاقتصاد الإسرائيلي، وأشار إلى تركز التجارة الخارجية لفلسطين مع الجانب الإسرائيلي، حيث تشكل الصادرات إلى إسرائيل 87% من إجمالي الصادرات الفلسطينية في حين تشكل الواردات من إسرائيل حوالي 72% من الواردات الفلسطينية. وأوضح أن الحكومة الفلسطينية تبذل جهوداً كبيرة وتتبنى استراتيجيات وسياسات موجهة من أجل تقليل الترابط مع الاقتصاد الإسرائيلي والحد من تأثيره على الاقتصاد الفلسطيني. وفي هذا السياق أشار إلى الجهود المبذولة في الانضمام للمؤسسات الأممية وخاصة منظمة التجارة الدولية، وتعزيز التبادل التجاري مع دول العالم، والعمل على تنفيذ إستراتيجية التصدير التي أقرتها الحكومة مؤخراً، وإستراتيجية دعم المنتج الوطني وتنظيم السوق وتعزيز أداء القطاعات الإنتاجية. وأضاف بأن السلطة الفلسطينية تعمل على تطوير البيئة الممكنة للأنشطة الاقتصادية في الجانبين القانوني والمادي المتمثل بتحسين البنية التحتية وإقامة المدن الصناعية. ورغم الجهود المبذولة، أكد عبد الرحمن على صعوبة تحقيق انعتاق فعلي طالما بقي الإحتلال وفي ظل استمرار العمل باتفاق باريس وفرض القيود الإسرائيلية على التجارة الخارجية والأنشطة الاقتصادية للفلسطينيين.
شهدت الجلسة مداخلات من قبل المشاركين ركزت بشكل أساسي على جوانب التقصير في الأداء الحكومي الفلسطيني في مواجهة التدابير والإجراءات الإسرائيلية نتيجة ضعف القدرة على تقييم أثر وتداعيات هذه الإجراءات على الاقتصاد الفلسطيني. وأن تأثير الإجراءات الإسرائيلية لا يقتصر على المدى القصير بل سينعكس على أداء الاقتصاد الفلسطيني بعد فترة وخصوصاً مع تزامن تلك الإجراءات مع انخفاض سعر صرف الشيكل أمام الدولار، والارتفاع المتوقع في اسعر السلع المستورة وارتفاع تكاليف المعيشة. واشار البعض الى خطورة الاحتكار المشترك من قبل بعض المنتجين والتجار الفلسطينيين والإسرائيليين لبعض السلع مما يساهم في تعميق أثر التداخل بين الاقتصادين. وأكدوا على أن الجانب الإسرائيلي لا يراعي المصالح الاقتصادية للفلسطينيين عند إقرار سياساته وتوجهاته الاقتصادية. وتساءل البعض عن جدوى وتأثير السياسات الاقتصادية الفلسطينية في المرحلة السابقة في ظل تعدد الشواهد التي تدل على تراجع أداء الاقتصاد وخصوصاً القطاعات الإنتاجية.