الكاريزما ليست هبة ربّانية كما يعتقد كثيرون، بل هي مهارة من الممكن اكتسابها. وفي حين ما زالت البحوث العلمية مستمرّة حولها، بيّنت واحدة من أبرز الدراسات أنّ أولئك الذين يتمتّعون بالكاريزما، تعلّموها وأتقنوها ولم تولد معهم.
كتبت الدكتورة إيما سيبالا، وهي مديرة مركز البحوث والتعليم في جامعة ستانفورد الأميركية ومؤلّفة كتاب "درب السعادة"، إنّ "الحضور يلعب دوراً كبيراً في التأثير بالآخرين". وفي الدراسة التي أشرفت عليها، شدّدت على أهميّة حضور الشخص الذهني. أي عدم إظهار الاهتمام بما يقوله الآخر فحسب، بل الإصغاء إليه بجديّة. وسألت: "لو كنت في حفل كوكتيل ووقفت تتحدّث إلى شخص يتلفّت حوله ويراقب الحاضرين، فما هو انطباعك عنه؟ هل يجذبك أو يؤثّر بك؟". وردّت طبعاً بالنفي، وذلك "لأنّه مشتّت ذهنياً أو ربّما يبحث عن شخص أهمّ منك في القاعة". أضافت: "هل من الممكن أن ترغب في التحدّث إلى مثل هؤلاء الأشخاص مرّة ثانية؟
برأيها، لا أحد يكترث إلى التحاور مع شخص غائب ذهنياً، والأسوأ أن يكون أيضاً منشغلاً بالتكنولوجيا. تجدر الإشارة إلى أنّ دراسة بحثية بيّنت أنّ الهاتف الخليوي يضعف التواصل وجهاً لوجه.
من جهة أخرى، تقول سيبالا إنّه "حين تلتقي بشخص يسلّط كامل انتباهه عليك ويتفاعل معك في المحادثة، من الطبيعي أن تحب وتهتم بالمقابل أكثر بكثير، بما يقال".
عند سؤال عدد من الطلاب الجامعيين في العاصمة البريطانية لندن عن الكاريزما، تقول جستينا، لـ"العربي الجديد"، إنّها تتمنّى أن تكون شخصية مميّزة، لكنّها تجد نفسها محرجة وعاجزة عن التحدّث على طبيعتها بين مجموعة من الأشخاص الجدد، وغالباً ما تبقى صامتة، بسبب قلقها من رأي الآخرين بما تقوله. وتلفت إلى أن بعض الطلاب يتمتّعون بحضور باهر وتجهل كيف بمقدورهم جذب الجميع من حولهم. أما ديريك، فيشير إلى أنّ مشكلته لا تكمن في التواصل مع أصدقائه من الشبّان بل في كيفية جذب فتاة إليه. وهو على الرغم من وسامته واقتراب الفتيات منه في البداية، إلا أنّهن ما يلبثن أن يتحوّلن إلى مجرّد صديقات. وبابتسامة يقول إنّه لا يحتاج إلى مزيد من الصديقات. وهنا يتدخّل صديقه بيتر الذي تدخل ليوضح أنّ ديريك لا يتصرّف على طبيعته مع الشابات، ويفقده الخجل قدرته على التحدّث إليهن من دون تكلّف. "هذا ما يجعله يظهر ضعيفاً، فيما الشابة تبحث عن شاب واثق".
هذه الإجابات البسيطة تثبت صحّة الدراسة التي أشارت إلى ستّة أمور أساسية من أجل التمتّع بكاريزما، وهي:
1- تقمّص العواطف: أي القدرة على الإحساس بشعور الآخرين ووضع ذاتك في مكانهم وظروفهم. ولا يمكن القيام بذلك من دون الحضور الذهني الكامل معهم.
2- مهارات استماع جيدة: وأبرزها انتظار الشخص لإنهاء كلامه لقول ما يدور في خلدك وعدم مقاطعته من دون الاهتمام بحديثه لإبهاره أو التأثير عليه بما قد تدلي به من معلومات. ذلك التشتت الذهني، يعني أنّك لا تستمع بالفعل.
3- التواصل بالنظر: يُعدّ من أقوى أساليب التواصل الإنساني، إذ حين يحوّل الشخص نظره بعيداً عنّا، نشعر بأنّه فقد انتباهه لما نقول.
4- الحماسة: أو القدرة على امتداح أفعال الآخرين وتشجيعهم. بالحضور الفعّال نستطيع رفع معنويات من يتحدّث إلينا.
5- الثقة في الذات: ينشغل كثيرون بكيفية رؤية الآخرين لهم وحكمهم عليهم حين يتحدّثون، ما يجعلهم يتصرّفون على غير طبيعتهم. وعوضاً عن التركيز على ما يقال، يقلقون بشأن مظهرهم. لذلك تنصح الدراسة بالتركيز على حديث الآخرين عوضاً عن التوتر بشأن ما يتعلّق برأيهم بشخصيتك.
6- مهارة التحدّث: أو القدرة على التواصل بعمق مع الآخرين. من الضروري أن تعرف شخصية الحاضرين إذا كنت ترغب في التأثير بهم. والطريقة الأفضل أو الوحيدة للقيام بذلك، هي في الحضور الذهني الكامل للتعرّف إليهم وإلى كيفية تفسيرهم لما قد تقوله.
العربي الجديد