يعود سلامة أبو شماس(40 سنة)، من سكان منطقة البركة، في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، على ظهر دابته، بعد رحلة استمرت لساعات، لجلب حشائش للجمال التي يُربيها، بجوار منزله الواقع في منطقة بالكاد تكون صحراوية.
ويقطع "أبو شماس" مسافة تزيد عن "6 كم" ذهابًا وإيابًا، بشكلٍ شبه يومي، على ظهر دابته، لجلب الحشائش من على الحدود الشرقية لمدينة دير البلح، والتي تنتشر بها الحشائش، في هذا الموسم، ولعدم توفر مراعي طبيعية لتلك الإبل.
رغم تلك المشقة التي يُكابدها "أبو شماس" الذي ينحدر من قبيلة السواركة البدوية، التي تشتهر قديمًا بتربية الإبل، وما يزال بعضًا من أفرادها يحافظون على تربيتها ليومنا الحاضر، يُصر على المحافظة على تربية النوق منذ أكثر من 30 عامًا، كجزء من التراث والعادات والتقاليد التي توارثها عن أجداده.
ويشعر بسعادة غامرة، وهو ينظر لها، ويُطعمها، ويداعبها، من شدة حبه لها، وعشقته لتربيتها، فيما يقضي جزءًا كبيرًا من يومه في الاعتناء بها، و "در" الحليب منها، وتوزيعه للمحتاجين دون مقابل، لحاجه الكثيرين إليه، لعلاج العديد من الأمراض ومنها "الربو، وآلام البطن، والاستسقاء، وأمراض الكبد وتليفه".
لم يكُن للمردود المادي أي دور رئيس في حفاظ "أبو شماس" على تربية الجمال، بل للحفاظ على عادات وتقاليد ورثها عن أبائه وأجداده، منذ عشرات السنين، خاصة العائلات البدوية أمثالهم، التي ما تزال رغم التقدم الحضاري، تُحافظ في على عاداتها وطقوس حياتها، مع اختلاف بعض الشيء.
ويقول بينما يُداعب ناقته ومن حولها صغيرها "القاعود" إن "الإبل هي ثروة البدوي العربي، ومن أهم وسائل عيشه، وهي هواية، ومحبة، وسُلالة، كالتي أملكها، فهي من سلالة "الملحوسي" وهي من شبه جزيرة سيناء"، مُشيرًا أن تسمية "سُلالة من الإبل" تعود لمُربيها.
ويضيف "فهناك تسميات عديدة مشهورة، منها (قعيري، عشيبي، حرازي، رخيمان، عسيقان، خضيران، شعيلان، ضبعان، زريقان)، لكن الأكثر انتشارًا في قطاع غزة هو الملحوسي"، لأنهم أتوا به من سيناء، وما تزال سلالته منذ أكثر من ثلاثين عامًا متواجدة في غزة.
ويتابع "نستفيد من تربيتها، الحليب، وأحيانًا اللحم، ونبيعه عن الحاجة، ما بين (600-700 دينار أردني (حوالي ألف دولار أمريكي) للرأس البالغ سبعة أشهر"، موضحًا أنه يُسمي صغيرة ناقته "علياء" وينده لها بهذا الاسم وتسمع منه، فالإبل "الهجين" قريب من الإنسان لارتباطه به.
ويلفت "أبو شماس" وهو يحتضن ناقته علياء، إلى أنه يتأقلم مع أجواء قطاع غزة، ويعيش في أي طقس، ويأكل الحشائش، أو الصبار، أو ما توفر له، مُشيرًا أن عيون الإبل "مُحدبة"، لذلك "ترى خمسة أضعاف الإنسان، مهما كان صغيرًا، لذلك تُطيعه، لكن الأنثى أكثر أمانًا من الذكر، فالأخير ممكن أن يغدر صاحبه، أو أحدًا تعرض له".
ويشتكي مربوا الإبل، حسب أبو شماس، من قلة المراعي، وضيق المساحة، التي تسببت في تقليل تربيتها، سوى بعض العائلات البدوية القاطنة قرب الحدود الشرقية أو المحررات والمواصي الساحلية، فيما أظهرت إحصائية صادرة عن وزارة الزراعة بغزة عام 2012، إلى وجود حوالي (ألف رأس إبل) فقط بالقطاع.
ويُقاطع مصطفى المغايضة(40عامًا) نظيره "أبو شماس" بالقول لمراسل الأناضول إن "الإبل تعني لنا الكثير، فأنا ما زالت أربيها، فهي تراث وتاريخ، وماضي، وذكرت في القرآن، وفي الأحاديث النوبية، والنبي محمد (ص) استقلها".
ولفت المغايضة، إلى أن "لحليبها فوائد في علاج الكثير من الأمراض"، مؤكدًا أن "تربيتها شاقة، وتتحمل المشقة، وعادت منذ سنوات لتُستخدم في الحفلات البدوية والمناسبات كذكرى النكبة ويوم الأرض، لارتباطها في التراث".
ويشير المغايضة إلى أن "ذكر الإبل لو تعرض للضرب لن ينسى، ويغدر"، ويقول "البحر غدار والجمل حاقد"، مُشيرًا أن "الذكر يصوم أربعة أشهر في العام لا يأكل كثيرًا بها، وهي فترة حمل أنثاه، ويستمر حملها مدة 12شهرًا" ويزيد، "وطيلة فترت حملها، وأحيانًا 13شهرًا، لا يوجد بها حليب".
ولفت إلى أن السلالة التي يُربيها، عمرها (9 أعوام)، فكلما تلد واحدة، يبيعها، ويُحافظ على "أولادها" مُشيرًا أن "الإبل تمتاز بطيب لحمها، ومعاشرتها، للإنسان، وتتمع بذاكرة قوية، لو ضلت(تاهت) طريقها تعود لمكانها مُجددًا" مُطالبًا بـ "توفير مراعي، والاهتمام بمربي الإبل، وإقامة مسابقات هجين".
الاناضول