وسط توجه حثيث لإلغاء إصدار الفئات الورقية ذات القيم الكبرى، دعا وزير الخزانة الأميركي الأسبق الذي يعمل حالياً في جامعة هارفارد، لاري سمرز، إلى إنهاء إصدار الورقة النقدية من فئة "100 دولار"، والتي تشكل الكم الأكبر من الأوراق الدولارية المتداولة في أميركا ودول العالم.
وقال سمرز في تعليقات بجامعة هارفارد، على بحث بهذا الصدد، إن سحب الأوراق النقدية من الفئات الكبيرة سيجعل العالم أكثر أماناً، في إشارة الى استغلال عصابات الإرهاب والمافيا والجريمة المنظمة في أنحاء العالم لاستخدام هذه الأوراق في تخزين أموال الجريمة.
وكانت المفوضية الأوروبية قد أعلنت الأسبوع الماضي أنها تدرس مع البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت دور الورقة النقدية فئة "500 يورو" في تمويل الإرهاب والجريمة المنظمة بهدف إيقاف إصدارها، وهنالك احتمالات كبيرة أن يتم إلغاء هذه الورقة النقدية خلال العام الجاري، وسط كم المعلومات الهائل المتدفق من الشرطة وأجهزة المخابرات الأوروبية حول استخدام عصابات الجريمة المنظمة لها في غسل الأموال وتبييض أموال المخدرات وتمويل الإرهاب.
وكانت شرطة "سكتلنديارد" البريطانية قد ضبطت في العام الماضي إحدى الصرافات المتخصصة في غسيل أموال المخدرات عبر تبديل الفئات الورقية من اليورو والإسترليني بورقة الـ"500 يورو" مقابل عمولة تصل إلى 5%. وتعد الورقة النقدية فئة "100 دولار" العملة المفضلة لعصابات الإجرام ومغنطيس الجذب الأكبر في الإتجار غير المشروع وإخفاء أموال الجريمة.
وتمثل هذه الورقة نحو 1.1 ترليون دولار من بين الكتلة النقدية الدولارية المتداولة داخل أميركا وفي أنحاء العالم، البالغ حجمها 1.4 ترليون دولار. وفي حال تبني مجلس الاحتياط الفدرالي "المركزي الأميركي" لفكرة لاري سمرز، بإلغاء هذه الورقة، فإن عصابات الجريمة والإرهاب ستكون قد فقدت أحد أهم عملاتها المستخدمة في تبييض الأموال.
وتشير دراسة صدرت هذا الأسبوع في جامعة هارفارد إلى أن إنهاء إصدار الأوراق النقدية ذات القيم الكبيرة، سيساهم تلقائياً في بناء مجتمعات نظيفة من الغش والجريمة والاحتيال.
ولكن هناك مخاوف من أن تستغل المخابرات في الدول الغربية استخدام نظام "بطاقات الدفع" البديل لحمل النقد، في محاصرة المواطن العادي والتجسس عليه، لأنها ستتمكن عبر استخدام "الكروت البلاستيكية" من تتبع حركة أفراد المجتمع وأوجه صرفهم وبالتالي ربما تستخدم هذه المعلومات في الحد من حريات الأفراد والمجتمع.
ويقدر البروفسور بيتر ساندز الذي نشر الدراسة في موقع "كلية كيندي سكول" التابعة لجامعة هارفارد، حجم أموال الجريمة في أنحاء العالم بنحو ترليوني دولار، فيما قدر حجم أموال الفساد، المحصلة من الرشاوى وعمولات الساسة في دول العالم النامي بنحو ترليون دولار سنوياً.
واقترح ساندز في الورقة إلغاء إصدار مجموعة من الأوراق النقدية في أنحاء العالم من الفئات الكبرى، على رأسها ورقة "100 دولار" وورقة الـ"500 يورو" و"200 يورو" والـ"100 يورو" التي يصدرها المصرف المركزي الأوروبي، وورقة الـ"1000 فرنك سويسري"، وورقة الـ"50 جنيه إسترليني" التي يصدرها بنك إنجلترا "البنك المركزي البريطاني".
ويرى البروفسور ساندز، أن هذه الأوراق هي الفئات المفضلة لدى العصابات وإلغاء إصدارها سيمنح العالم فرصاً أفضل لمحاصرة الجريمة والإرهاب.
وأشار في هذا الصدد إلى أن العالم بات حالياً مشبعاً بالبنوك وبطاقات الائتمان وبطاقات الدفع وماكينات السحب الآلي التي تمكن المجتمع من التعامل المالي، دون حاجة لحمل نقود بكميات كبيرة.
ويذكر أن هناك دولاً سبق لها أن ألغت إصدار الأوراق النقدية من الفئات الكبيرة. من بين هذه الدول كندا، والتي سبق أن ألغت إصدار ورقة الـ"1000 دولار كندي"، وسنغافورة التي ألغت إصدار "ورقة لـ 10 آلاف دولار سنغافوري".
ولاحظ البروفسور ساندز أن الطلب تزايد خلال السنوات الأخيرة على الفئات الورقية الكبرى من النقود، خاصة ورقة الـ"100 دولار" الأميركية وورقة الـ"500 يورو" الأوروبية. مشيراً إلى أن هذا الطلب يدل على نشاط الجريمة التي تستخدم هذه الأوراق في تبييض الأموال.
ولم يعد سراً أن عصابات المخدرات في أميركا، وفي مدن مثل نيويورك وشيكاغو وميامي، تستخدم بنوكاً سرية لحفظ أموالها في أوراق نقدية من فئة "100 دولار".
وتجري هذه العصابات عمليات غسيل واسعة عبر المتاجر الصغيرة في الأحياء، خاصة تلك التي يديرها مهاجرون أو في الأحياء الفقيرة في شرقي هارلم وبعض مناطق البرنكس وجزء من أحياء بروكلين، فهي توفر لهذه المتاجر الحماية وتمنحهم القروض، في مقابل غسيل أموال الجريمة، عبر تمريرها إلى حساباتهم في البنوك، ثم إعادتها نظيفة لهم عبر "فواتير وهمية" لبضائع لم تستلم.
وحسب معلومات "العربي الجديد"، فإن عصابات المخدرات عبر هذه الوسيلة تتمكن من تبييض مليارات الدولارات المجنية من المخدرات والسرقات والرشاوى.
وفي المكسيك ضبطت الشرطة خلال العام الماضي كميات من النقود قيمتها 207 ملايين دولار، كلها من فئة الـ 100 دولار.
كما ضبطت الشرطة الإيطالية قبل أشهر سيارات فان محشوة بأوراق نقدية من فئة الـ 500 يورو. وفي الدول الأفريقية تستخدم ورقة الـ"100 دولار"، كوسيلة مفضلة في رشوة رجال الأمن وتمرير البضائع الممنوعة في الجمارك والمطارات.
وكالات