نابلس-الاقتصادي-وفاء الحج علي- تقول بعض الطرائف أنه إن كنت ترغب بتناول كنافة نابلسية حقيقية، ما عليك إلا أن تحاول تقليد اللهجة النابلسية وأن تدّعي بأنك ابن هذه المدينة أبًا عن جد، أما إن كنت من الفلاحين، فحتمًا ستضطر لأن تأكل بواقي الحلو الذي لم يباع في اليوم الذي قبله.
"كنافتنا واحدة"
عند سؤالنا عن الفرق بين كنافة الصباح وكنافة المساء، (كنافة الصباح المخصصة للفلاحين)، يقول أسامة أبو صالحة، إحدى تجار الكنافة المخضرمين وصاحب محل حلويات أبو صالحة الذي يقع في قلب المدينة، ضاحكًا: "هذا كلام مزح وضحك فقط، فعليًا لا يوجد أي شيء من هذا القبيل على أرض الواقع، فكنافة المساء هي نفسها التي نقدمها صباحًا، ونحن بالتأكيد لا نصنع شكلين منها".
وعند سؤالنا عن جذر هذه الفكرة، يوضح: "عادةً تكون الحركة في الصباح خفيفة، لذا يداعب التجار الزبائن قائلين إن لا أحد يقترب من كنافة الصباح لأنها مخصصة للفلاحين، الذين اعتادوا القدوم إلى نابلس لقضاء أغراضهم في الصباح والعودة إلى قراهم قبل العصر بسبب عدم توفر خطوط مواصلات بعد ساعة معينة".
ويضيف: "أسمع الكثير ممن يقولون أننا نصنع كنافة بعد العصر لبيعها لأهل نابلس الأصليين، لأنهم يميزون الكنافة الجيدة من التجارية، وأننا نقدم ما يتبقى منها في اليوم التالي لغير النابلسية، وحينها يقول البائع: "هّي إلكن إلكن لو إنها باتت، لذا من الأفضل أن تأكلوها اليوم، ثم بات الفلاحون يتنكرون ويأتون مساءً ليتذوقوا الكنافة الأصلية، لكن اعتقد أن هذا الكلام هو نوع من الفكاهة لا أكثر".
طازجة من الفرن
"الأقصى محلّي المفضل عندما أقرر أن أتناول حصة من الكنافة، فهو في أكثر المنطق العتيقة في نابلس ويشهد حركة نشطة جدًا، لجودة كنافتهم، هذا يضطرهم لتحضير صوان من الحلو بشكل مستمر، وأضمن ألا تكون كنافة قديمة"، يقول صبري مدينة، أحد الشبان القرويين الذين جعلوا من الكنافة من الطقوس المعتادة عند زيارته المدينة.
ويوضح: "لم ألحظ أبدًا فرقًا في نوعية الكنافة المقدمة، رغم أنني أزور المدينة في أوقات مختلفة من النهار، ففي معظم الأحيان أرى الكنافة وهي تخرج طازجة من الفرن، وتكون جبنتها ذات جودة عالية أما السرّ فهو أن تختار محلاً يجيد صنعها، وهناك الكثير من المحلات الموثوقة في نابلس".
ويرى مدينة أن هذه القصص بدأت كإشاعات وانتشرت حتى بات الناس يتناقلونها ويصدقونها، والغرض منها في كثير من الأحيان يكون التحريض ونشر الكراهية والنعرات بين أهالي القرى والمدن".
لماذا يقتنع الفلاحون بوجود هذه المؤامرة؟
أبو يزيد البالغ من العمر السبعين، هو صاحب إحدى المحلات العتيقة في خان التجار، وهو قروي يتاجر بالعطور والأعشاب منذ عشرات السنين في أقدم منطقة في نابلس، يقول: "عشت في نابلس أكثر من قريتي التي ولدت فيها، وأستطيع أن أجزم أنه للأسف هناك نزعة عنصرية في نابلس تتدخل في أصغر الصغائر في حياتنا، ففي القدم بات أهل المدينة يفرقون أنفسهم عن غيرهم بلباسهم مثلاً أو باختياراتهم عند الزواج وغيرها من الأمور، وحتى في نوعية الكنافة التي تقدّم لمن يأتي من الضواحي".
ويضيف أبو زيد: "يمكنك أن تجرب ذلك بحيلة بسيطة، فإن ذهبت إلى محل للكنافة وأخبرت التاجر أنك ابن العائلة الفلانية والتي هي من أصل نابلسي، وطلبت منه أن "يتوصى فيك"، فإنه سيجلب لك كنافة من مكان غير تلك المعروضة في البترينا، أو سيحضرها مخصوصًا لك وعلى الوصاة".