في ميناء غزة، وسط ازدحام المتنزّهين، عشرات من الأطفال يبيعون الشاي والقهوة. بين كلّ خمسة مقاعد في الميناء يقف طفل يحمل إبريقاً وينتظر زبائنه.
هم من مئات الأطفال الذين نزلوا إلى ساحات العمل بسبب الفقر، خصوصاً بعد العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة. أحمد منصور أحد هؤلاء. هو من حي الشجاعية، يبلغ من العمر 9 أعوام، ويعمل في هذه المهنة منذ عام ونصف. في الصباح هو مثل أي تلميذ يُقبِل على مدرسته بكل جد. لكن ما إن ينتهي من مدرسته، ينضم للأطفال العاملين في الشوارع والمتنزهات. يقول لـ"العربي الجديد": "يخبرني والدي أنّ عملي في هذه السن يجعل مني رجلاً يتحمّل كل شيء. وأنا الآن أستطيع تطوير عملي إلى شيء أكبر من ذلك. بدأت بإبريق شاي، واليوم لديّ بسطة عليها أباريق شاي وقهوة بالإضافة إلى النيسكافيه".
لا يدرك أحمد المخاطر التي من الممكن أن تلحق به في هذه السن. هو يعتقد أنّه أفضل من غيره من الأطفال، وأنّ مستقبله سيحمل له كلّ خير، فباستطاعته تحدي مصاعب المستقبل.
عن هذا، تقول المتخصصة في بحوث الأطفال في مركز "حماية" لحقوق الإنسان كروان الشامي، لـ"العربي الجديد": "يتولى الأهل في مثل هذه الحالات تحميل الطفل مسؤولية كغيره من الأشخاص الناضجين، وعقلية الطفل تحتّم عليه شخصية ناضجة، وهذا ما يزيد من المخاطر الجسدية التي قد تلحق به. كذلك، قد يسبب له العمل في هذه السن نوعاً من العزلة المجتمعية في المستقبل".
تشير الشامي إلى ضعف وعي الأهالي بأهمية الطفولة، ما يتطلب زيادة التثقيف في هذا الجانب، خصوصاً في ظل عدم اهتمام أي حكومة فلسطينية سابقة بهذا المجال. فالحكومات تعتمد بشكل أساسي على الجمعيات المحلية والمؤسسات الدولية.
في ساحة الجندي المجهول أيضاً كثير من الباعة الأطفال. من هؤلاء أحمد بهادر (10 أعوام)، من سكان حي الزيتون، يعمل في هذه المهنة هو وشقيقاه مصطفى (8 أعوام)، وأيمن (12 عاماً). يقول لـ"العربي الجديد": "نعمل منذ 3 أعوام، أنا وأخي أيمن، كما انضم مصطفى إلينا هذا العام. أجد في فصل الربيع والصيف متعة في اللعب والتأمل في الناس، أما في الشتاء فأواجه صعوبة كبيرة، لأنّ الجو لا يرحمنا. لكننا مضطرون للاستمرار في البيع، فوالدنا استشهد عام 2008".
من جهته، يرافق الطفل عبد الله الحتو (11 عاماً)، من مخيم الشاطئ، عدداً من الأطفال يومياً إلى الميناء. يحمل كلٌّ منهم بسطته على كتفه ويسلكون طريق المخيم والبحر وصولاً إلى الميناء، ويبيعون السجائر وحلوى غزل البنات والمسليات والمكسرات. هو يبيع الشاي والقهوة، ويمضي أطول وقت داخل الميناء من الساعة 12 ظهراً حتى الثامنة مساءً. أما بقية من معه، فلدى بيعهم بضائعهم يسارعون إلى المنزل. كلّما باع ما لديه جهّز مجدداً ليبيع أكثر.
يقول عبد الله :"أعود إلى المنزل عندما أتمكن من تحصيل ما لا يقلّ عن 40 شيكلاً (11 دولاراً أميركياً) من الربح الصافي". هو ما يطلبه والده منه، فالطعام في المنزل "يتطلب وحده 30 شيكلاً، ووالدي عاجز عن العمل منذ 5 أعوام بسبب إصابة في قدمه".
تعتمد عائلة عبد الله على مدخول ابنها بشكل يومي، بالإضافة إلى مساعدات وزارة الشؤون الاجتماعية المالية كلّ 3 أشهر. كذلك، يعمل أخوه مأمون (16 عاماً)، مساعد ميكانيكي، لكنه لا يتمكن من تحصيل أيّ مدخول، لأنه ما زال متدرباً.
وتشير الشامي إلى زيادة العائلات التي تجبر أطفالها على العمل بسبب إعاقة ما لدى معيل الأسرة، وهو ما انتشر في الأعوام الخمسة الأخيرة في الضفة الغربية وغزة. وتؤكد أنّ الأمر يتسبب بضرر سلوكي أيضاً للطفل "بسبب تعلّمه اللغة الهمجية في العمل والتعامل مع الناس، بالإضافة إلى لغة التوسّل".
102 ألف
تشير أرقام "مركز الإحصاء الفلسطيني" إلى وجود 65 ألف طفل عامل تتراوح أعمارهم بين 7 أعوام و14 عاماً في مجمل الأراضي الفلسطينية. ويرتفع الرقم إلى أكثر من 102 ألف طفل يعملون في سنّ تتدنى عن 18 عاماً، وهو العمر المعتمد في اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة. ويعد هذا العدد كبيراً بالقياس إلى عدد السكان، ويعمل هؤلاء باعة في الشوارع، أو عمالاً وحمّالين في الورش والمصانع والمنشآت الاقتصادية المختلفة.
نقلا عن العربي الجديد