لم يعد بمقدور المواطن جمال صبح (37 عاماً) توفير احتياجات عائلته الأساسية إلا بالحد الأدنى، وذلك بعدما فقد وظيفته في أحد مصانع قطاع غزة، والتي أغلقت أبوابها مطلع عام 2008؛ نتيجة لتداعيات الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ نحو تسع سنوات متواصلة.
وحاول صبح، والذي يعيل عائلة مكونة من ستة أفراد، على مدار السنوات الماضية إيجاد فرصة عمل تبعده عن شبح الفقر، ولكن جميع محاولاته اصطدمت بتداعيات الحصار المشدد، الأمر الذي جعل من المساعدات المالية التي يتقاضاها كل قرابة ثلاثة أشهر كمعونة اجتماعية، مصدر دخله الوحيد.
وأوضح صبح أن: "ظروفه الاقتصادية أجبرته على ترك شقته المستأجرة لعجزه عن دفع ثمن إيجارها الشهري، والعودة إلى السكن في إحدى غرف بيت العائلة القديمة، في مخيم الشاطئ للاجئين، غربي مدينة غزة، على الرغم من أن البيت لا يصلح في مجمله للعيش الآدمي".
ويصرف جمال نصف ما يتقاضاه كل ثلاثة أشهر على ثمن علاج داء السكري، والذي تعاني منه زوجته، فيما يدخر ما يتبقى لشراء الحد الأدنى من احتياجات عائلته الضرورية، معتمدا على تبرعات الجمعيات الإغاثية في توفير المواد الغذائية والتموينية لعائلته.
ولا تختلف ظروف صبح عن أوضاع المواطن نضال عبد الله، ولكن الأخير غرق في وحل الفقر والبطالة منذ عام 2000 بعدما منع الاحتلال عمال غزة من العمل داخل أراضي عام 1948، ومنذ ذلك الحين تدهورت أوضاعه المعيشية والاقتصادية بشكل حاد إلى أن تجاوزت حد الفقر المدقع.
ويعيش عبد الله (41 عاماً) وأسرته المكونة من أربعة أبناء، في شقة سكنية متهالكة تفتقر لأدنى مقومات البيئة السكنية الصحية، فالجدران المتآكلة من الرطوبة العالية فضلاً عن الثغرات والتشققات في السقف العلوي، مروراً بعدم احتوائها على الخدمات اللازمة لممارسة الحياة اليومية.
وقال إنه: "لجأ برفقة شقيقه للعمل على عربة صغيرة لبيع حاجيات الأطفال وطلبة المدارس، مقابل أجر مادي لا يتجاوز شهرياً قرابة لـ 250 دولاراً يتقاسمانه معاً، موضحا أن العمل على العربات المتنقلة يتطلب العمل تحت أشعة الشمس الحارقة ومطر الشتاء".
وأدى الحصار والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القطاع، إلى ظهور عشرات المشاريع الصغيرة، والتي يأمل أصحابها أن توفر لهم مصدر دخل مالي بسيط، ينشلهم من الأوضاع الحياتية القاسية، على الرغم من المتاعب الجسدية المرافقة لذلك العمل.
بدوره، أرجع أستاذ علم الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، معين رجب، سبب ارتفاع معدلات الفقر في غزة لثلاثة عوامل، يتعلق الأول بمنع الاحتلال قرابة 100 ألف عامل من العمل داخل أراضي عام 1948، والثاني يرجع إلى الحصار الإسرائيلي، بينما يعد الانقسام الفلسطيني السبب الثالث.
وأوضح أن: "تداعيات الحصار والحروب التي شنت على القطاع خلال السنوات الماضية، تسببت بإغلاق وتدمير مئات المنشآت التي كانت تعتبر مصدر دخل مالي للعاملين فيها"، لافتاً إلى أن معدلات الفقر وصلت إلى نحو 30 % وأن قرابة 15% من سكان غزة يعيشون تحت خط الفقر المدقع.
وبيّن أن: "الانقسام الفلسطيني الداخلي الحاصل منذ منتصف عام 2007 سبب إضافي في ارتفاع مستوى الفقر، والذي يمنع قرابة 45 ألف موظف عملوا مع حكومة غزة السابقة، من الحصول على رواتبهم الشهرية كاملة، وكذلك يعيق وضع خطط وطنية شاملة تضمن الحد من الفقر ومعالجته".
وزاد إغلاق الأنفاق الحدودية بين مدينتي رفح الفلسطينية والمصرية من نسبة المتعطلين عن العمل والفقر داخل القطاع، بعدما ساهمت أثناء فترة عملها في توفير فرص العمل وإعادة الحياة جزئياً لبعض القطاعات الاقتصادية.
وذكر الدكتور معين أن: "الخطوة الأولى لمعالجة الفقر تتمثل برفع الحصار عن القطاع بشكل كامل، إلى جانب دعم المنشآت الاقتصادية التي تعطلت عن العمل في السنوات الماضية وتوفير جميع الاحتياجات اللازمة لإعادة الحياة لها".
ونبه إلى أن: "الفقر يؤثر سلبياً في القدرة الإنتاجية للاقتصاد المحلي وكذلك يدفع الشباب والأيادي العاملة إلى الهجرة خارج القطاع، بالإضافة إلى تأثير الفقر على الحياة الاجتماعية وما قد ينتج عنه من ارتفاع معدلات الجريمة".
ووفقاً لتقرير حديث صدر عن المركز الفلسطيني للإحصاء، فقد سجل الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة تراجعاً بنسبة 1.5% خلال الربع الثاني من عام 2015، مقارنة مع الربع الثاني لعام 2014، حيث بلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني من العام الجاري 473.5 مليون دولار، بينما بلغ نصيب الفرد 261.2 دولاراً خلال الفترة ذاتها، مسجلاً تراجعاً بنسبة 4.8% مقارنة مع الربع الثاني من العام الماضي.
نقلا عن العربي الجديد