انحدرت أسعار النفط خلال الأسابيع الماضية دون الـ30 دولاراً للبرميل الواحد، كما تراجع خام برنت إلى أدنى مستوى له في 12 عاماً، في حين يشير مراقبون إلى أن الانخفاض قد يستمر حتى يصل إلى 10 دولارات للبرميل الواحد، لينزل بذلك إلى مستويات لم يشهدها منذ 2009.
واتخذت المملكة العربية السعودية موقفاً محسوباً بدقة بدعمها انخفاض أسعار النفط؛ لأن دعم الرياض انخفاضَ أسعار الذهب الأسود يسبب مشاكل لغريمتيها موسكو وطهران، بحسب تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، في وقت سابق، والتي اعتبرت أن السعودية تقف وراء انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية.
ويحذر خبراء من أن سوق النفط ما تزال تعاني من انعدام التوازن في ظل الإفراط في العرض وانحسار الطلب، وقد توقعت المصارف الكبرى لأسعار النفط أن تصل إلى 10 دولارات؛ ومنها مصرف ستاندرد تشارترد أحدث المصارف الكبرى الذي انضم إلى مصرفي جولدمان ساكس ومورجان ستانلي في توقعاتهما، وفقاً للصحيفة.
- الخاسرون من انخفاض الاسعار
وساهم انخفاض أسعار النفط في قلب عديد من المعادلات السياسية والاقتصادية في المنطقة، وكذلك عمّق الأزمة المالية التي تعيشها إيران والصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الروسي، في حين ما تزال المكاسب السياسية الأمريكية بمنأى عن الضغوط، بحسب تقارير دولية.
ووضعت إيران مسودة ميزانية للسنة المالية لعام 2016، التي تبدأ في 20 مارس/آذار بناء على سعر للنفط يتراوح بين 35 و40 دولاراً للبرميل.
وكثيراً ما ألقت باللوم على منافستها الإقليمية السعودية متهمة إياها بالسعي لدفع أسعار النفط إلى الهبوط كوسيلة لتقويض الاقتصاد الإيراني الذي ما يزال يرزح تحت العقوبات، في حين شهدت تصريحات وزير المالية الإيراني، علي طيب نية، الشهر الماضي، تحدياً جريئاً بأن إيران ستظل صامدة حتى إذا شهدت أسعار النفط مزيداً من التراجع، مشيراً إلى أن النظام الضريبي في إيران قد يساعد على خفض الاعتماد على إيرادات النفط.
ورغم انتعاشها بعد توقيع الاتفاق النووي مع الدول العظمى، ورفع العقوبات الاقتصادية، ما يزال بطء استثمارات شركات الطاقة الآسيوية والأوروبية لتطوير البنية التحتية للطاقة في إيران، التي تضررت من جراء العقوبات الغربية، يُشكل تحدياً كبيراً أمام تعافي الاقتصاد الإيراني على المستوى القريب، ويقول خبراء إنه إذا ما استطاعت الرياض تحمل عجز الميزانية للحفاظ على أسعار نفط منخفضة، ستلحق الضرر بطهران وتجبرها على عائدات بنصف السعر المقدر في ميزانيتها العام الماضي.
ورغم أن طهران ترى أنها تحررت من الضغوط الأمريكية والغربية بعد الاتفاق النووي، لكن السعودية تملك أدوات الحرب الاقتصادية ممّا سيزيد الوضع سوءاً بالنسبة للخزينة الإيرانية، إذ تملك الرياض سلاحاً اقتصادياً آخر يكمن في إيداعاتها الخارجية، ولها نفوذ كبير على المصارف الأجنبية وشركائها المستثمرين الغربيين، وتستطيع من خلالها التهديد بسحب الأموال من هذه الجهات في حال تعاملت مع إيران.
- السعودية
وعلى الرغم من أن انخفاض الأسعار سبب بعض الضرر للميزانية في السعودية في العام الجاري، وهي أكبر دولة مصدرة للخام في العالم، إلا أن مراقبين يشيرون إلى أن المملكة مستعدة لاستيعاب التبعات، وطالما أكدت على مدار الأعوام الماضية أنها ستوفر لمختلف دول العالم احتياجاتها من النفط.
سامويل سيزوك، مستشار أمن الطاقة لدى معهد الطاقة السويدي، قال في عام 2014 إن من المرجح أن تتحكم السعودية في الإمدادات كما تفعل منذ عدة سنوات، مستبعداً أن تضغط من أجل خفض رسمي لامدادات "أُوبك" حينها، كما أشار إلى أن هذه الحقيقة ستستحوذ على فكر دول الخليج ومنظمة أوبك بصفة عامة، ما يفسره مراقبون بأن أزمة الأسعار الحالية وراءها دول الخليج؛ للضغط على المنافسين بخصوص الملفات الدولية والإقليمية.
- روسيا
بالإضافة إلى أزمة أسعار النفط، أثرت مقاطعة موسكو المنتجاتِ والشركات التركية بشكل عكسي على الاقتصاد والعملة الروسية، كما تضرر اقتصادها من العقوبات التي فرضها الغرب وأمريكا عليها عقب تورط موسكو في أوكرانيا، في حين يقود هبوط الروبل إلى ارتفاع سعر عدد كبير من الواردات الروسية من الخضراوات إلى السلع الفاخرة، وهو ما يضعف موقفها في التفاوض والنفوذ أكثر في المنطقة، بحسب محللين.
الخبير في مركز الدراسات السياسية والدولية في لندن، نيل بارنت، اعتبر في وقت سابق، أن الرياض العاصمة الوحيدة في العالم القادرة فعلياً على توجيه ضربة قاسية إلى قطاع النفط الروسي، وترويض الكرملين وإجباره على التفاوض في ملفي سوريا وأوكرانيا.
ويشير إلى أن الغرب قد يلجأ مجدداً إلى السعودية لتشديد الخناق على روسيا؛ لأن أي انخفاض في سعر برميل النفط في السوق العالمية اليوم بنحو 15 أو 20 دولاراً سيشكل كارثة لموسكو لا يمكنها تفاديها، كما أكد أن الإدارة الأمريكية قد تستغل غضب الرياض الجامح من موسكو؛ بسبب دعم الأخيرة نظام بشار الأسد المستمر في قتل شعبه منذ ثلاثة أعوام مستنداً إلى الفيتو الروسي في مجلس الأمن.
ويرى كثير من المحللين والخبراء الغربيين أن الاقتصاد السوفييتي لم يتحمل هبوط أسعار النفط في عام 1985، مقابل ارتفاع معدلات الإنتاج ونزول سعر البرميل إلى 10 دولارات، لذلك كان أحد أهم أسباب انهيار الدولة السوفييتية وتفككها في عام 1991، وهي سياسة تتبعها دول الخليج حالياً لردع نفوذ إيران في المنطقة.
وفي غضون ذلك، تستعد الحكومة الروسية لإجراء اقتطاعات جديدة في الميزانية تصل إلى 10%، في حين تعاني السلطات من جراء تدهور أسعار النفط، بحسب ما أوردت صحيفة فيدوموستي المتخصصة بالأعمال، الثلاثاء الماضي، حيث أعدت موسكو ميزانية 2016 بناء على سعر 50 دولاراً للبرميل، إلا أنه مع انخفاض سعر البرميل إلى نحو 30 دولاراً، تسعى إلى خفض الإنفاق لعدم تجاوز العجز سقف 3% المقرر في ميزانية 2016، إذ إن التراجع المستمر في الأسعار يزيد من حجم المخاطر على اقتصاد موسكو، الذي يعاني أصلاً من أزمة أدت مؤخراً إلى انخفاض سعر الروبل إلى أدنى مستوياته منذ ديسمبر/كانون الأول 2014.
- حرب الأسعار
خلاصة رأي المراقبين والمحللين؛ تتمحور حول وجود تعاون بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية لخفض أسعار النفط؛ بهدف ممارسة ضغوط على الخصوم في خضم الصراع الإقليمي والدولي، حيث يسود الاعتقاد أن هناك اتفاقاً بين الدولتين على استخدام النفط سلاحاً في صراعهما؛ حيث تسعى أمريكا للضغط على موسكو، التي يعتمد اقتصادها على النفط والغاز، من أجل ملفات عاجلة منها الأزمة الأوكرانية والسورية، وهو ما يتقاطع مع الأجندة السعودية في الملف السوري.
بالإضافة إلى اتفاق الدولتين على استمرار محاصرة إيران اقتصادياً؛ فالأخيرة أيضاً تعتمد على بيع النفط لتدوير عجلة اقتصادها الذي يعاني من عقوبات على خلفية الملف النووي، وهو أيضاً ما يزعج السعودية، بالإضافة إلى ما تراه في نفوذ إيراني واسع يحاصر المملكة ومصالحها من اليمن والعراق إلى سوريا مروراً بالبحرين.