بقلم / محمد خالد أبو جياب
منذ بدء العدوان الاسرائيلي على غزة اكتوبر من العام 2023 ، بدأت معه الحرب الاسرائيلية غير المعلنة على مختلف مكونات القطاع الخاص الفلسطيني الصناعية والتجارية والزراعية والخدماتية، فقد دمر الاحتلال ما يزيد عن 80٪ من المصانع الفلسطينية في القطاع وعلى رأسها مدينة غزة الصناعية شرق القطاع، ومدينة بيت حانون الصناعية شمال القطاع، بالإضافة إلى تدمير ما يصل الى 70٪ من مكونات القطاع الزراعي والأراضي الزراعية ، وأكثر من 80% من المحال والمخازن والشركات التجارية في القطاع، كما تكبدت شركات الاتصالات المحمولة والأرضية مئات ملايين الدولارات خسائر مباشرة وغير مباشرة بسبب عمليات التدمير والقصف الممنهج لمكونات الشبكات الأرضية والابراج الهوائية، إضافة إلى تدمير غالبية فروع المصارف وأصول النظام المصرفي في غزة وسرقة الأموال منها والعبث بمحتوياتها من قبل جنود الجيش الاسرائيلي. كل الارقام والبيانات الأولية السابقة للخسائر والتي فقدها القطاع الخاص الفلسطيني لم تكن نتائج جانبية للعمليات العسكرية والقتال المباشر في الميدان، ولم تكن خسائر غير مباشرة، بل كانت بسبب الاستهداف المباشر والممنهج والمخطط له على المستوى السياسي الاسرائيلي ونفذه الجيش ميدانيا عبر القصف بالطائرات والدبابات للمنشآت الصناعية والخدماتية والتجارية والزراعية بشكل مباشر، لقتل اي محاولة فلسطينية للتنمية والبناء والإنتاج والاعتماد على الذات، وقطع الطريق على اي محاولة فلسطينية لبناء اقتصاد وطني مستقل وقوي على طريق بناء القرار السياسي المستقل. تاريخيا الاحتلال الاسرائيلي يعرقل ويقيد حرية الحركة الاقتصادية في غزة، وفي فلسطين عموما، عبر إجراءاته المعقدة على المعابر فق القطاع والضفة الغربية، والقيود المفروضة على الاستيراد والتصدير، وقوائم المنع للمنتجات والمواد الخام، والإجراءات السياسية العقابية بحق مؤسسات السلطة الفلسطينية والقطاع الخاص الساعية لبناء اقتصاد وطني قوي، فيقرصن أموال المقاصة، ويصادر الأراضي ويوسع الاستيطان ويمنع العمال من أعمالهم، ويقيم الحواجز ويقيد الحركة. وهاي هي اليوم تتوحد جهود مجموعات الضغط واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الامريكية مع حكومة يمينة اسرائيلية تحكم في اسرائيل وتمارس أبشع جرائم القتل الجماعي في غزة، لملاحقة من تبقى من رجالات ومؤسسات القطاع الخاص الفلسطيني، والتي باتت عنوانا للبقاء والامل في إعادة الإعمار وبناء اقتصاد قوي متماسك قادرة من خلاله على التأثير السياسي الفاعل إقليميا ودوليا لوقف الحروب وبناء سلام حقيقي. فقد تابعت العديد من الأخبار والتقارير في الأيام الماضية والتي اشارت إلى رفع دعوى قضائية ضد شركة فلسطين للتنمية والاستثمار(باديكو) ومجموعة من شركاتها التابعة، إضافة إلى شركة مسار العالمية، وهي شركات يديرها ويملكها رجل الأعمال الفلسطيني بشار مصري، والذي تداول اسمه كأحد أهم الأشخاص الفاعليين في ترتيبات ملف اليوم التالي في قطاع غزة بوصفه رجل المرحلة وفق العديد من المتابعين والمحللين في الأوساط الغربية والإقليمية وحتى الاسرائيلية. وهنا يجب أن نتوقف طويلا للتفكير في مآلات وانعكاسات وحيثيات هذه الدعوى، ليس فقط على السيد بشار المصري وشركاته، بل على مجمل مؤسسات وشركات القطاع الخاص الفلسطيني ورجال اعماله، والمواطن الفلسطيني عموما، بوصفهم الهدف القادم اذا ما نجح اللوبي في هذا الاستهداف، واظنه لن ينجح بسبب كذب وتضليل مقومات بناء هذه القضية وهذا الادعاء. فالعائلات الأمريكية المدفوعة بقوة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والتي رفعت الدعوى في المحاكم الأمريكية تشير إلى جملة من الاتهامات بحق المصري وشركاته تتمثل في مساعدة حماس وصولاً لشن هجومها بتاريخ السابع من أكتوبر، وهذا بالتأكيد هو الادعاء المعلن كما أشارت إليه وسائل الإعلام الامريكية، إلا أن الهدف الأكبر والاكثر خطورة ما وراء هذه الدعوى يكمن في هدفين كلاهما اخطر من الاخر، ويتمثل الهدف الاول في ضرب القطاع الخاص الفلسطيني في مقتل والانتقال من مرحلة التدمير الجزئي المباشر، بعد أن خضع لمرحلة السيطرة والتحكم، ليصل إلى مرحلة التدمير الشامل لمكونات الاقتصاد الفلسطيني بمختلف جوانبه. ويتمثل الهدف الثاني في القضاء على (الفلسطيني المقبول دوليا) وهنا نتحدث عن نجاح رجل الأعمال الفلسطيني بشار المصري مؤخراً بفتح قنوات اتصال مباشرة بين الإدارة الأمريكية والمبعوث الأمريكي الخاص لشؤون الرهائن أدم بوهلر من جانب وحركة حماس من جانب اخر، الأمر الذي أثار غضب حكومة القتل في تل ابيب بقيادة نتنياهو، واعتبرت هذه الخطوة خروجا عن سيطرتها وتبعدها عن تحقيق اهدافها في إبقاء السيطرة والتحكم المباشر في مجريات القضية الفلسطينية، إضافة الى الأحاديث المتزايدة عن كونه الرجل الذي تفضله الإدارة الأمريكية لقيادة المرحلة المقبلة، فيما يعرف باليوم التالي، والذي تقاتل فيه الحكومة الاسرائيلية على أنه لا يوجد شريك فلسطيني ولا يوجد فلسطيني قادر على صنع السلام أو يستحق بناء الدولة أو يمكنه كسب تأيد العالم وعلى رأسهم الإدارة الأمريكية. كما أن محاولة المصري طرح مدينة غزة الصناعية كنقطة لوجستية لإدارة عملية توزيع المساعدات الإنسانية بالشراكة مع الأمم المتحدة، وتواجده في قطاع غزة ومخيمات الضفة الغربية من خلال العديد من المبادرات جعلت منه رقماً صعباً ونداً عنيداً للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الذي يرغب حالياً في تحييده هو الآخر، بعد أن نجح ذات اللوبي وعبر حملة ضغط كبيرة في تحييد بوهلر ودفع إدارة ترامب لسحب ترشيحه كممثل الإدارة لشؤون الأسرى. وختام القول اليوم هو ما يجب فعله فلسطينيا في مواجهة كل هذه الحروب متعددة الجبهات والوسائل ضد كل ما هو فلسطيني على الأرض الفلسطينية، فنحن الآن أمام معارك حاسمة، الأولى في قاعات المحاكم الأمريكية، والأخرى على الأرض عبر مزيد من الصمود والتعاون والترابط بين كل مكونات الشعب الفلسطيني لنتمكن سوياً من عبور هذه المرحلة الحرجة بأقل الخسائر. فلكل منا دوره المهم في هذه المواجهة غير المسبوقة فلسطينيا، الفصائل الوطنية والسلطة الوطنية والأحزاب والقيادات ومنظمات المجتمع المدني ومكونات ومؤسسات القطاع الخاص والفلسطينيين في الخارج والداخل، إن لم نقف جميعا صفا واحدا في هذه المواجهة، فلن يكتب لنا البقاء بعدها ولن يرفع لنا راية ولن تقوم لنا دولة.