الاقتصادي - قالت صحيفة إيكونوميست إن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أطلق خلال حملته الانتخابية الحالية وعودا جريئة تثير المخاوف على الصعيدين الداخلي والخارجي، شملت تعهدات بترحيل ملايين المهاجرين غير النظاميين، واستخدام الجيش ضد من أسماهم "المجانين اليساريين" الذين يقودون الحزب الديمقراطي، وحتى ضرب عصابات المخدرات في المكسيك بالصواريخ.
ورغم أن فترة ولايته الأولى لم تحقق أسوأ السيناريوهات التي كان يتوقعها الديمقراطيون، فإن العودة لولاية ثانية من شأنها أن تمنحه سلطة لتطبيق سياساته بفعالية أكبر، ما يشكل "تهديدا خطيرا للمؤسسات الديمقراطية الأميركية والعلاقات الدولية".
وفي الوقت الذي تقود فيه مؤسسة هيريتيج اليمينية "مشروع 2025″، وهي خطة من 900 صفحة لأجندة ولاية ترامب الثانية، يشير العديد من الخبراء إلى أن "ترامب وفريقه مستعدون لتنفيذ سياسات مفصلة، وقد تم اختيار الكوادر بعناية لتكون على مستوى هذه المهمة"، وفقا لكيرت وايلاند من جامعة تكساس الذي تحدث لإيكونوميست واصفا هذه الأجندة بأنها قد تتسبب في "تفكك المؤسسات الديمقراطية الأميركية كما نعرفها".
أصبحت هذه الأجندة، بعد 8 سنوات من التطوير، قادرة على تحقيق اختراقات مؤثرة في جهاز الدولة الأميركية، حيث يسعى أنصار ترامب لتفادي أخطاء الولاية الأولى من خلال اختيار فريق متمرس، ولاؤه المطلق لترامب.
ولا يقتصر الخطر على الإجراءات ذات الطابع السياسي فقط، إذ إن المحكمة العليا، من خلال قراراتها الأخيرة، منحت صلاحيات موسعة للرئيس الأميركي، وهذا يعني أن ترامب، لو عاد إلى السلطة، قد يجد طرقا للالتفاف على معارضيه مستعينا بقرارات قضائية لصالحه، وفقا للصحيفة.
ويقول بنجامين ويتس، رئيس تحرير مجلة لوفير المعنية بالأمن القومي: "سيكون ترامب في وضع يسمح له بالضغط أكثر على سيادة القانون بطرق لم يتمكن من الوصول إليها في ولايته الأولى".
صدمات اقتصادية
وتذكر الصحيفة أن السياسات الاقتصادية التي يطرحها ترامب في حملته الحالية تتسم بالطموح ولكن تأثيراتها قد تكون كارثية، حيث تعهد بزيادة التعريفات الجمركية لتصل إلى 20% على جميع الواردات و60% على الواردات من الصين.
وتظهر تقديرات صادرة عن بنك جيه بي مورغان تشيس أن تطبيق التعريفات المقترحة سيؤدي إلى تراجع في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 0.3 و0.5 نقطة مئوية في السنة الأولى، مع ارتفاع التضخم بنسبة قد تصل إلى 1.5-2%.
ويشير آدم بوسين، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في حديث لإيكونوميست، إلى أن "الحد من تدفق السلع ومنع العمالة المهاجرة سيؤديان حتما إلى ارتفاع التضخم، وربما إلى ركود تضخمي".
علاوة على ذلك، يشمل مشروع ترامب تخفيضات ضريبية كبيرة، مع إعفاءات ضريبية على المكافآت والعمل الإضافي ومدفوعات الضمان الاجتماعي، مما يثير مخاوف من حدوث اضطراب في الأسواق.
وتمثل خطط ترامب لترحيل ملايين المهاجرين تهديدا مباشرا للعديد من القطاعات الاقتصادية التي تعتمد بشكل كبير على العمالة المهاجرة، مثل الزراعة والبناء والمسالخ، على حد قول الصحيفة.
ووفقا لإيكونوميست فإن هذه الخطط صعبة التنفيذ من الناحية العملية، إذ يتطلب ترحيل ملايين الأشخاص قوة بشرية وإجراءات قانونية هائلة. ويقول مايك جونستون، عمدة دنفر الديمقراطي: "حتى في خيال ترامب، لا يمكن فعليا إرسال عملاء إدارة الهجرة والجمارك إلى كل باب للقبض على 12 مليون مقيم وترحيلهم".
تأثير عالمي
وتشير الصحيفة إلى أن السياسة الخارجية تحت إدارة ثانية لترامب ستثير قلقا واسعا على المستوى العالمي. فنهجه غير المتوقع في السياسة الخارجية يعزز حالة عدم اليقين بين الحلفاء والخصوم
وخلال ولايته الأولى، اتبع ترامب نهجا متقلبا في السياسة الخارجية، حيث استخدم نفوذه الشخصي وتجاربه الخاصة بدلا من التخطيط الإستراتيجي طويل الأمد.
ويقول كوري شاكي من معهد إنتربرايز الأميركي في مقابلة مع الصحيفة: "إذا تم انتخاب ترامب مرة أخرى، فسنشهد ارتفاعا في تكاليف الفوضى السياسية، حيث سيتساءل الحلفاء عما إذا كان عليهم التكيف مع سياساته المتقلبة أم لا".
وقد وعد ترامب بإنهاء الحرب في أوكرانيا في غضون 24 ساعة بعد انتخابه، إلا أن مضمون هذا التعهد يظل غامضا. ومن المثير للقلق أن مستشاري ترامب يعكسون آراء متباينة حول كيفية التعامل مع الأزمة الأوكرانية، وهذا يزيد من خطر إشعال نزاعات جديدة.
وتقول تقارير إن التخلي المفاجئ عن أوكرانيا سيشجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما قد يفاقم التهديدات الأمنية في المنطقة ويدفع الحلفاء الأوروبيين إلى إعادة النظر في الاعتماد على الولايات المتحدة.
تهديد لسيادة القانون
لكن التهديد الأكبر في ولاية ترامب الثانية -وفق إيكونوميست- يتمثل في احتمالية تآكل سيادة القانون داخل الولايات المتحدة.
ولا يزال ترامب يصف خصومه السياسيين بـ"الأعداء الداخليين"، وقد وعد بالعفو عن المتورطين في أحداث اقتحام الكونغرس في السادس من يناير/كانون الثاني 2021، كما ألمح إلى إلغاء التهم ضده شخصيا.
ويقول بنجامين ويتس: "ترامب قد يكون خطرا أكبر على سيادة القانون، لأنه سيعود إلى السلطة هذه المرة بمزيد من الحقد على من عارضوه، وسيحاول إعادة تشكيل المؤسسات لصالحه".