الاقتصادي- خاص بآفاق البيئة والتنمية- جبريل محمد- اتسمت مكبات النفايات الصلبة في مدن وقرى الضفة الغربية، في ظل الاحتلال، بالعشوائية وبالطرق البدائية التقليدية، حيث استخدمت عمليات الدفن والحرق كوسيلة للتخلص من النفايات الصلبة في مكبات محدودة، ما تسبب في مشاكل كثيرة ناتجة عن ضعف الخبرة وقلة الامكانات، وأحيانا الإهمال. ومع قيام السلطة الفلسطينية تشكلت مجالس الخدمات المشتركة، وأنشأت مجمعات لمكبات النفايات في جنوب ووسط وشمال الضفة، هي مكب زهرة الفنجان في محافظة جنين، ومكب المنيا في محافظة بيت لحم، ومكب اريحا والاغوار واضيف اليها مكب بيت عنان شمال غرب القدس. يدير هذه المكبات مجالس الخدمات المشتركة كمؤسسات شبه حكومية، طبقا لنظام خاص صدر عام 1998، وأقصى مدة لاستخدام هذه المكبات 15 عاما، حيث تعمل هذه المكبات حاليا متجاوزة المدة المحددة دون اي تجديد او توسيع.
حقائق حول النفايات الصلبة
حسب مؤسسة هينرش بُل (أطلس البلاستيك، 2020)، يبلغ حجم النفايات سنويا، في الضفة الغربية وقطاع غزة (قبل العدوان الإسرائيلي الحالي)، حوالي 2 مليون طن، بمعدل كيلو غرام لكل فرد يوميا، وتزيد هذه النفايات بمقدار 4% سنويا، وتتوزع في مكوناتها كما يلي: نحو 50% نفايات عضوية، 15% بلاستيك، 13% ورق وكرتون، 2% معادن، 2% زجاج و18% نفايات متفرقة أخرى. ويجري تدوير1% فقط من هذه النفايات ويعاد استخدام 2% و65% تدفن في مطامر بينما 32% تصرف في مكبات غير قانونية (المصدر السابق).
الكمّيّات المتزايدة من النفايات الصلبة البلديّة تُرغم المكبّات على العمل بأعلى من طاقتها، ما يهدّد المعايير البيئيّة لديها وفي المناطق المجاورة. وفي حال عدم توفير مساحات إضافيّة كافية، سواء بإضافة عنابر في ذات المواقع أو ضمن مواقع جديدة، فلن تتمكّن هذه المواقع من الحفاظ على تصنيف "صحّيّ". وهذا يتعارض مع "الاستراتيجيّة الوطنيّة لإدارة النفايات الصلبة في فلسطين 2017-2022" التي وضعت هدف زيادة تغطية المطامر الصحّيّة للنفايات من 53% عام 2017 إلى %100 عام 2022.
هل هناك اعادة تدوير للنفايات الصلبة؟
من الاحصائية السابقة تكاد تكون عملية اعادة التدوير معدومة، وما يجري من اعادة تدوير يتم بشكل غير رسمي، ويقتصر احيانا على البلاستيك والورق والكرتون، في حين أن عملية إعادة تصنيع النفايات او استخراج الأسمدة العضوية او الغاز الطبيعي منها هامشية، فقط هناك من يخطط لعملية حرق النفايات الصلبة لتوليد الكهرباء، وبخاصة في مكب زهرة الفنجان، علما أن هذه العملية لا تولد الطاقة الكهربائية فقط، بل الى جانبها تتلوث البيئة بأدخنة الحرق، كما يحدث في عمليات الحرق غير القانوني للمخلفات الالكترونية بحثا عن معادن ثمينة (اذنا مثالا).
وفي المقابل، غالبا ما نرى سيارات في الشوارع تنادي من اجل شراء معادن مستهلكة او تجميعها من الشوارع والورش، بهدف بيعها للدولة المحتلة التي تعيد تدويرها وفق خبراتها.
وفي ظل فقدان العمل في سوق العمل الإسرائيلي، بعد 7 أكتوبر، نجد عددا من الشبان فاقدي فرص العمل، يجمعون الحديد او القناني البلاستيكية او الزجاجية الفارغة بهدف بيعها لدولة الاحتلال.
عدا ذلك، عند المرور بجوار اقفاص الكرتون التي وضعها مجلس الخدمات المشترك في رام الله والبيرة، نجدها اما مهترئة أو فارغة، او ان الكرتون قد رمي الى جانبها او في الحاويات الكبيرة المجاورة، ولا تهتم البلديات بمراقبة عملية الفرز هذه، او تسجيل كمياتها، بل ان سيارات النفايات البلدية تفرم كل أنواع النفايات وتضغطها مع بعضها البعض، بما في ذلك الورق والكرتون والبلاستيك، وهذا يدل على ان لا نية جدية لهذه البلديات بالاستفادة من تدوير النفايات الصلبة.
ورغم ان شركة خاصة تأسست لإعادة تدوير النفايات، الا انها اكتفت بموقع واحد (نابلس)، وحتى الان لم نجد اي تأثير واضح لمنجزات هذه الشركة، سواء في الاسمدة العضوية، او في مجالات اخرى.
الاحتلال يشتري نفايات من قرانا
في عام 2022، نشرت صحيفة (اسرائيل اليوم) خبرا عن ان دولة الاحتلال ستنفذ مشروعا للتخلص من نفايات 72 قرية فلسطينية في الضفة الغربية، وذلك عن طريق فرز مكونات النفايات التي يتم جمعها من قِبل البلديات، وجاء هذا العرض الاحتلالي جراء حرق النفايات في مناطق قلقيلية وطولكرم. وتقول الصحيفة إن الإدارة المدنية نجحت في اقناع كثير من رؤساء الهيئات المحلية في هذه القرى بالمشروع الذي يعتمد على مقاولين فلسطينيين يتعهدون بتوريد النفايات إلى السوق الإسرائيلي لإعادة تدويرها هناك.
في ضوء ما تقدم نرى ان هناك غياب للفاعلية الحقيقية والمنتجة في عملية إعادة تدوير النفايات الصلبة في الضفة الغربية، وأما الاسباب التي تمنع ذلك فهي غياب خطة ومشروع حقيقي قابل للتنفيذ، وضعف وعي المواطنين بأهمية إعادة التدوير، وعدم وجود رؤية واضحة لدى البلديات بأهمية اعادة التدوير.
كذلك، فان اللجوء الى الطرق الاسهل للتخلص من النفايات الصلبة عبر الطمر والحرق لا يشكل إهدارا للثروة فقط، بل يزيد الضرر البيئي ويراكم ملايين أطنان النفايات، وبالتالي مواصلة البحث عن مكبات جديدة بعد ان تصل المكبات القائمة الى ما فوق طاقتها الاستيعابية وبذلك يزداد عدد المكبات وتتفاقم الأضرار البيئية والصحية.
ورغم وجود قوانين وأنظمة تنظم التعامل مع النفايات الصلبة، الا ان هذه القوانين ما زالت غير فاعلة او أنها تفتقر الى الآليات التنفيذية، حيث تعجز الحكومة عن توفير موازنات جدية لتطبيق القوانين، فيما يعزف القطاع الخاص عن الاستثمار في هذا المجال، رغم أنه قليل التكلفة ويدر ارباحا طائلة في حال تنفيذ مشاريع التدوير بشكل منهجي وعلمي واقتصادي صحيح.
إن عملية التوعية بالفرز بين النفايات العضوية وغير العضوية لا تكفي، ويبقى الأمر في إطار الوعظ والتنظير، بل هناك ما يجب فعله لإلزام المواطنين بهذا الفرز، وأوله تمييز الحاويات بين العضوي والمعدني والبلاستيكي والورقي من جهة، وتقديم حوافز للمواطنين للإقدام على هذا الفرز المنزلي، وصولا الى الحاويات الرئيسية في الحي، ووجود عدة أنواع من سيارات جمع النفايات لا تعمل في نفس الوقت.
النفايات عبارة عن ثروة مهدورة يمكن استعادتها أو نسبة كبيرة منها من خلال التدوير وإعادة الاستخدام، وفي ذلك توفير للمال الذي يُنفق على إعادة شراء السلعة ذاتها أكثر من مرة. لذا، المطلوب قبل الوعي الذاتي والوعي الجمعي، سياسات فعالة للتعامل مع هذه الثروة المهدورة.