غزة... تكلفة العدوان والإصرار على الثبات والنضال من أجل الوجود والحقوق
ABRAJ: 2.08(%)   AHC: 0.80(%)   AIB: 1.23(%)   AIG: 0.19(0.00%)   AMLAK: 5.00(%)   APC: 7.25(%)   APIC: 2.29(0.00%)   AQARIYA: 0.82(%)   ARAB: 0.80(%)   ARKAAN: 1.34(0.00%)   AZIZA: 2.40(2.56%)   BJP: 2.80(%)   BOP: 1.50(0.00%)   BPC: 3.71(2.37%)   GMC: 0.80(%)   GUI: 2.08(%)   ISBK: 1.25(0.79%)   ISH: 1.00( %)   JCC: 1.75(2.78%)   JPH: 3.63(0.00%)   JREI: 0.28(%)   LADAEN: 2.50( %)   MIC: 2.71(%)   NAPCO: 0.99( %)   NCI: 1.65(1.85%)   NIC: 3.00(0.00%)   NSC: 3.07( %)   OOREDOO: 0.75(1.32%)   PADICO: 1.03(0.00%)   PALAQAR: 0.42(%)   PALTEL: 4.15(2.35%)   PEC: 2.84(7.49%)   PIBC: 1.07( %)   PICO: 3.39( %)   PID: 1.93( %)   PIIC: 1.80( %)   PRICO: 0.30(0.00%)   PSE: 3.00(%)   QUDS: 1.14( %)   RSR: 4.50( %)   SAFABANK: 0.80( %)   SANAD: 2.20( %)   TIC: 2.95( %)   TNB: 1.23( %)   TPIC: 2.00( %)   TRUST: 3.00( %)   UCI: 0.43( %)   VOIC: 7.12( %)   WASSEL: 1.07( %)  
10:52 صباحاً 10 آب 2024

غزة... تكلفة العدوان والإصرار على الثبات والنضال من أجل الوجود والحقوق

الاقتصادي- خاص بآفاق البيئة والتنمية- جورج كرزم- التكلفة البشرية للعدوان الدموي الإسرائيلي على قطاع غزة مروعة وصادمة. ووفقا للتقارير، تأكد استشهاد ما لا يقل عن 40 ألف فلسطيني، يضاف إليهم آلاف المفقودين والمدفونين تحت الأنقاض، بالإضافة لنحو 100 ألف جريح ومصاب. أي أن عدد الشهداء والمفقودين والجرحى أكثر من 6% من إجمالي السكان. وقد تضرر أو دمر مئات آلاف المنازل التي قصفت على رؤوس ساكنيها (أكثر من 80٪ من إجمالي المنازل)، ما أدى إلى هلاك آلاف الأسر بكاملها. وهُجِّر ما لا يقل عن 90٪ من السكان (أكثر من مليونين).  كما هناك عدد كبير غير محدد من الوفيات بسبب الجوع والمرض، علما أن أكثر من مليون مواطن غزي أصيب بأمراض معدية. إحدى التقديرات الأكاديمية أشارت إلى أن مئات آلاف الفلسطينيين قد يموتون في غضون عام ما لم تتوقف الحرب.

الدمار الهائل للبنية التحتية والمنازل وتشريد السكان وتمزق العائلات تسبب في أزمة إنسانية عميقة. أهالي غزة يكافحون للحصول على الضروريات الأساسية مثل الغذاء والماء والرعاية الطبية الغائبة، مع تقييد إسرائيلي كبير في تدفق المساعدات والموارد إلى القطاع. 

عملية التجويع والتعطيش الإسرائيلي منظمة مع سبق الإصرار. أهالي غزة يتقاسمون الجوع، فلا يجدون ما يأكلونه أو يطعمونه لأطفالهم. حتى أعلاف الحيوانات، التي كانوا يتناولونها في موجات المجاعة الأولى، نفذت.  98% من مخابز القطاع توقفت عن العمل و700 بئر مياه تعطلت.

قوات الاحتلال دمرت معظم المشافي وأخرجتها عن الخدمة، أما القليلة الباقية فاكتظت بالجرحى والمرضى أضعاف طاقتها الاستيعابية. الصدمة النفسية التي يعاني منها الأهالي، وبخاصة الأطفال، هائلة، حيث يعاني الكثيرون من اضطراب ما بعد الصدمة والقلق والاكتئاب.

حرب إبادة على الطفولة البريئة لا سابق لها في التاريخ البشري المعاصر، أكثر من 16 ألف طفل شهيد خلال أول ثمانية أشهر من العدوان (وهو رقم يفوق المسجل على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة من النزاعات في العالم)، ناهيك عن آلاف الأطفال المفقودين تحت الأنقاض. يضاف إلى ذلك، عشرات الآلاف بين جريح ومشرد وفاقد لعائلته أو لوالديه أو لأحدهما، وآلاف آخرين فقدوا أطرافهم أو عيونهم أو أصيبوا بعاهات دائمة، والمئات الذين اعتقلهم أو اختطفهم الاحتلال.

وبحسب تقارير أممية، فإن طفلا واحدا يصاب أو يستشهد في غزة كل عشر دقائق.  أكثر من 150 مركز نزوح (مدارس تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين/ الأونروا) استهدفها الاحتلال بالمجازر الجماعية المروعة.

عشرات آلاف الأطفال يعانون من سوء التغذية الحاد والجفاف، وآلاف آخرون يعانون من المجاعة، وجميعهم بالتالي معرضون للموت جوعا. كما أن عشرات آلاف الأجنة في بطون أمهاتهم معرضون للإجهاض والموت أو التشوهات الخلقية بسبب تأثيرات الذخائر والقنابل والمتفجرات.

مئات آلاف الأطفال أصبحوا بلا منازل، بعد أن دمرها الاحتلال، ومئات الآلاف فقدوا مقاعد الدراسة.

في حزيران الماضي، وبعد مضي أكثر من ثمانية أشهر على العدوان الإسرائيلي الدموي، قرر أنطونيو غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، إدراج الجيش الإسرائيلي في القائمة السوداء للدول والمنظمات التي تلحق الأذى بالأطفال.  الرد الإسرائيلي الرسمي على هذا القرار تجسد في التطاول المتعجرف على المؤسسات الدولية؛ فسفير إسرائيل في الأمم المتحدة "غلعاد أردان" قال معلقا: "جيشنا هو الأكثر أخلاقية في العالم، ومن يدخل القائمة السوداء هو الأمين العام لأمم المتحدة"! ومن ناحيته، "بنيامين نتنياهو" رئيس الحكومة الإسرائيلية أهان الأمم المتحدة قائلا: "الأمم المتحدة أدخلت نفسها القائمة السوداء للتاريخ"!    

إذا، أشهر فلسطينية طويلة من الخوف، الأنين، الوجع، القهر، الفراق، الشتات والنزوح، الطفولة المسروقة، المذابح البشرية الجماعية والدمار، لدرجة اعتياد الكثيرين على المشاهد البشعة.

أمام هذا المشهد الدموي البشع الذي صنعته دولة الاحتلال، لا يزال البعض يستغرب من إصرار أهلنا في غزة على الثبات والنضال من أجل وجودهم وحقوقهم، وتفضيلهم الموت وقوفًا على الحياة خنوعًا.

تعذيب مرعب

أبشع أشكال التعذيب المرعب مارسها المحتلون ضد آلاف المعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة؛ ففي معسكر الاعتقال المسمى "سديه تيمان" بصحراء النقب، تم حجز وتكبيل مئات المعتقلين في أقفاص، وآخرين مكبلي الأيدي والأقدام بأسرتهم، وهم يرتدون "الحفاضات"، وإبقائهم معصوبي الأعين لأسابيع طويلة، وجعلهم يقفون وأيديهم فوق رؤوسهم لفترة غير محدودة. المعتقلون يصرخون من شدة الألم، والكلاب تنبح عليهم.  كثيرون كُسِرَت عظامهم وأسنانهم، وبعضهم بُتِرَت أيديهم من شدة عنف ضغط الأصفاد، وقد تعرضوا للضرب يوميا بضع مرات، وهم مستلقين على بطونهم.

دمار اقتصادي وأزمة لاجئين

الأثر الاقتصادي للحرب كارثي، إذ دمر الاحتلال اقتصاد غزة الهش أصلا، فتدمرت الشركات والمنشآت التجارية والقطاعات الصناعية والزراعية والخدماتية، وارتفعت معدلات البطالة ارتفاعا مخيفا، فوصت إلى ما يقارب 100%. الافتقار إلى الفرص الاقتصادية جعل الفقر واليأس بين السكان مستدامان. كما أن هجرة وتشرد أكثر من مليوني شخص وَلَّدا أزمة لاجئين كبيرة، علما أنه قبل العدوان الحالي، كان قطاع غزة موطنا لعدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين الذين اقتلعوا من أراضيهم وديارهم في المناطق الفلسطينية التي احتلت عام 1948 (نسبتهم أكثر من نصف سكان القطاع). العدوان الحالي فاقم نزوحهم وظروفهم المعيشية، ما أدى إلى أزمة لاجئين طال أمدها.

يضاف إلى ذلك تدمير المواقع التراثية والثقافية والتاريخية والدينية والآثار القديمة. القصف الإسرائيلي المكثف ألحق أضرارا لا يمكن إصلاحها بالتراث الثقافي والتاريخي لغزة، إذ طُمِسَت القطع والمواقع الأثرية والتاريخية والتراثية والدينية والآثار والمتاحف والمكتبات والمؤسسات الثقافية التي تعود إلى مئات أو آلاف السنين. الخسارة تجاوزت الهياكل المادية، وصولا إلى محو الذاكرة الجماعية للشعب.

المدارس والجامعات دمرت كليا أو جزئيا، وبالتالي تعطل تعليم الأطفال والشباب بشكل كامل منذ أكثر من عشرة أشهر. غياب مرافق الرعاية الصحية المناسبة فاقم المعاناة، فأصبح الوصول إلى الإمدادات الطبية واللقاحات والعلاجات الأساسية ترفا بالنسبة للكثيرين.

وبسبب نفاذ الوقود، ضربت القطاع كارثة إنسانية ومكاره صحية وبيئية قاتلة؛ فتوقفت معظم آبار المياه وجميع مضخات الصرف الصحي وآليات جمع وترحيل النفايات عن العمل، وذلك في مناطق شمال ووسط القطاع، حيث مئات آلاف النازحين من مختلف أنحاء القطاع، وفي الجنوب (رفح) حيث مئات الآلاف الآخرين ممن بقوا هناك.  الصرف الصحي طفح في كل مكان، وجبال النفايات تكدست في الشوارع والأحياء المدمرة.

برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) قدر بأن قصف الاحتلال على المناطق السكنية في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي (حتى أوائل حزيران الماضي) خلف ما لا يقل عن 39 مليون طن من الحطام والأنقاض والركام، والذي قد يحوي مخلفات عسكرية وإشعاعية ومئات آلاف أطنان الاسبستوس السام وملوثات أخرى خطيرة. يضاف إلى ذلك آلاف أطنان الذخائر غير المتفجرة المتناثرة في مختلف أنحاء القطاع.

الحصار التجويعي ومنع دخول المساعدات إلى قطاع غزة دفع مئات الآلاف إلى استخدام الأنقاض والنفايات لسد احتياجاتهم، في ظل غياب كامل للغذاء والمأوى والرعاية الصحية.

النزوح للمجهول

النزوح للمجهول يتواصل، في ظل انعدام جميع مقومات الحياة والبقاء. الكثيرون نزحوا بعيدا عن مناطق سكنهم، حفاظا على ما تبقى من نسلهم، بعد أن قتل الاحتلال معظم أفراد عائلاتهم. كثيرون أيضا قرروا البقاء وعدم التشرد، مُتَحَدِّين الموت، وآخرون نزحوا وفي عيونهم بريق الدموع. وداع قوافل الشهداء اليومي يتواصل. 

أكثر من مليوني غزي يعيشون أهوال المذابح البشرية المروعة على مدار الساعة؛ فلا مشافي تستقبل الجرحى، ولا مساعدات أو طعام أو شراب. طواقم الدفاع المدني تعجز عن إخلاء الضحايا بسبب كثافة القصف.

مئات آلاف الأطفال بلا مأوى، مرهقون، مصدومون، مرضى وجياع. الآثار النفسية لا تقاس، وندوب الحرب تتجاوز الجراح الجسدية، إذ أنها تخترق روح المجتمع. التهديد الإسرائيلي المستمر بالعنف والقتل وفقدان الأحباء والتشرد، ترك ندوبا عميقة على النفس الجماعية لأهالي غزة. ويتحمل الأطفال، على وجه الخصوص، وطأة الصدمة، إذ فقدوا أحباءهم وتحملوا الخوف وعدم اليقين، وشاهدوا أهوالا لا ينبغي لأي طفل أن يتحملها. لذا، تفشت ظاهرة اضطراب ما بعد الصدمة ( Post-traumatic stress disorder/ PTSD) والقلق والاكتئاب، وأصبحت قضايا الصحة الذهنية الأخرى شائعة جدا في مختلف أنحاء القطاع.

بصمة دموية مروعة دائمة

ترك العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بصمة دموية مروعة دائمة، أثرت على مختلف جوانب الحياة والبيئة، ابتداء من الآثار المباشرة على البنية التحتية والموارد المائية وجودة الهواء والتربة، وانتهاء بالعواقب الإنسانية الأوسع والدمار الاقتصادي والصدمات الاجتماعية والنفسية.

ظروف الحياة في قطاع غزة كانت أصلا بائسة جدا قبل هذا العدوان، إذ منذ عام 2006 يعيش سكان القطاع تحت الحصار والتجويع، فجاءت هذه الحرب الإسرائيلية لتدمر ما تبقى من ضروريات الحياة الأساسية.

آثار العدوان تتجاوز بكثير البيئة المادية، إذ تسببت في أزمة إنسانية عميقة ومعقدة، ما ساهم في النزوح والبطالة وانسداد آفاق الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية. الخسائر البشرية العميقة تؤكد الصدمة النفسية التي يعاني منها أهالي القطاع، ولا سيما الأطفال.

للعدوان أيضا تداعيات سياسية وثقافية، حيث شلت بنية الحكم، وتفاقمت أزمات اللاجئين، وأعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي المحلي. كما أن تدمير التراث الثقافي هدد هوية الفلسطينيين وذاكرتهم الجماعية.

الحرب البشعة أسفرت عن كارثة انعدام المياه والغذاء والكهرباء والإمدادات الطبية وتفشي الأوبئة والمجاعة. وفي ظل غياب النظافة العامة وتدفق مياه الصرف الصحي المكشوفة في كل مكان، انتشرت الملوثات والأمراض الجلدية، وبخاصة الجرب والحكة والطفح الجلدي، بالإضافة إلى أمراض الإسهال والتهاب السحايا بين الأطفال على وجه الخصوص. إن هول الكارثة أكبر بكثير من قدرات سكان القطاع على مواجهتها بمفردهم.

ختاما، العدوان الإسرائيلي عبارة عن أزمة متعددة الأبعاد ذات آثار عميقة بعيدة المدى. فهم هذه العواقب المتنوعة ضروري لإدراك تعقيدات الصراع، ولتلبية الاحتياجات العاجلة للمواطنين المتضررين في قطاع غزة.

العواقب البيئية-الصحية-الإنسانية المدمرة طويلة الأجل ستستمر لأجيال، ما يؤثر على رفاه الإنسان الفلسطيني والنظم الإيكولوجية الحساسة في القطاع.

العدوان على قطاع غزة ألحق دمارا بيئيا مروعا في مختلف القطاعات، ما يستلزم اتخاذ إجراءات فورية لمواجهة هذه التحديات واستعادة أكبر قدر ممكن من التوازن البيئي في المنطقة.

مواجهة التحدي البيئي-الصحي-الإنساني الضخم، وإعادة إعمار القطاع يتطلب رفع الحصار، والاستثمار في البنية التحتية والوصول إلى الموارد الأساسية، وممارسات التنمية المستدامة والمشاركة الكبيرة من الأطراف العربية والدولية المعنية، والمنظمات البيئية والمؤسسات المجتمعية والإنسانية والسلطات المحلية.

Loading...