الاقتصادي- بثينة سفاريني- لا تقتصر الأخبار من قطاع غزة على المجازر اليومية والمعاناة الإنسانية والصحية في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي عليه منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بل يتجاوز الأمر ليشمل ما يمكن وصفه بـ "تجارة السفر".
وتنتشر عبر صفحات على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، إعلانات تروج لإمكانية السفر عبر ما بات يعرف بالقطاع بـ"التنسيق" أو "تنسيق معبر رفح"، مقابل دفع مبلغ مالي باهظ، وصل لـ7 آلاف دولار، أي ما يزيد عن 25 ألف شيكل للشخص الواحد.
قال صحفي من قطاع غزة لـ"الاقتصادي" إن الأمر ليس جديدًا وإنما قائم منذ سنوات بسبب التعقيدات الموجودة في غزة على سفر المواطنين وحرية انتقالهم.
وأضاف أن المختلف هذه المرة هو المبلغ المطلوب لقاء السفر عبر التنسيق، والذي تراوح بين 5 - 7 آلاف دولار على الشخص الواحد.
ودفعت عائلة مكونة من 3 أشخاص 7500 دولار للفرد الواحد، لمغادرة القطاع جراء الأوضاع وظروف الحرب فيه، وفقا للصحفي.
ومنذ فترة ما قبل العدوان الجاري على غزة، السفر خارج القطاع "عبر التنسيق" مقابل دفع مبلغ مالي يتم بشكل سلس وواضح، حيث يوجد شركات تعمل بهذا الموضوع في غزة ولها مساهمات مصرية، بحسب الصحفي.
ولفت إلى الانتقالات التي مر بها معبر رفح ما بين إغلاقه وفتحه لا سيما بعد العام 2006، ما دفع المواطنين إلى اللجوء للتنسيق للسفر.
وفي فترات سابقة عندما أغلق المعبر بشكل تام واستأنف عمله لفترة محدودة كان يتم بشكل أساسي للتنسيقات، وبشكل بسيط لكشوفات المسافرين الصادرة عن وزارة الداخلية في غزة.
ووصف السفر من خلال التنسيق بأنه أمر مزدوج بين جهات في القطاع ومصر، لافتًا إلى وجود استغلال في الوقت الحاضر لحاجة الناس للسفر من الجانبين.
وفي هذا السياق، قال ناشط حقوقي من قطاع غزة لـ"الاقتصادي" إن السفر يتم عادةً في القطاع إما من خلال التسجيل لدى وزارة الداخلية في غزة والانتظار لأشهر حتى يرد اسم المسافر في كشوف المسافرين، أو اللجوء إلى "التنسيق" والذي يتم عبر التواصل مع طرف من الجانب المصري لرفع اسم الشخص لكشوف التنسيقات، مقابل مبلغ مالي.
وأكمل الناشط أنه يوجد مكاتب في القطاع تقدم هذه الخدمة فقط، خدمة التنسيق.
والمختلف في التنسيق عن التقديم لدى وزارة الداخلية في غزة، هو السرعة في السفر ولا يأخذ وقتا طويلا، كذلك يرفع عن الشخص مقابلة المخابرات ومبرر السفر، وفقا للناشط.
وأضاف أنه اضطر لفعل ذلك مرتين ما قبل العدوان على القطاع، وكانت الأسعار حينها من 1000 إلى 1500 دولار، لكن مع تعقد المشهد الآن وصعوبته في القطاع، وصل المبلغ المالي على الشخص الواحد إلى نحو 7 آلاف دولار.
ويكون المبلغ أعلى من ذلك في حالة السفر عبر خدمة الـVIP .
وأوضح الناشط الحقوقي أن الذي يسافر عبر هذه الطريقة في الأيام الجارية، هو المقتدر ماليًا ويستطيع تأمين المبلغ عنه وعن عائلته للخروج من القطاع.
وأظهرت بعض التعليقات على منشور نشر في بدايات شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، حول إمكانية عمل تنسيق معبر رفح للعائلة، المبالغ المرتفعة المطلوبة لقاء ذلك.
كيف تتم العملية؟
بحسب مصادر محلية ومصرية في قطاع غزة، فإن "كشوف التنسيق" على معبر رفح هي "آلية يتم من خلالها ابتزاز حاجة المسافرين غير المسجلين في كشوفات وزارة الداخلية بغزة في الوقت الطبيعي لعمل معبر رفح، لكن في الوقت نفسه تبتز كل من يريد مغادرة قطاع غزة. وتعمل تلك الكشوف عبر طلب الجانب المصري من نظيره الفلسطيني تسهيل وصول مسافرين إلى صالة السفر المصرية".
ولا تعرف إدارة معبر رفح في الجانب الفلسطيني كيف يتم وضع أسماء المسافرين في تلك الكشوف، ووفقاً لما كشفه مصدر لـ"العربي الجديد"، فإن الأمر يتم عبر وسطاء من غزة، يتعاونون مع أشخاص في الجانب المصري من المعبر، مقابل مبالغ مالية تتراوح بين ألفي دولار و5 آلاف دولار، وهو ما يؤدي في أيام عمل المعبر خارج وقت الحرب إلى غضب العالقين المسجلين في كشوف الداخلية الفلسطينية، تحديداً ذوي الحالات الإنسانية والطلبة وحاملي الإقامات في الخارج.
مصر ترد
ومع انتشار الأنباء عن تفشي ظاهرة "الرشوة" من أجل السفر، أعلنت وزارة الخارجية المصرية، مطلع الشهر الجاري، استحداث آلية إلكترونية جديدة لتسجيل المواطنين المصريين الراغبين في العودة من قطاع غزة إلى مصر، وأنها أنشأت رابطاً للتسجيل الإلكتروني بغرض استقبال بيانات المصريين الراغبين في العودة من القطاع بشكل سريع وفعال، وضمان حصر آلية التسجيل في رابط واحد.
وأضافت الوزارة في بيان أنه فور ورود البيانات سيتم إعداد كشوف تفصيلية، تمهيداً لتسليمها للقائمين على معبر رفح الحدودي من الجانبين المصري والفلسطيني بشكل مباشر، وذلك لتسهيل عملية عبورهم من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية.
وأهابت الوزارة بالمواطنين المصريين في قطاع غزة قصر قنوات الاتصال والتسجيل على تلك الآلية الجديدة، باعتبارها الوسيلة الوحيدة للعودة إلى أرض الوطن، مستطردة بأن أي وسيلة أخرى يتم الحديث عنها من جانب البعض تندرج ضمن أعمال النصب والاحتيال، واستغلال الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع، ولا علاقة للدولة المصرية بها.
وكانت اتهامات قد وجهت إلى القائمين على معبر رفح من الجانب المصري بشأن تقاضي مبالغ (رشى) مالية لإدراج أسماء الفلسطينيين في كشوف العبور إلى مصر، تتراوح ما بين 5 إلى 7 آلاف دولار عن الفرد الواحد.
ونفت مصر رسمياً ما تردد إعلامياً بشأن تدخل إسرائيل في إجراءات عودة المصريين العالقين من قطاع غزة إلى بلادهم عبر معبر رفح، قائلة إن "إسرائيل ليست طرفاً في عملية حصول المصريين على موافقات العبور من القطاع إلى مصر، باعتبار أن السلطات المصرية هي من تتولى إجراءات عودتهم من غزة".
مع العلم أن السفر عبر معبر رفح، يتم بالتنسيق مع سلطات الاحتلال الإسرائيلية، من خلال فحص كشوفات المرضى والجرحى والمواطنين الذين يغادرون قطاع غزة حتى حملة الجنسيات الأجنبية المزدوجة إلى جانب الجنسية الفلسطينية. ويظهر ذلك من خلال عدد المُعادين من الصالة المصرية إلى قطاع غزة، بعد رفض الاحتلال مرورهم من خلال المعبر إلى مصر أو أي دولة أخرى.