يسلط المقال الضوء على صلاحيات عضو مجلس الإدارة في الوضع "الطبيعي"، وصلاحياته في الوضع "غير الطبيعي" أي خلال فترة نشوب الأزمات التي تواجه الشركة
الاقتصادي - المحاميان صهيب الشريف وتالا حلبي - نتناول في هذا المقال المختصر صلاحيات عضو مجلس الإدارة "غير التنفيذي" وفق قانون الشركات الفلسطيني ومبادئ وأسس الحوكمة.
وبطبيعة الحال، لا بد لنا من التطرق لهذه الصلاحيات من أكثر من منظور؛ إذ نسلط الضوء على صلاحيات عضو مجلس الإدارة في الوضع "الطبيعي" ابتداءً، سواء بصفته عضو مجلس إدارة أو باعتباره عضواً في أحدى لجان المجلس. ثم نتطرق لصلاحيات عضو مجلس الإدارة في الوضع "غير الطبيعي" أي خلال فترة نشوب الأزمات التي تواجه الشركة.
أولاً: صلاحيات عضو مجلس الإدارة في الوضع "الطبيعي"
بموجب قانون الشركات الفلسطيني، يكون عضو مجلس الإدارة "غير التنفيذي" مسؤولاً عن الإشراف على الإدارة التنفيذية؛ والتي تشمل المدير العام والمفوضين بالتوقيع عن الشركة، المعينين من قبل مجلس الإدارة.
إذ تكون له صلاحية نُصح وتوجيه الإدارة التنفيذية بحكم وطبيعة موقعه؛ بما يحقق ويضمن وجود إجراءات كفيلة بإدارة المخاطر والرقابة الداخلية.
هذا ويثبت له صلاحية التأكد من قيام الإدارة باتخاذ تدابير الحوكمة اللازمة لتحقق الرقابة الشاملة على وضع الشركة المالي وبياناتها المالية. ويُشار بطبيعة الحال إلى أنه لا يمكن لعضو مجلس الإدارة القيام بذلك، ما لم يكن هناك أطر تنظيمية وإدارية وقانونية ومالية تحدد الحقوق والواجبات والمسؤوليات، وبما يضمن ويحقق الانضباط المؤسسي في الشركة.
وقد تضمنت المادة (177) من قانون الشركات الفلسطيني واجبات أعضاء مجلس الإدارة غير التنفيذيين، وفق الآتي:
- الإشراف على الإدارة التنفيذية للشركة وتقديم النصح لها.
- تقييم الوضع المالي للشركة بانتظام واستمرار، والتحقق من كفاية رأس المال وتوفر السيولة اللازمة.
- التحقق من وجود إجراءات حوكمة في الشركة تضمن وجود رقابة مناسبة على البيانات المالية للشركة وأوضاعها.
- ضمان وضع إجراءات كافية لإدارة المخاطر والتدقيق الداخلي، وضمان حصول الأعضاء غير التنفيذيين على المعلومات التي تمكنهم من الوفاء بواجباتهم من الأعضاء التنفيذيين والمدير العام.
وبما أن الإدارة التنفيذية تُمثّل الإدارة الفعلية المسؤولة عن تنفيذ أنشطة وعمليات الشركة من خلال الإدارة اليومية للأنشطة التشغيلية في الشركة، ييثور تساؤل حول حدود صلاحيات مجلس الإدارة ومحددات إشرافه على أعمال الإدارة التنفيذية.
تُعتبر عملية الإشراف جزءاً هاماً من وظائف مجلس الإدارة، إذ يُساهم في ضمان توازن السلطات وتحقيق المساءلة داخل الشركة، وما يُعزز فعالية مهمة الإشراف، دور المجلس في مراقبة ومراجعة أداء الإدارة التنفيذية، وضمان تحقيقها لأهداف الشركة.
هذا وتتركز عملية الإشراف على وضع مؤشرات تحقيق الأهداف وتقييم الأداء. كما يجب أن يكون للمجلس نظام يرصد من خلاله الأداء ويستلم التقارير الدورية من الإدارة التنفيذية لضمان استمرار تحقيق الأداء المطلوب، إلى جانب مراجعة التقارير المالية والتأكد من صحتها وشفافيتها وتوجيه الإدارة التنفيذية بناءً على خبرته ورؤيته الاستراتيجية.
تأسيساً على ما سبق، يكون أداء الدور الرقابي للعضو؛ بصفته عضو مجلس إدارة أو عضو لجنة على أعمال الموظفين محدود؛ فعلى الرغم من عدم وجود نص قانوني يمنع أو يسمح لأعضاء مجلس الإدارة في التواصل المباشر مع الموظفين إلا أن القواعد والممارسات الفضلى تتطلب مراعاة تراتبية الهيكل التنظيمي للشركة، المتضمّن لكافة الوظائف والمهام والصلاحيات؛ بما يحقق منع الازدواجية أو تداخل المهام، ويعكس التسلسل الإداري السليم الذي ينسجم مع تفويض الصلاحيات.
وفي ذات السياق، أكد الخبير الأستاذ علاء أبو نبعة عدم إمكانية منح عضو مجلس الإدارة عند ممارسته لعمله كعضو في لجان المجلس (كلجنة التدقيق أو لجنة الحوكمة) صلاحية التواصل بشكل مباشر مع الموظفين، إذ يقع عليه وجوباً اتباع الهيكل الوظيفي والحفاظ على العلاقات التنظيمية في الشركة ما لم يكن لديه تفويض رسمي من المجلس، فالصلاحيات تثبت للمجلس ككل وليس لعضو بشكل فردي.
هذا، ويقع على مجلس الإدارة مسؤولية الحفاظ على الهيكلية التنظيمية كمبدأ من مبادئ الحوكمة، إذ يكون تواصل أعضاء مجلس الإدارة مع الموظفين من خلال القنوات المناسبة حصراً، ووفقاً للهيكل التنظيمي والعلاقات التنظيمية المتّبعة في الشركة. ومنعاً للازدواجية وتداخل المهام؛ يبرز دور رئيس مجلس الإدارة كحلقة وصل بين أعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية في ممارسة الدور الرقابي، إذ يقع عليه لزاماً واجب الحفاظ على علاقة ثقة متبادلة بين الأعضاء أنفسهم، وبين المجلس والإدارة التنفيذية.
ثانياً: صلاحيات عضو مجلس الإدارة في الوضع غير الطبيعي فترة "الأزمات"
من المعروف أن مجلس الإدارة هو الوكيل المؤتمن على مصالح الشركة وحقوق المساهمين، هذا ويتمتع بسلطات واسعة في إدارة الشركة ورسم السياسات الاستراتيجية، عبر وضع وتبني خطة العمل، وبذل كل ما من شأنه ضمان إدارة رشيدة للشركة. فالمجلس هو حلقة الوصل بين المساهمين والإدارة التنفيذية، ودوره الأبرز يكمن كما أسلفنا بالإشراف على أداء الإدارة التنفيذية وضمان التزامها بمعايير الشفافية والمساءلة وحماية مصالح المساهمين.
وفي سبيل تحقيق هذا الدور، ينبغي أن يتم تطبيق مبادئ الشفافية والمساءلة في عملية اتخاذ القرارات الاستثنائية وأن تكون مصلحة الشركة وجميع الأطراف المعنيّة هي الأساس الذي يُستند عليه اتخاذ القرارات في حالات الضرورة القصوى، وخصوصاً عند تعرض مصالح المساهمين للخطر.
ونرى أنه يمكن لمجلس الإدارة منح صلاحيات استثنائية لأحد أعضاءه في حالات معينة (الأزمات الكبيرة، الفورات المالية)، بحيث يمنح المجلس أحد أعضاءه صلاحيات استثنائية بموجب تكليف واضح ومحدد، يبرر فيها الخروج عن اتباع الهيكل الوظيفي والحفاظ على العلاقات التنظيمية والهرمية من منطلق قاعدة " من يملك الأكثر يملك الأقل". فكون المجلس قادر على تعيين الإدارة التنفيذية وتبني السياسات الاستراتيجية لصالح الشركة فله بالنتيجة صلاحية اتخاذ قرارات استثنائية تتناسب وحالة الضرورة القائمة.
ومع ذلك، ينبغي أن يتم اتخاذ هذه القرارات بحذر لمراعاة المصالح المشتركة والمسؤولية الملقاة على الأعضاء المعنيين باتخاذ القرار، كون أن قرارات المجلس يناط بها مراعاة مصالح المساهمين باعتبارهم الممثل القانوني للمساهمين في الشركة، فلا يمكن أن تصدر تلك الصلاحيات الاستثنائية بشكل اعتباطي أو دون مسوغ واقعي سليم، كما ويتوجب توثيق القرارات وتقديم تفسيرات واضحة للضرورة التي دفعت لاتخاذها، ويشترط أن تكون هذه القرارات الاستثنائية مؤقتة ومقيدة بمدة زمنية أو ظروف محددة، مع ضمان وجود نظام مراقبة ومتابعة للتأكد من عودة الشركة إلى الهيكل التنظيمي العادي بمجرد تحسن الأوضاع.
في المجمل ، نشير إلى أهمية وجود الأنظمة والسياسات التي تمنع الازدواجية والتداخل في المهام بين مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية.
يترجم ذلك بوضع سياسات واضحة تتعلق في التواصل والتعاون ما بين مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، وتنظيم حالات الضرورة التي من الممكن أن يترتب عليها منح صلاحيات استثنائية خارج الإطار الهيكلي التنظيمي. ذلك أن الصلاحيات ليست منحة بذاتها؛ إنما وجدت لتُمكّن عضو المجلس من أداء مهامه على أكمل وجه.
والفصل بين الدور الرقابي والتنفيذي، بما لا يدع مجال للتداخل والتضارب في المهام، وضمان توازن مناسب بين الرقابة واتخاذ القرار على مستوى المجلس والتنفيذ الفعّال لتلك القرارات من قبل الإدارة التنفيذية.