الاقتصادي - آفاق البيئة والتنمية - فراس الطويل: بعد موسم مطري وفير، يفترض أن تفيض السدود المقامة في الضفة الغربية، لكن هذا لم يحصل. بالكاد تصمد المياه أسبوعا أو أسبوعين، وسرعان ما تتسرب إلى باطن الأرض بلا فائدة. مشهد تبخرت معه ملايين الدولارات، وسط ركام من الإهمال وعدم المتابعة وغياب التخطيط.
"سدود جافة"، هي النتيجة الأبرز لمشاريع الحصاد المائي عبر سدود المياه في الضفة الغربية: سد بيت الروش الفوقا، وسد بني نعيم، وسد الفارعة، وسد العوجا. حقيقة واضحة للعيان، وتقرّ بها وزارة الزراعة.
سدود لا تعمل
افتتحت الوزارة سد قرية بيت الروش الفوقا في محافظة الخليل عام 2020، بتمويل من الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، على مساحة نحو 50 دونما تبرع بها الأهالي.
اليوم، من يتابع حالة السد، يجد أنه بقعة جافة من الأرض، محاطة بسياج وبوابة عليها لافتة: ممنوع السباحة.
تبلغ الطاقة الاستيعابية للسد 180 ألف متر مكعب، وبلغت تكلفة إنشائه نحو 650 ألف دولار.
يصف الناشط في ريف جنوب الخليل إياد الرجوب المشهد: "في أوقات الهطول الغزيز، يمتلئ السد بالمياه، لكن سرعان ما يجف بعد نحو أسبوعين (..) لا توجد أرضية للسد تمنع التسرب، وضعوا في أرضيته حمولة نحو 200 شاحنة من الحجارة والأتربة، لكنها لم تكن كفيلة بحجز المياه".
يعبر الرجوب عن اعتقاده بوجود عملية غش في إنشاء السد: "نفذوا الاستلام والتسليم للمشروع دون متابعة، يبدو هناك غش في التنفيذ، لأن النتيجة واضحة: السد موجود لكنه لا يحجز المياه".
لكنه يرى في المقابل، أن المشروع قد ينجح في حال إجراء عمليات صيانة والكشف عن أسباب التسرب ومعالجتها.
وليس بعيدا عن سد بيت الروش الفوقا، افتتحت الوزارة سد بني نعيم في نفس الفترة تقريبا، وبدأت المياه بالتراكم فيه، لكنها سرعان ما تجف. علما أن طاقته الاستيعابية تصل إلى نحو 180 ألف متر مكعب، وبلغت تكلفة إنشائه نحو 600 ألف دولار.
أما سد الفارعة في شمال الضفة، فتحولت منطقته إلى ما يشبه مكرهة صحية تتجمع فيها مياه المجاري والنفايات الصلبة.
وفي منطقة الأغوار، حيث سد العوجا- وهو أقدم السدود التي أشرفت الحكومة الفلسطينية على إنشائها في عام 2012، بتكلفة تخطت 1.5 مليون دولار بسعة 500 ألف متر مكعب- يعاني هو الآخر، ولم يعمل -كما خُطط له- لتوفير استدامة مائية للمزارعين في منطقة الأغوار، سلة خضار فلسطين كما تسمى.
وزارة الزراعة تعترف
تقر وزارة الزراعة بوجود مشكلات كبيرة في مشاريع السدود القائمة في الضفة الغربية، لأسباب عدة يوضحها مدير عام دائرة المياه في الوزارة يعقوب زيد.
يقول زيد: يوجد تسريب في السدود نتيجة مشاكل فنية وأخرى جيولوجية.
وعن المشاكل الفنية، يوضح زيد أنه لم يتم عمل دراسات كافية وحقيقية تبين صلاحية المناطق التي أقيمت فيها السدود. ويتابع: "على الأقل، عند تصميم السدود يجب إجراء دراسات جيولوجية أكثر دقة للكشف عن صلاحية الأرضية لمنع تسرب المياه".
وفيما يتعلق بالمشاكل الجيولوجية، يقول إنه من المرجح ظهور المشاكل بفعل بعض الحركات الأرضية، خاصة في المناطق الشرقية من الضفة، الواقعة ضمن حفرة الانهدام القاري.
وفيما يتعلق بسد بيت الروش الفوقا، أكد مدير دائرة المياه على ما أورده الناشط إياد الرجوب: سنويا يمتلئ السد بـ 180 ألف متر مكعب، لكن للأسف بعد أسبوعين، يفقد السد كل المياه".
وعن الحلول، كشف زيد في حديثه لآفاق البيئة والتنمية، عن التعاقد مع مكتب استشاري لإجراء الدراسات لتحديد سبب مشاكل التسرب في السدود، سواء في بيت الروش أو بني نعيم أو العوجا، وإجراء الإصلاحات بتكلفة 1.5 مليون شيكل من موازنة الحكومة.
وفيما يتعلق بسد الفارعة الذي جرى إنشاؤه قبل نحو 20 عاما، قال زيد بأن هناك دراسة لإنشاء سد جديد، من قبل إحدى الشركات الأجنبية لفحص إمكانية إقامة السد لجمع مياه الأمطار، وضخ المياه المعالجة من محطات التنقية في نابلس فيه، ومن ثم نقل المياه إلى المناطق الزراعية في الجفتلك والعقربانية وفروش بيت دجن.
في المحصلة، أقر المسؤول في وزارة الزراعة يعقوب زيد الذي تولى منصبه عام 2017، بفشل مشاريع السدود: حتى اللحظة السدود غير فعالة، لدينا مشاكل، ونحن بصدد معالجتها.
مدير سابق في وزارة الزراعة يُعلق
حتى عام 2017، كان فرح صوافطة مديرا لدائرة المياه الزراعية في وزارة الزراعة، وكان شاهدا ومشرفا على عمليات التخطيط والإنشاء للسدود في بيت الروش وبني نعيم والعوجا.
وعند مواجهته بوجود خلل يكمن في عدم إجراء الدراسات اللازمة حول مدى صلاحية المناطق التي أقيمت فيها السدود، خصوصا سد بيت الروش، قال صوافطة إن المشاريع تخلو من الأخطاء الإنشائية، لكنها تفتقر للمتابعة، واتخاذ إجراءات معينة لاختبار فعالية السدود بشكل تدريجي.
وأضاف: "هذه المشاريع عادة يجب أن تخضع للتجربة مع أول فيضان للمياه، ومن ثم تقييم مدى نجاعتها، وبعد ذلك إجراء الصيانة اللازمة لإصلاح أي مشاكل أولا بأول".
واتهم صوافطة -حاصل على دكتوراه في هندسة المياه- وزارة الزراعة بأنها لم تقم بأمور المتابعة والصيانة بعد إعلانها عن افتتاح السدود، لتكون النتيجة ما نراه حاليا، وفق تعبيره.
وفيما يتعلق بسد العوجا، قال صوافطة، إنه لم يتم الاعتناء به منذ البدايات، علاوة على وجود مشكلة تمثلت بعدم ضخ مياه نبع العوجا في السد نتيجة ما وصفها مخاوف مالكي النبع من سيطرة الدولة عليه.
الهيدرولوجيين: مشاريع استعراضية
يرى مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين عبد الرحمن التميمي أن هناك سببين وراء فشل مشاريع السدود في الضفة الغربية التي وصفها بأنها كانت "استعراضية أكثر من كونها سدود بنيت بطريقة علمية، وتم الاستعجال في إنشائها".
يتمثل السبب الأول بالافتقار إلى الخبرة اللازمة لإقامة السدود الترابية التي هي "عمل فني بحت"، على خلاف السدود الاسمنتية التي يستطيع أي مهندس تصميمها، وفق التميمي.
أما السبب الثاني، فيرتبط بإقامة السدود في مواقع خاطئة، مثل سد العوجا، دون إجراء الدراسات الجيولوجية اللازمة للتأكد من صلاحية المواقع للسدود الترابية.
يوضح التميمي في حديثه لآفاق البيئة والتنمية أن "السدود تبنى على قياسات هيدرولوجية تاريخية لمدة ثلاثين عاما، وهذا لم يتم".
وبدلا من السدود الترابية التي كانت "فاشلة"، يقول التميمي إنه "كان بالإمكان الضغط على إسرائيل لإنشاء سدود أخرى ذات جدوى في مناطق شديدة الجريان مثل وادي القلط قرب أريحا، بعد إجراء الدراسات اللازمة".
سد في منطقة وادي القلط بإمكانه جمع نحو 10 ملايين متر مكعب من المياه على أقل تقدير، وفق التميمي.
في المحصلة، لا يختلف اثنان على مدى حاجة الفلسطينيين لأي مصدر مائي إضافي في ظل سيطرة الاحتلال على نحو 85% من مصادر المياه. لكن الاستفادة من الجريان السطحي بحاجة لوقفة متأنية، وإجراء دراسات علمية قبل هدر أي أموال أخرى على مشاريع جديدة لا تسد رمق المزارعين.