أكرم ابو جامع
صنفت اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل والموقعة في أيلول/ سبتمبر من العام 1993 الأراضي الفلسطينية إلى ثلاث مناطق: منطقة "أ" وهي تخضع للسيطرة الأمنية والإدارية الفلسطينية وتبلغ مساحتها 1,005 أي ما نسبته 18% من مساحة الإجمالية للضفة الغربية الإجمالية. ومنطقة "ب" والتي تقع مسؤولية النظام العام فيها على عاتق السلطة الفلسطينية، وتبقى لإسرائيل السلطة الكاملة على الأمور الأمنية، وتبلغ مساحتها 1,035، أي ما نسبته 18.3% من مساحة الضفة الغربية الإجمالية، أما المنطقة "ج" وهي المناطق التي تقع تحت السيطرة الكاملة للاحتلال الإسرائيلي وتشكل 61% من المساحة الكلية للضفة الغربية.
وتعتبر المنطقة "ج" من المناطق الغنية بالموارد الطبيعية في فلسطين فهي المنطقة الوحيدة في الضفة الغربية المتصلة دونما تقطيع مثل باقي المناطق، ويعيش في هذه المنطقة حوالي 200,000 فلسطينيّ، وقد خلصت عديد التقارير والدراسات إلا أنه لا يمكن الحديث عن تنمية حقيقة في فلسطين بدون هذه المنطقة الخصبة التي ما زال الفلسطينيون عاجزون أمام القيام بأي نشاط زراعي أو صناعي أو حتى نشاط فندقي فيها بسبب قيود الاحتلال، فلقد اعتبرتها المنظمات الدولية مفتاح التنمية والازدهار في فلسطين بل ذهب بعضها إلى أنه لا يمكن أن تكون هناك تنمية حقيقية في فلسطين بدون هذه المنطقة.
هذا وحسب مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" أن عدد المستوطنين في هذه المنطقة بلغ حوالي 350,000 مستوطن موزعين على قرابة 125 مستوطنة و100 بؤرة استيطانية. وتعكف إسرائيل على أن تبقي هذه المنطقة تحت سيطرتها باحتفاظها بصلاحيات الأمن وإدارة الأراضي فهي ترى فيها ساحة خلفية تعمل من خلالها على تطوير المستوطنات والتدريبات العسكرية وتحقيق المصالح الاقتصادية وغير ذلك من الأغراض، وينتهج الاحتلال في ذلك وممثلا بإدارته المدنية التشجيع على توسّعة المستوطنات وتطويرها، مستعينا بمنظومة تخطيط موازية ومتعاطفة ومرنة وتجاوز سارخ لمخالفات البناء فيها من قبل المستوطنين، في المقابل حرم السكان الفلسطينيين من البناء والتطوير وتجاهل احتياجاتهم التطويرية والإسكانية، فحسب منظمة السلام الآن الإسرائيلية أن الإدارة المدنية لدولة الاحتلال وبحجة الأمن رفضت ما نسبته 94% من مجموع الطلبات المقدمة من الفلسطينيين للحصول على تراخيص للبناء في مناطق "ج" منذ العام 2000، في حين تمنح تراخيص بناء للوحدات الاستيطانية الجديدة في مستوطنات الضفة الغربية. ويستنتج من تقرير خاص أصدره مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية (أوتشا) أنه بالإضافة إلى منع البناء في نحو 70% من أراضي المنطقة "ج" تطبق إسرائيل في النسبة المتبقية وهي 30% سلسلة قيود تلغي عملياً إمكانية الحصول على تراخيص للبناء حتى تلك التي يتطلبها النمو الديمغرافي للسكان الفلسطينيين، هذا ويكشف تقرير آخر صدر مؤخرا عن (أوتشا) كذلك أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي تخطط لهدم 17000 بناء يقع في المنطقة "ج"، تشمل منازل وبركسات، وحظائر للمواشي حيث تتحكم إسرائيل بالجانب الأمني وتنظيم الأراضي، وتتصرف في المنطقة بما يلائم احتياجاتها الخاصة. وتأتي هذه الاجراءات الاحتلالية رغم دعوات مجلس الأمن الدولي المتكررة وآخرها في العام 2004، حيث دعا إسرائيل لوقف هدم المنازل الفلسطينية وفقاً لقرار رقم 1544، الذي ينص على: أن مجلس الأمن دعا إسرائيل إلى احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي والإنساني ولا سيما الالتزام بعدم القيام بهدم المنازل خلافاً لهذا القانون.
من ناحية أخرى تبرز أهمية هذه المنطقة خصوبتها للنشاطات الاقتصادية على تنوعها وبخاصة منها الزراعية والسياحية والصناعية وخاصة ما يتعلق بالمعادن والمحاجر ففي تقرير للبنك الدولي في تشرين أول/ أكتوبر من العام 2013 أشار إلى أنه اذا ما أزيلت معيقات الاحتلال واذا ما أغفلنا الآثار الايجابية غير المباشرة الأخرى فأنه يتوقع أن ما ستقدمه القطاعات الاقتصادية في هذه المنطقة يعادل 2.2 مليار دولار أي ما نسبته 23% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني، يضاف لذلك أن المنطقة غنية بالمعادن والحجارة واذا ما أخذنا تحصيل السلطة لحقها في البحر الميت واستغلال المعادن فقط والذي تستحوذ عليه إسرائيل والأردن ويجنيان ما قيمته 4.4 مليار دولار من المبيعات السنوية فتكون حصة السلطة الفلسطينية ما نسبته 10% تضاف إلى الناتج المحلي الإجمالي. وإذا ما أضيفت هذه النسبة إلى سابقتها فيمكن أن يكون ذلك كفيلا بأن يحقق للسلطة الفلسطينية مساهمة نوعية في تحقيق الاستدامة المالية وبالتالي الدفع باتجاه إعادة تقييم الأولويات ليس فقط الاقتصادية بل والسياسية وخاصة ما يتعلق بالقدرة على مواجهة الضغوطات الغربية والتي تساوم القيادة في مقابل منح المساعدات الدولية والتي تشكل ما يعادل 20% من الناتج المحلي الاجمالي.
في ظل هذه المعطيات نجد أن القيادة الفلسطينية مطالبة بالعمل الجاد والمنظم في السعي باتجاه درء الاحتلال عن هذه المنطقة بكل الوسائل والسبل وحشره في زاوية يمكِن السلطة الفلسطينية من تحقيق مطالبها الوطنية والمبنية على وحدة الأرض والشعب، فإذا ما سنحت الفرصة لاستغلال الإمكانات الطبيعية الكامنة في هذه المنطقة قد يساهم ذلك في زيادة الاستثمار والدفع في اتجاه توسيع القاعدة الانتاجية وتفعيل كافة القطاعات الاقتصادية ذات الصلة باتجاه تنمية اقتصادية شاملة وبالتالي نمو الناتج المحلي الإجمالي فتحسين الوضع المالي للسلطة الفلسطينية الذي سينعكس على النشاط الاقتصادي الفلسطيني ككل. فبحسب تقديرات وزارة المالية الفلسطينية بأن الوضع المحتمل في حال إزالة القيود والإجراءات العدوانية الإسرائيلية قد يساهم في تخفيض العجز المالي للسلطة إلى حوالي 56% .