الاقتصادي - المحامية إيناس النتشة: حددت التشريعات المنظمة لقانون العمل الحد الأقصى لساعات العمل الفعلية في اليوم والأسبوع، وإن عمل العامل ساعات تزيد عن الحد الأقصى اعتبر ذلك من قبيل ساعات العمل الإضافي التي يستحق عنها أجرا أضافيا.
وبالمقابل يعتبر عمل العامل لساعات تقل عن الحد الأقصى المقرر بموجب القانون من قبيل العمل بالنظام الجزئي (غير كامل/ لبعض الوقت) الذي نظمت أحكامه العديد من الدول ومنها قطر، السعودية، الأردن، الإمارات العربية المتحدة بموجب تشريعات خاصة باعتباره أحد أشكال العمل المرن، أما المشرع الفلسطيني فقد اكتفى بتحديد الحد الأقصى لساعات العمل الفعلية في الأسبوع بخمس وأربعين ساعة عمل "فعلية" في قانون العمل الفلسطيني النافذ.
من الملاحظ في هذه الفترة، توجه الشركات/المؤسسات في فلسطين إلى اعتماد نظام العمل الجزئي ((Part-Time تلبية لمتطلبات قطاع العمال باعتبار هذا النوع من الوظائف يفتح الباب أمام العديد من الفئات التي لا يمكنها العمل بدوام كامل من جهة، ومن جهة أخرى فإن تفعيل نظام العمل الجزئي يُمّكن الشركات/المؤسسات من استقطاب عدد أكبر من الكفاءات البشرية التي تعمل أساساً في شركات/مؤسسات أخرى. فالعمل الجزئي يتيح للموظف إمكانية العمل لدى أكثر من مؤسسة في آن واحد. هذا ويكون اعتماد نظام العمل الجزئي ممكنًا في كل المؤسسات على اختلاف أنواعها وطبيعة نشاطها وغاياتها باعتبار أن الأعمال التي يمكن أن يتم فيها اعتماد نظام العمل الجزئي لم يتم حصرها أو تحديدها بموجب تشريعات العمل الفلسطينية على خلاف بعض الدول التي نظمت أحكامه.
من الجدير ذكره، أنه يترتب على العمل بدوام جزئي تغييرات كبيرة بخصوص الحقوق العمالية التي يستحقها العامل الذي يعمل بنظام الدوام الكامل، وحيث أن هذه الحقوق لم تنظم من قبل المشرع الفلسطيني، وحيث أن قانون العمل الساري قد خلا من أي نص قانوني يحظر إبرام عقود بعمل جزئي، فقد تُرك المجال لتنظيم الحقوق والالتزامات المترتبة على عقد العمل الجزئي من خلال الأنظمة واللوائح الداخلية المعمول بها في الشركة/المؤسسة ومن خلال عقد العمل بطبيعة الحال؛ ذلك أن "العقد شريعة المتعاقدين" وطالما أن اتفاق العامل وصاحب العمل لا يخالف أحكام قانون العمل الساري، فإنه يغدو ملزمًا لكلا الطرفين.
يشير واقع الحال، إلى أن تنظيم حقوق العامل "بدوام جزئي" يكون على أساس عدد الساعات التي يعملها ونسبة الأجر الذي يتقاضاه، إذ تحسب الإجازات السنوية ومكافأة نهاية الخدمة وكذلك الحد الأدنى للأجر الذي يستحقه على أساس ساعات العمل التي يعملها في الشركة/المؤسسة. وهذا ما اتجهت إليه المحاكم الفلسطينية[1] والذي يمكن الاستئناس به عند ابرام عقود العمل الجزئي، وبالوقت عينه فإن العمل الجزئي يترتب معه عدم أحقية العامل في الحصول على بعض الحقوق العمالية ومنها الإجازة الاسبوعية باعتبار قانون العمل الساري نص في المادة (72) منه: أن من يستحق بدل الراحة الاسبوعية يجب أن يكون قد عمل ستة أيام متواصلة قبلها، وعليه فإن العاملين وفق نظام العمل الجزئي لا يستحقون الحصول على راحة أسبوعية مدفوعة وهذا ما اتجهت إليه المحاكم الفلسطينية[2].
في الختام، نستطيع القول إن القصور التشريعي في تنظيم أحكام العمل الجزئي في ظل التوجه الواضح والمؤكد نحو عقود العمل المرنة (أحد أهم أشكالها العمل الجزئي) ينبأ بالخطر الذي قد يطال حقوق ومصالح كل من العامل وصاحب العمل على حد سواء.
وبصرف النظر إن كانت بنود العمل الجزئي منظمة بموجب العقد؛ فهذا القصور قد يطال العقد خصوصاً في الحالات التي يتم فيها اعتماد نماذج العقود من قبل الشركات/المؤسسات دونما تخصيص ودون وجود نموذج عقد عمل جزئي معتمد يمكن الاستئناس به.
******
[1] حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 19 لسنة 2019م.
[2] حكم محكمة استئناف رام الله رقم 1066 لسنة 2017م.