تدرك المرأة الذكية جيداً بأن حظوظها في التقدم والتميز سرعان ما تصبح محدودة ومقيدة، خاصة في المهن التي تهيمن عليها سيطرة العنصر الرجالي، حيث يميل رؤساؤها في العمل وزملاؤها، وزميلاتها أيضاً، إلى التقليل من شأنها والشك في مواهبها، إضافة إلى تقليص أجورها ومستحقاتها.
في حين يتعين عليها العمل بشكل مضنٍ، وتجنب الوقوع في الأخطاء، وتقديم مستويات عالية من الأداء، فقط، لتلافي النقد، في الوقت الذي لا يستغرق الأمر من الرجل إلا أداءً متوسط الفاعلية يحصد فيه أجراً وتقديراً مضاعفين لمجرد كونه رجلاً.
الدكتورة هايدي كرانت هالفورسن، أستاذة علم النفس الاجتماعي ومديرة مركز العلوم والدافعية في كلية كولومبيا للأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية، ترى أن "الفتيات الذكيات كثيراً ما يظهرن عدم ثقة في النفس ابتداءً من سن المدرسة، حيث أثبتت الدراسات في هذا المجال بأنهن يشككن في قدراتهن على مواجهة المسائل الدراسية الصعبة والمعقدة، ويظهرن رغبة أقل من الذكور في الاستمرار في تطوير قدراتهن وتحفيز دوافعهن".
وتضيف هالفورسن: "يلجأ الفتيان إلى بذل مزيد من الجهد ومواصلة الممارسة الجدية للنشاطات وعدم التخلي عن الأهداف ببساطة، مع أن الاثنين متساويان في نسبة الذكاء والقدرات الذهنية الأخرى، بل إن الفتيات يتفوقن في بعض الأحيان، كما تتأثر الرغبة في الإنجاز والتفوق لدى الجنسين بمدى الثناء الذي يتلقيانه كرد فعل على إنجازهما، سواء أكان في المدرسة أم في البيت".
فالفتيات اللاتي يظهرن قدرة أكبر في الإصرار على التفوق، وثقة أكبر في النفس، اعتدن- في الغالب- على تلقي الثناء من قبل الآخرين وردود الفعل الإيجابية التي تعمل على تعزيز أدائهن، حيث يشدّد العديد من علماء النفس على أهمية هذا العنصر كإسناد نفسي لتعزيز السلوك الإيجابي للأفراد، لتشجيعهم على تطوير أدائهم وتحقيق أهدافهم في العمل والتحصيل الدراسي.
في المقابل، فإن حَمل الذكور على التزام الهدوء والتقيد بالتعليمات يمثل تحدياً للآباء والمربين بحد ذاته، ومتى ما حصل ذلك فإن أي تقدم إيجابي يبديه هؤلاء في تعلم شيء بسيط يعد إنجازاً، يستحقون معه جميع كلمات الشكر والثناء والتحفيز، في الوقت الذي تطالب فيه الفتيات ببذل مزيد من الجهد لحصد كلمات إعجاب مشابهة، ويعمد الأهل والمعلمون إلى تبني هذا الأسلوب في طريقة تعاملهم مع الجنسين من دون وعي تقريباً.
هذه الإشكالية تبدو معقدة للوهلة الأولى، إلا أن نتائجها المستقبلية لا تبشر بخير؛ لأن الفتاة التي تكبر لتصبح سيدة تناط بها المسؤوليات الكثيرة، قد لا تتوقع ثناءً من أحد على أفعال كبيرة لا يلقي لها الآخرون أي اهتمام، فتنشأ على الاستسلام، ويتوقف طموحها في زاوية محددة لا ترغب في مغادرتها، إما بسبب اشتداد المنافسة مع زميلها الرجل، وإما بسبب سوء تقدير أفراد المجتمع وعدم تقييمهم الحيادي للأفراد، بغض النظر عن جنسهم.
وتؤكد هالفورسن أنه "إذا أتيح للمرأة تخطي كل هذه العقبات المجتمعية، وتم لها النجاح في إكمال تعليمها، وتسنمت أرفع المناصب الوظيفية، فإنها ستواجه بعائق آخر لا يقل أهمية عن عدم تكافؤ الفرص، وهو كيفية تحقيق التوازن بين عملها وطموحها في الارتقاء والتقدم في هذا العمل، ودورها النمطي في المنزل، خاصة إذا كانت زوجة وأُمّاً".
ولعل عدداً لا يستهان به من النساء اللاتي أثبتن نجاحاً باهراً في ميدان العمل، قتلن طموحهن ووأدن نجاحاتهن بسبب عدم القدرة على خلق التوازن بين مسؤوليات العمل ومتطلبات أفراد الأسرة، خاصة إذا كان هنالك من يقف لهن بالمرصاد في محاولة لوضعهن داخل إطار التصنيف المجتمعي الظالم، إضافة إلى العدو الطبيعي الذي تزرعه مبادئ التربية الخاطئة في أعماق كل فتاة، فتروج لأفكار الاستسلام للأمر الواقع، وتضع عراقيل و(مستحيلات) في طريق الحياة اليومية، تعمل على تثبيط الهمم وزرع الخوف من التجربة والمحاولة، حتى في صورها البسيطة.
ويقر متخصصون بأن القدرة الذاتية، والإبداع، والذكاء، والتفرد في الشخصية، قد لا تشكل أي أهمية في تحقيق الهدف وتغذية الطموح إذا ما غابت الإرادة والإصرار والمثابرة والثقة بالنفس، أما فكرة المرء عن ذاته، خاصة المرأة، فإن لها دوراً حاسماً في الكيفية التي ستسير عليها حياتها، فإذا كان لا بد من محاولة التخلص من عبء سوء الظن من قبل الآخرين في مقدرتنا على التقدم والإبداع، وأعداء النجاح، فلنبدأ أولاً بذواتنا ولا نسمح لعدونا الأول بالنمو والازدهار والتغذي على مخاوفنا.