تعرف الشركة العائلية وفق مؤسسة التمويل الدولية بأنها الشركة التي تكون فيها أغلبية الأصوات في أيدي العائلة المسيطرة، بما في ذلك المؤسس الذي يعتزم نقل الشركة إلى الأجيال القادمة
الاقتصادي - المحامي والمستشار القانوني صهيب الشريف
تعرف الشركة العائلية وفق مؤسسة التمويل الدولية بأنها الشركة التي تكون فيها أغلبية الأصوات في أيدي العائلة المسيطرة، بما في ذلك المؤسس الذي يعتزم نقل الشركة إلى الأجيال القادمة. وتمر الشركات العائلية عادة بثلاث مراحل من التطور، لكل مرحلة خصائصها وخصوصيتها، وهي:
مرحلة المؤسس (الجيل الأول): وتكون ملكية الشركة بالكامل للمؤسس، الذي قد يستعين بخبراء واستشاريين، لكنه يأخذ قراراته بشكل منفرد - بصفة عامة - ويركز جهده على إنجاح الشركة دون الالتفات إلى الفصل بين الملكية والإدارة.
مرحلة إشراك الأبناء (الجيل الثاني): إذ تنتقل ملكية الشركة في هذه المرحلة إلى أبناء المؤسس، الذين لا يكون هناك انسجام بينهم في أغلب الأحيان، وتبرز الإشكاليات من حيث الإختلاف في الإدارة والرؤيا.
مرحلة اتحاد الأقرباء (الجيل الثالث): وهي المرحلة الأكثر تعقيداً على الشركة، إذ ترتفع نسبة الخلافات والصراعات بين أفراد العائلة وتزيد نسبة الخطر على استمرارية الشركة.
في الحالة الفلسطينية، نجد أن أبرز الإشكاليات والتحديات التي تواجه الشركات العائلية في فلسطين، يسببها إما قصور الجهات الرسمية عن تنظيم عملها من جهة أو لعدم اتخاذ مؤسسيها الإجراءات اللازمة والضرورية لضمان استمراريتها أطول مدة ممكنة، من جهة ثانية.
نتطرق في هذه المقالة إلى الإشكاليات والتحديات التي نتجت عن غياب دور الجهات الرسمية (مثل وزارة الاقتصاد، الجهة مصدرة التشريعات) من ناحية، ومن ناحية أخرى، الإشكاليات والتحديات التي نتجت عن أداء مؤسسي الشركات العائلية.
إشكاليات غياب دور الجهات الرسمية
لا يوجد في فلسطين إطار قانوني شامل وميسر لتنظيم ملكية وحوكمة الشركات العائلية بما يسهل ويضمن انتقال سلس بين الأجيال، ويدعم استمراريتها ويوفر آليات "خاصة" مناسبة وناجعة لحل الأزمات والنزاعات التي ترتبط بها. كما أنه لا يوجد لجان/هيئات مختصة لفض نزاعات الشركات العائلية، بما يكفل سرعة البت في القرار وضمان تنفيذه مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية المحافظة على الشركة واستمراريتها.
ناهيك عن أنه لا يوجد أساساً تعريف متفق عليه للشركة العائلية (هل العائلة هي التي تثبت بالنسب حصراً أم بالمصاهرة كذلك) كما لا يوجد أي ذكر لها بقانون الشركات الجديد، وبطبيعة الحال، لا يوجد سجل خاص لها.
إشكاليات آداء المؤسسين
إن واحدة من أبرز الإشكاليات التي تواجه الشركات العائلية هي عدم اعتماد مؤسسيها لميثاق العائلة، ويعتبر الميثاق مهماً لما يتضمنه من قواعد الملكية والإدارة وأهداف وقيم العائلة ورؤية مؤسسها، آليات تقييم الحصص والأسهم وطرق توزيع الأرباح، إجراءات تعليم وتأهيل أفراد العائلة، طرق معالجة الخلافات العائلية. بما يعزز ويساهم في تجاوز التحديات والأزمات التي تواجه الشركات العائلية (الميثاق برأيي ليس وثيقة جامدة، بل وثيقة مرنة تقبل التعديل والتطوير والتحديث بشكل مستمر).
كما ويحدد الميثاق مؤهلات المدير وعضو مجلس الإدارة. وينظم حوكمة شؤون العائلة فيما يتعلق بعلاقتها بالشركة العائلية. عبر تأسيس وتنظيم عمل المجالس واللجان، مثل مجلس العائلة أو مكتب العائلة، والذي يختص بتصريف شؤون العائلة وتنظيم علاقتها بالشركة العائلية.
وأرى أن الشركات العائلية وخاصة غير الممأسسة منها تواجه تحديات كبيرة، إذ تتجلى واحدة من أبرز التحديات على مستوى الإدارة في تعيين مدراء بلا صلاحيات لاتخاذ القرارات، إضافة إلى أن من يظهر ويفترض به أن يكون صاحب قرار قد لا يكون كذلك، إذ ثمة فاعلين ولاعبين أساسيين لا يزورون الشركة أساساً وليس بالضرورة أن تكون مصلحة الشركة غايتهم. وهؤلاء اللاعبين المؤثرين عادة ما يتسببوا في أزمات كبيرة، أبرزها؛ ازدواج القرارات، التأثير على القرارات، إفراغ القرارات من مضمونها، سحب القرارات.
الأصل أن تتم إدارة الشركة العائلية من قبل مدير (يُراعى عند تعيينه حسن السيرة والسلوك والخبرة والمؤهل المطلوب لإدارة الشركة) يتم تعيينه من قبل مجلس الإدارة أو المساهمين/الشركاء، ويكون لمجلس الإدارة إن وجد – رئيساً، ويتبع مدير الشركة العائلية لرئيس مجلس الإدارة كأصل عام، ويجوز الجمع بين عضوية المجلس وإدارة الشركة ولا يجوز الجمع بين رئاسة المجلس وإدارة الشركة.
في الختام، لا بد من تذكير مؤسسي الشركات العائلية في فلسطين أن الشركة ليست أرضاً أو عقار أو حساب بنكي، إنما مجموعة من الأعمال والأموال المنقولة وغير المنقولة والتي لا يمكن إدارتها بشكل مشترك إلا ضمن منظومة سليمة ومحددة ومتفق عليها. وأن تغافلهم عن اعتماد هيكل تنظيمي فعّال، وفصل الإدارة عن الملكية (إن عدم الفصل لا يعني بالضرورة فشل الشركة، لكن لاحقاً سيكون السبب)، وعن اعتماد سياسة للتخارج (عبر اعتماد خطة لاحتياطي التخارج) سيضع الشركة في تحديات وأزمات كبيرة. وأدعي أن عملية صياغة وإعداد ميثاق العائلة لا بد وأن تخلق حالة من الوعي الضروري والمطلوب بين أفراد العائلة حول الأمور الأساسية التي تتعلق بالشركة.