رام الله-الاقتصادي-إسلام أبو الهوى-من يشتري هذا الجواز؟ قال الشاب احمد(30 عاما ) ساخرا لزملائه المحيطين به وهم يتحدثون عن عدم تمكنهم من السفر خارج القطاع منذ ما يزيد عن ثماني سنوات. ان سنحت لهم الفرصة في السفر خارج أسوار قطاع غزة المحاصر منذ سنوات طويلة.
وتابع احمد بصوت يملأه شعور بالمرارة والقهر :" صارعت قبل خمس سنوات لاستصدار جواز سفر أملا في ان يتاح لي امكانية السفر لزيارة أختي المتزوجة في القاهرة ورؤية أبنائها، ومنذ ذلك الحين وأنا انتظر بلا جدوى إلى أن انتهت مدة التصريح دون ان اتنفس الهواء خارج سجن غزة.
لم يبدي زملاؤه حوله أي استغراب فهم أيضا يعانون المعاناة نفسها ولا يستطيعون السفر خارج غزة إن حاولوا السفر بعكس اقرانهم في العالم الذين يستطيعون السفر في أي وقت يشاؤون ومتى يقررون ذلك .
وربما قال القدماء في قديم الزمان إن في السفر سبع فوائد لكنها للغزي أكثر من سبعة معيقات تبدأ في الحصار ولا تنتهي بالرفض الأمني الذي يواجه المسافر عبر معابر القطاع، فهو مضطر للحصول على تنسيق خاص من السلطات المصرية ان رغب في السفر عبر معبر رفح، والشيء نفسه إن رغب في التنقل إلى محافظات الضفة الغربية أو منها إلى الأردن.
ويملك غالبية المواطنين في غزة تجارب سفر فاشلة ومعاناة دائمة ربما تختلف في تفاصيها لكنها متشابهة من حيث الظروف العامة والمعيقات المستمرة نفسها كما يقول الشاب الصحافي محمد البريم:" معبر رفح يشبه الخنجر في القلب حيث لا استطيع السفر عبره رغم أنني تسلمت العديد من الدعوات للسفر وللمشاركة في العديد من المناسبات الاعلامية .
وأضاف عام 2013 تسلمت دعوة للسفر إلى بيروت وتمثيل الاعلاميين الفلسطينيين والكتابة عن اللاجئين في مخيمات لبنان لكنني لم استطيع الذهاب هناك والأمر تكرر نفسه عام 2015 لكن عبر معبر إيرز الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال والتي منعتني من المشاركة من مؤتمر الاعلام الثاني في اريحا .
وقال بحسرة كبيرة :" لم استطع المرور عبر معبر رفح حيث الاشقاء المصريين ولا معبر وطن حيث قوات الاحتلال التي تتحكم في كل شيء.
ويلوم البريم القائمين على الحياة في غزة الذين لم يستطيعوا تسهيل وتذليل العقبات التي تقف امام سفرنا إلى الخارج فتتحول احلامنا إلى جرح غائر في الروح .
وقال :" في غزة معبر لم يرحم مريضا ولم ينتفض لعذابات طفلة او امرأة.
ولا تختلف قصة محمد البريم عن قصة المواطن حسن محمد فقد أُتيحت له امكانية السفر إلى الخارج فواجه عدة معيقات تمثلت في انتظاره فتح المعبر لعدة أيام والبقاء في مصر أياما اخرى حتى حان موعد السفر ليمضي في الذهاب والإياب أكثر من مدة السفر المقررة في احدى الدول الاجنبية .
وقال بحزن واضح :" أمضيت في الطرقات نفس المدة التي أمضيتها في الدورة التدريبية في حين كان زملائي في نفس الدورة يأتون في نفس اليوم ويغادرون عند انتهاء الدورة في اليوم نفسه مما أفقدني متعة السفر وما اكتسبته من تجارب وخبرات في هذه الدورة .
ورغم معرفة محمد بالظروف التي تحيط بسفر الغزيين إلى الخارج إلا أن ما زال يحمل املا في ان يتغير هذا الواقع ليصبح السفر إلى الخارج متعة مثلها مثل أي شيء في الحياة .
ويتابع :" ان حالة اليأس التي يعيشها المواطنون في غزة سببها الرئيس عدم تمكنهم من السفر والاختلاط مع العالم الخارجي الأمر الذي يجعلهم أسرى للحزن والقلق والضغط التي تمليه عليهم الظروف السيئة التي يعيشوها في القطاع.
وقبل ان ينهي حديثه قال :" تصور ان تضع قطة في ركن الغرفة وتمنعها من التحرك وتهاجمها.. هل تتوقع ان تتعامل معك القطة بسلام ؟ هذا هو حال الغزيين مع السفر..
يُشار إلى ان قوات الاحتلال التي تتحكم في معبر بيت حانون شمال القطاع تواصل منع الفلسطينيين من التنقل عبره بشكل طبيعي وتسمح فقط لمرور فئات محدودة كالصحافيين والعاملين في المنظمات الدولية وذلك وسط قيود مشددة كما يقول المركز الفلسطيني لحقوق الانسان.
وأكد التقرير حديث اصدره المركز أن المسافرين عبر معبر ايرز ينتظرون ساعات طويلة في معظم الأحيان ويتعرضون للمسائلة من مخابرات قوات الاحتلال حيث تجري اعمال التحقيق والابتزاز بحقهم.
وشهد المعبر في الآوانة الاخيرة تكرار اعتقال التجار الذين يسافرون إلى محافظات الضفة الغربية أو إسرائيل . كما تغلق السلطات المصرية معبر رفح معظم اوقات السنة ولا تفتحه إلا في حالات الطوارئ ولأيام معدودة فقط بسبب استمرار الخلاف القائم بين السلطات المصرية وحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة.
في حين تطالب السلطات المصرية تولى السلطة الفلسطينية المعبر ترفض حماس هذا الأمر وتريد المشاركة في ادارة المعبر من خلال استمرار موظفيها في العمل هناك .
ويدفع الفلسطينيون في غزة ثمن هذا الخلاف القائم منذ عدة سنوات الأمر الذي جعل من السفر مشقة كبيرة لا يُقدم عليه إلا المضطر مثل المريض الراغب في العلاج، او الطالب الذي يريد الالتحاق في جامعته واستكمال تعليمه.