العمال الوافدون ضروريون لتشغيل أكثر من 700 قاعدة عسكرية أمريكية حول العالم. تتضمن مهامهم تقديم الطعام وتنظيف الثكنات.
يكشف هذا التحقيق وجود انتهاكات بحقوق العمال من قبل بعض الشركات المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، واستمرار حصول هذه الشركات على عقود بملايين الدولارات بالرغم من الانتهاكات، خلافا للسياسات والقوانين الأمريكية.
أنتجت "إن بي سي نيوز" NBC News هذا التحقيق، الذي ينشر هنا بنسخته العربية، بالشراكة مع أريج - إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية، والاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ)، وصحيفة "واشنطن بوست" Washington Post.
اعتقد عبد الله أن فرصة العمر قد جاءته.
بعد معاناة لإيجاد فرصة عمل في وطنه، بنجلادش، يقول عبد الله إن مسؤول توظيف عرض عليه فرصة عمل في مطعم يبعد آلاف الأميال، بمدينة الكويت، مقابل ما يعادل 660 دولارا أميركيا في الشهر.
كان هناك عائق. فعليه أن يدفع رسوما باهظة (حوالي 10,250 دولارا)، ولكنه رأى أن الأمر يستحق. عندها، يقول إن والدته استطاعت أن تحصل على قرض لتغطية هذه الرسوم، وبعدها سافر عبد الله إلى الكويت في كانون الثاني/ يناير 2021. كان عمره وقتها 21 عاما.
يقول عبد الله إن الوعود تبخرت عند وصوله إلى الكويت.
لم يذهب للعمل في مطعم، بل يقول إن شركة التميمي (Tamimi Global Co)، التي وظفته أرسلته إلى "معسكر بيوري" في الكويت، حيث تتواجد القاعدة العسكرية الأميركية، ليقوم عبد الله بمهام غسل الصحون. يقول عبد الله إن الراتب الشهري كان 260 دولارا، أي أقل من نصف الراتب المتفق عليه. وفي المعسكر، كان عبد الله يقضي 12 ساعة في العمل يوميا، من دون إجازات، طوال نحو ثلاث سنوات قضاها هناك.
عبد الله، الذي نحتفظ باسمه الحقيقي حتى لا يواجه عواقب سلبية، وقع على عقد وسلم جواز سفره.
الأمر نفسه تكرر مع نحو 400 عامل، كما يقول عبد الله.
"ما الذي يمكننا أن نفعله؟" يقول عبد الله. "اشتقت إلى أمي، وكانت تنتابني حالة بكاء يوميا".
عبد الله واحد من آلاف العمال الذين يزعمون أنهم تعرضوا للاتجار غير المشروع بالعمالة على يد شركات خاصة تعمل في القواعد العسكرية الأميركية، حيث تقاضَى العمال رواتب أقل مما وُعدوا به، ودفعوا رسوم توظيف ليصبحوا مثقلين بالديون، ووضعوا تحت ضغط للتوقيع على عقود غير عادلة، فضلا عن عملهم هناك لساعات طويلة، وفق تقارير حكومية أمريكية. كما تعرض البعض منهم إلى الإيذاء الجسدي.
أجرت "إن بي سي نيوز"، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ)، وصحيفة "واشنطن بوست"، وإعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)، لقاءات مع أكثر من 40 موظفا حاليا وسابقا، لشركات متعاقدة لتقديم خدمات في القواعد العسكرية الأميركية. فحصت "إن بي سي نيوز" آلاف الصفحات من شهادات الكونغرس، وتقارير وزارتي العدل والدفاع، وملفات هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، وغيرها من المستندات، لتكشف في النهاية عن الشركات المتهمة في الاتجار بالعمال، والشركات التي أدينت بالفعل بالاتجار بالعمال.
وبناء على هذه الوثائق، توصلت "إن بي سي نيوز" إلى غياب الشفافية فيما يخص استعداد البنتاغون لإطلاع الرأي العام على الاستغلال المزعوم الذي يتعرض له العمال على أيدي شركات متعاقدة مع البنتاغون يُدفع لها من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، بالإضافة إلى غياب مشاركة مسؤولي البنتاغون فيما بينهم أو مع وكالات أخرى المعلومات المتعلقة بشركات ذات سجل مخز في شأن الاتجار بالعمال.
من 2017 وحتى 2021، اتخذ الجيش الأمريكي إجراءات بشأن 176 حادثة انتهاك عمالي ارتكبها متعاقدون مع الجيش بشكل مباشر أو غير مباشر، وفقا لسجلات وزارة الخارجية الأميركية التي راجعتها "إن بي سي نيوز"، إضافة الى انتهاكات مثبتة تعرض لها أكثر من 900 عامل في السنة المالية 2020 وحدها، وفق وزارة العدل.
ورغم أن هذه المعلومات من المفترض أن تكون منشورة علنا، لم يكشف البنتاغون عن أسماء المتعاقدين الذين ارتكبوا انتهاكات لـ "إن بي سي نيوز"، بالرغم من تقديم عدة طلبات بموجب قانون حرية الحصول على المعلومات.
وتنص القوانين واللوائح الفيدرالية على ضرورة إدراج أسماء الشركات ومعلومات عن الانتهاكات المرتكبة بقاعدة بيانات التعاقدات. وأفاد مكتب المحاسبة الحكومي (GAO) العام الماضي، أن مسؤولي تعاقدات الجيش لم يدخلوا بيانات الانتهاكات إلى قاعدة البيانات.
وقال المكتب أيضا، إن المفتشين العموميين للجيش والبنتاغون لم يبلغوا عن نتائج تحقيقاتهم في شأن الاتجار بالعمال، وأن البنتاغون تساهل في الإشارة إلى الشركات التي قامت بانتهاكات تتعلق بالاتجار بالعمال. فمسؤولو الجيش لم ينتبهوا، طوال الأعوام الستة الماضية على الأقل، إلى شركة واحدة تعرض عمالها لانتهاكات.
يعني هذا أن الحكومة الأمريكية تفتقر إلى الشفافية خارجيا وداخليا، نتيجة عدم مشاركة مسؤولي البنتاغون المعلومات سواء فيما بينهم أو مع الوكالات الأخرى، الأمر الذي أدى إلى أن موظفي التعاقدات ربما لم يعلموا أنهم يمنحون تعاقدات جديدة لشركات ارتكبت مخالفات سابقة.
واستمرت هذه الشركات في الحصول على عقود. فوفق تحليل "إن بي سي نيوز" حصلت على الأقل 10 شركات ارتكبت انتهاكات اتجار بالعمالة موثقة، على عقود حكومية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات منذ عام 2007.
تقول لاتيشا لوف، مديرة فريق الشؤون الدولية والتجارة بمكتب المحاسبة الحكومي الذي حقق في العديد من حالات الاتجار بالعمال في قواعد الجيش الأميركي: "من المرجح أن أموال دافعي الضرائب تذهب لدعم العمل القسري والاتجار بالبشر، وهذا غير مقبول"، وتضيف: "طريقة التعامل (مع العمال) تتماثل مع ما قد يسميه البعض اليوم بعبودية العصر الحديث".
"التميمي"، الشركة التي كان يعمل بها عبد الله، قالت إنه لا يمكنها التعليق على "عموميات أطلقها موظفون سابقون، أو على أي قضايا ما زالت جارية". وأضافت الشركة أنها "شركة ممتازة تهتم بعمق بموظفيها."
عبد الله لا يزال بالكويت، ولكنه لا يعمل لدى الشركة بقاعدة عسكرية.
"تدافع جنوني"
تواجد عمال أجانب أمر ضروري للعمل في أكثر من 700 قاعدة عسكرية بها قوات تديرها الولايات المتحدة حول العالم، وهم في الغالب يقومون بأعمال متواضعة، مثل: تقديم الطعام في مطاعم الثكنات، وتنظيف الثكنات وحراستها. في كثير من الأحيان، يفد العمال من بلاد أخرى للعمل في هذه القواعد، فهم يُنقلون من بلاد تتوفر فيها فرص عمل أقل، مثل بنغلادش ونيبال والهند والفلبين.
في الفترة ما بين نيسان/ أبريل وحزيران/ يونيو فقط، أفادت القيادة المركزية الأميركية التي لديها قوات بنحو 100 قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، من ضمنها قواعد في العراق والكويت والسعودية، أن الشركات المتعاقدة معها وظفت نحو 20,300 عامل، ما يقرب من 9 آلاف منهم قادمون من بلاد أخرى. هؤلاء العمال يتقاضون رواتب أقل، حسبما يقول خبراء.
وتصاعد عدد العمال الأجانب خلال العقدين الماضيين لأسباب يتعلق بعضها بالحروب في أفغانستان والعراق.
يقول آدم مور، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، ومؤلف كتاب عن اعتماد أميركا على العمالة الأجنبية في قواعدها العسكرية: "وقتها كان هناك تدافع جنوني، وحاجة كبيرة إلى العمالة لم تكن متوقعة، ما أنشأ هناك نظام التعاقد الغبر مباشر، و الخارج عن السيطرة".
وإن كان عدد القوات الأميركية القتالية في الشرق الأوسط أقل الآن عما كان عليه في الماضي، إلا أن الآلاف من القوات والمدنيين ما زالوا يجندون ويعملون في هذه القواعد بمنطقة الشرق الأوسط وفي أفريقيا. وهناك أيضا أعداد متزايدة من القوات الأميركية التي تخدم في أوروبا وفي منطقة الخليج الهندي.
ومن الشركات التي استمرت في الحصول على أعمال في القواعد العسكرية الأميركية، رغم انتهاكاتها السابقة والمثبتة باتفاقية الامتثال المبرمة مع الجيش، شركة التميمي التي وظفت عبد الله.
منذ 2007، حصلت الشركة على عقود بقيمة 277 مليون دولار. شركة التميمي (مقرها السعودية)، لديها عقد سار مع وزارة الدفاع الأميركية بقيمة لا تقل عن 10.1 ملايين دولار، تقوم بموجبه بإرسال الطعام إلى المنشآت العسكرية الأميركية.
وقد أدانت محكمة فيدرالية مديرا سابقا بالشركة في عام 2006 بتلقي رشاو. وفي 2009 أدين بالعبث بالشهود. ودفعت "التميمي" غرامة قدرها 13 مليون دولار في أيلول/ سبتمبر 2011 بسبب تلقي الرشاوى في إطار اتفاق ادعاء فيدرالي مؤجل.
وبسبب ارتكابها مخالفات، وقعت "التميمي" على اتفاقية امتثال إداري في تموز/ يوليو 2017، على الرغم من أن الجيش قال إن لديه "أساس قانوني متين" لمنع التميمي من الحصول على عقود في المستقبل.
عملت لاغريس روبرتس هارفي (59 عاما) موظفة تعاقد مدني للجيش الأميركي في الكويت في الفترة ما بين 2015 و2018.
وفي يوم من عام 2016، زارت الثكنات التي تأوي موظفي التميمي العاملين في معسكر بيوري، وهي قاعدة غالبا ما تستخدمها القوات الأميركية المتجهة إلى العراق. وتقول إنها وجدت عمالا أفادوا بحصولهم على قروض باهظة لدفع رسوم التوظيف.
وتضيف: "هناك رجال بالغون يبكون لعدم امتلاكهم أموالا يرسلونها إلى عائلاتهم".
وتقول إنهم كانوا يشكون من ساعات عملهم التي تصل إلى 12 ساعة يوميا على مدار سبعة أيام في الأسبوع، فضلا عن سحب جوازات السفر منهم.
بدأت روبرتس هارفي في فحص ظروف معيشتهم، وأجرت حوارات عديدة مع عمال.
وفق روبرتس هارفي، كان المعسكر مكتظا، وعندما كان يسمع موظفو التميمي أنها قادمة للتفتيش، كانت الشركة تخفي الأسرة على السطح لتظهر أن الإشغالات أقل داخل الثكنات.
تضيف: "عرض البعض منهم صورا تظهر تعرضهم للإيذاء الجسدي، فهناك علامات على مناطق في أجسادهم وكأنهم تعرضوا للضرب". قائلة إن "بعض العمال تعرضوا للدغات بق الفراش. وكبائن الاستحمام كانت بحاجة للتنظيف، وبعض دورات المياه والاستحمام لم تكن صالحة للاستخدام".
فقدت روبرتس هارفي وظيفتها بعد توجيه الحكومة اتهامات إليها بتلقي هدايا بشكل غير لائق مقابل تقديم خدمات، وهي التهم التي تنكرها روبرتس هارفي، معتقدة أنها طردت بسبب إبلاغها عن مخاوفها المتعلقة بشركة التميمي. أيد مجلس شؤون الموظفين الحكوميين فصلها. لكنها حاليا تستأنف القرار، زاعمة بأنها عوقبت لإبلاغها عن المخالفات.
ونفت التميمي في خطاب، ارتكابها انتهاكات متعلقة بالاتجار في العمالة لسنوات.
ورفضت التميمي التعليق على تصريحات عمالها السابقين لـ "إن بي سي نيوز". ووصفت اتفاقية الامتثال المبرمة مع الجيش بأنها تستند على أحداث مرت عليها سنوات. وقالت الشركة إنها "تسعى للامتثال التام" لقواعد التعاقدات العسكرية.
وقالت الشركة إنها "تفخر بشراكة عمرها 32 عاما مع الشركات الأميركية وحكومة الولايات المتحدة".
وأضافت أنها تفخر بعملها مع الجيش الأميركي في تقديم أكثر من 600 مليون وجبة على مدار عقدين، وقالت إنها أوصلت الطعام إلى القوات الأميركية في مدينة الفلوجة العراقية التي دمرتها المعارك، في الوقت الذي رفضت شركات أخرى القيام بذلك.
وعزت النزاع الدائر حول الأجور إلى "تفسيرات مختلفة" للوائح الحد الأدنى للأجور في الكويت، وقالت إنها كانت سابقا تستلم جوازات سفر العمال "للحفاظ عليها"، لكن الشركة لم يعد لديها هذه السياسية. وأكدت أنها تتخذ إجراءات ضد العمال الذين يدفعون رسوم توظيف، ولكن لم ترد على الأسئلة عن الرسوم التي دفعت في الماضي.
وقالت الشركة إنها تلقت في 2016 أوامر لتحسين الظروف المعيشية. وفي حملات التفتيش التي أجريت في 2018 تبين أنها امتثلت لهذا، مضيفة أن الأسرة التي ذكرتها روبرتس هارفي فوق السطح، وضعت هناك لاستخدام حرارة الصحراء في قتل بق الفراش.
"سياسة عدم التسامح مطلقا"
كرست الحكومة الأميركية الوقت والموارد لمكافحة الاتجار بالبشر. وأصدرت بما في ذلك مرسومين رئاسيين وعددا من القوانين واللوائح، وأكدت على انتهاجها "سياسة عدم التسامح مطلقا" في هذا الشأن. وشكلت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" مكتبا لمكافحة الاتجار بالبشر. كما يحقق المحققون الجنائيون وموظفو التعاقدات التابعون للبنتاغون في مزاعم الاتجار بالبشر.
لكن وفق مراجعة أجراها المفتش العام بوزارة الدفاع في عام 2019، فإن الرقابة ضعيفة.
على مدى السنوات الخمس الماضية، أحالت وزارة الدفاع قضية واحدة تتعلق بالاتجار بالبشر إلى وزارة العدل لاتخاذ الإجراءات القضائية. وحظرت -على الأقل- سبع شركات من المتعاقدين مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، وفق تقارير وزارة الخارجية. ولكن فيما يخص أغلب حالات الاتجار بالعمال المثبتة التي يبلغ عددها 176 حالة، اقتصر الأمر على اتخاذ إجراءات إدارية تتضمن تكثيف الإشراف.
وما زال مكتب المحاسبة يقر بأن ثقافة التخبط واللامبالاة تسود فيما يخص تعامل وزارة الدفاع مع ملف الاتجار بالبشر، فبعض موظفي التعاقد في الجيش والبحرية لا يعرفون حتى مسؤولياتهم إزاء منع الاتجار بالبشر، وفق مكتب المحاسبة الحكومي.
تقول لاتيشا لوف، مديرة فريق الشؤون الدولية والتجارة بمكتب المحاسبة: "إن لم تبحث عنه، لن تجده في الغالب".
في الواقع، تتضمن اتفاقية الامتثال الإداري بين التميمي والجيش، التي حصل عليها مشروع الرقابة على الحكومة، بندا يحظر نشر التقارير المتعلقة بالشركة، حتى بموجب قانون حرية الحصول على المعلومات.
هذه السرية التي يفرضها البنتاغون على الانتهاكات المتعلقة بالاتجار بالبشر تُصعِب عمل المحامين، وكل من يسعى لمساعدة العمال الأجانب في القواعد العسكرية، خاصة في الشرق الأوسط، يقول وليام جويس، المدير الإقليمي لمنتدى المهاجر في آسيا (Migrant Forum in Asia)، وهي منظمة تعمل كمظلة تشمل محامين ورجال دين وآخرين يسعون لمساعدة نحو 25 ألف عامل يواجهون خطر الاتجار بالعمالة في الشرق الأوسط وآسيا سنويا.
ويقول جويس: "بسبب أطر السرية التي تفرض على الكثير من هذه الإجراءات، فمن الصعوبة تحديد وقائع الاستغلال".
وأعد المفتش العام بوزارة الدفاع تقريرا في عام 2019 عن شركة متعاقدة مع الوزارة وفرت وجبات غذائية بالكويت. التقرير يشير إلى مذكرة للجيش ذُكر بها أن الشركة المتعاقدة "كانت على دراية بفرض رسوم توظيف باهظة أدت إلى نشوء حالة من استعباد موظفيها." مذكرة الجيش أشارت أيضا إلى أن "مساكن العمال التي وفرتها (الشركة) لم يتوفر بها مياه صالحة للشرب، ولم تكن نظيفة، وكانت مليئة ببق الفراش." لكن تقرير المفتش العام لم يذكر اسم الشركة المتعاقدة.
وتقول الكوماندر نيكول شويجمان، المتحدثة باسم البنتاغون: "تدعم وزارة الدفاع سياسة عدم التسامح مطلقا مع الاتجار في البشر، وهي تستمر بالعمل بدأب على مكافحة الاتجار بالبشر، لأن هذه الأفعال تنتهك حقوق الإنسان وتضر بمهمة الأمن القومي التي نتولاها".
وفي تصريح قال متحدث باسم الجيش قال: "يمثل منع الاتجار بالبشر أولوية قصوى بالنسبة إلينا، ولا نتوانى في التحقيق الجاد في كل حالة انتهاك مزعومة لنتأكد من الامتثال للقوانين المعمول بها"، مضيفا أن الجيش "لا يمكنه أن يناقش المزاعم الحالية، أو التحقيقات والقضايا الجارية"، ولكن عند التعاقدات الجديدة، يتم النظر في سجل الشركة السابق، قبل إرساء التعاقدات، ويخضع الموظفون المدنيون في الجيش والجنود ومسؤولو التعاقدات لتدريبات متخصصة تمكنهم من تمييز حالات الاتجار بالعمالة.
وقال المتحدث الرسمي إن مسؤولي التعاقدات متواجدون في المواقع المشمولة بالتعاقد "لتحديد الأنشطة المشبوهة والإبلاغ الفوري عن المزاعم ذات المصداقية ليتم التحقيق فيها".
وتابع أن القيادة العسكرية المركزية المسؤولة عن الشرق الأوسط وأفغانستان (CENTCOM) "عززت خطط ضمان الجودة (للتعامل مع انتهاكات حقوق العمال المحتملة) على وجه الخصوص، بشكل مكثف بما في ذلك عمليات الإشراف"، وهذا ما حدث في الكويت عندما عين لواء الإسناد التعاقدي 408 التابع للجيش مسؤولا متخصصا "لضمان الامتثال لكل القوانين المعمول بها في شأن الاتجار بالبشر".
"العمل في أجواء يكتنفها الخوف"
في الشرق الأوسط وأفغانستان مزاعم انتهاكات حقوق العمالة لا تزال مستمرة، حتى في ظل التغييرات التي طرأت على التواجد العسكري الأميركي في المنطقة.
ففي هذا العام، أقام 22 أوغنديا وظفتهم شركة الأمن الخاصة تريبل كانوبي (Triple Canopy)، الكائنة في ولاية فرجينيا الأميركية، كحراس أمن في قاعدة العمليات المتقدمة - شراب(Shorab) في أفغانستان، دعوى قضائية في محكمة أميركية ضد الشركة، بزعم انتهاكات تتعلق بالاتجار بالعمالة.
وقالوا في الدعوى إن جوازات السفر الخاصة بهم صودرت بشكل غير قانوني لمدة شهور، ما منعهم من المغادرة أو البحث عن عمل آخر. وقالوا إنهم واجهوا "مخاوف وتهديدات وأوضاع غير آمنة" من شركة تريبل كانوبي، تتضمن التهديد بالفصل من العمل.
وضمن المزاعم الأخرى، قالوا إنهم اعتبروا متعاقدين مستقلين وليسوا موظفين بدوام كامل، على الرغم من أنهم يعملون لأيام طويلة من دون راحة، وهذا التمييز يعني أنهم غير مؤهلين للحصول على رعاية طبية، على الرغم من تعرضهم لهجمات متكررة من قبل مقاتلي طالبان، أدت إلى إصابة عدد من الحراس.
وقالوا إن مشرفا على العمال أخبرهم أنهم يجب أن يشعروا "بحسن الحظ" لعملهم لصالح شركة تريبل كانوبي.
وأدعى الـ 22 عاملا بأنهم طردوا من العمل بشكل غير قانوني في كانون الأول/ ديسمبر بسبب تساؤلهم عن أسباب خصومات، يقولون إنها كانت غير مبررة، من مرتباتهم البالغة 500 دولار شهريا.
استبعدت الشركة الادعاءات بالمحكمة، مجادلة بأن العمال أوغنديون، وبالتالي لا يحق لهم رفع دعوى في محكمة فيدرالية أميركية. وما زالت القضية مستمرة. فيما لم تستجب "تريبل كانوبي" لطلب الرد.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تخضع فيها شركة تريبل كانوبي للمساءلة. فقد وجدت لجنة التعاقدات إبان الحرب في العراق وأفغانستان المكونة من مجلسي الكونغرس، قبل أكثر من عقد مضى، أن الشركة لم تمد رجال الأمن الأوغنديين بالملابس الثقيلة المناسبة أثناء خدمتهم في القاعدة العسكرية المتقدمة في العراق.
عمل الأوغندي عثمان كيمولي، (لم يكن جزءا من الدعوى المقامة ضد شركة تريبل كانوبي،) في الشركة بأفغانستان في 2019 و2020.
أخبر كيمولي "إن بي سي نيوز" أنه كان يعمل لمدة 12 ساعة يوميا، ولكنه تقاضى راتب ثماني ساعات عمل فقط لمدة شهرين. وقال العامل البالغ من العمر 35 عاما، إن العمال حصلوا على مجموعة واحدة فقط من القفازات وقناع وجه واحد في اليوم خلال جائحة كورونا، رغم أن رجال الأمن يتولون مهمة تفتيش زوار المعسكر.
وقال: "كنا نعمل بينما ينتابنا الخوف".
وحصلت "تريبل كانوبي" على أكثر من 350 عقدا رئيسيا من الحكومة الفيدرالية منذ عام 2007، بقيمة 4 مليارات دولار، وهي حاليا متعاقدة مع البنتاغون ووزارة الأمن الداخلي.
يعمل سام مكاهون، المستشار السابق لمشتريات الجيش ومحامي الشركات المتعاقدة مع الجيش سابقا، محاميا موكلا عن الناجين من الاتجار بالعمالة، بمن فيهم العمال الأوغنديون في دعوتهم ضد تريبل كانوبي.
ويقول إن الجيش يتساهل في منع الاتجار، ويعتمد بكثرة على عمال بأجور قليلة لتشغيل قواعده العسكرية بالخارج.
وقال: "نموذج العمل هذا لا يمكن أن يتماشى مع سياسة عدم التسامح مطلقا (مع الاتجار)"، مضيفا: " هو (نموذج) مؤسسي".
أبرمت شركة فيكتروس سيستمز (Vectrus Systems)، وهي شركة لوجستيات مقرها كولورادو سبرينغز، أكثر من 800 عقد بقيمة تزيد عن 17 مليار دولار منذ 2007. ومن ضمن هذه العقود، عقد تصل قيمته إلى 37.8 مليون دولار، لتوفير خدمات التدبير المنزلي للجيش الأميركي في السعودية.
ورفع عدد من الموظفين السابقين في شركة فيكتروس دعوى قضائية ضد الشركة في عام 2015، زاعمين أنهم واجهوا انتقاما وطردوا بشكل غير قانوني، لأسباب من ضمنها الإبلاغ عن الاتجار بالعمالة في قاعدة العمليات المتقدمة العسكرية "شانك" بأفغانستان.
وحكمت محكمة فيدرالية للمدعين بتعويض يبلغ أكثر من 1.5 مليون دولار، ورفض قاض فيدرالي محاولة "فيكتروس" لعقد محاكمة جديدة. وبعد الاستئناف، تمت تسوية القضية مقابل مبلغ لم يُكشف عنه. الشركة لم تعترف بارتكاب أية مخالفات.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تواجه فيها "فيكتروس" مثل هذه الادعاءات، فقبل ست سنوات، اتصل مشتكٍ مجهول بالخط الساخن لمكافحة الاتجار بالبشر في مكتب المفتش العام بوزارة الدفاع.
وأدعى المتصل أن شركة متعاقدة من خلال شركة فيكتروس وظفت عمالا بوعود كاذبة، وامتنعت عن دفع رواتبهم، وفق تقرير صادر عن وزارة العدل.
تمت إحالة القضية إلى دائرة التحقيقات الجنائية التابعة لوزارة الدفاع، ولكن لم يتبين كيف تمت تسوية القضية.
وقالت فيكتروس في تصريح: "نحن نُقَدر كل العاملين، ونعاملهم بكرامة واحترام". وأضافت أنها تلتزم بقوانين العمل، وتطلب من الشركات المتعاقدة معها الالتزام بها أيضا.
أبرمت شركة الأمن الخاصة أغيس غروب (Aegis Group) هي الأخرى العديد من التعاقدات مع البنتاغون، فقد حصلت على أكثر من 95 عقدا منذ 2011 بقيمة أكثر من 830 مليون دولار، خصصت أغلبها لتوظيف رجال أمن.
تحدث لوسامبو كريم، العامل الأوغندي الذي يبلغ من العمر 50 عاما، لـ "إن بي سي نيوز" عن الانتهاكات التي تعرض لها عندما كان يعمل لشركة أغيس في أفغانستان في الفترة ما بين 2018 و2020.
ويقول كريم أنه دفع رسوم توظيف، وكان ينام في مبنى متهدم يفتقر لمكيف الهواء رغم درجات الحرارة المرتفعة، وأُجبر على العمل من دون عقد، ما حال دون حصوله على رعاية صحية في منطقة حرب.
"كان الأمر مأساويا، العمل في أفغانستان سيِّئ جدا جدا جدا"، يقول كريم.
جاردا وورلد (GardaWorld) التي تملك "أغيس" تقول إن كريم لم يفهم تفاصيل عقده على ما يرام، وإنه فيما بعد غادر عمله أثناء فترة دوامه.
البنتاغون يعرف عن حالة كريم.
ظهر كريم هذا الصيف في مقطع فيديو نُشر على موقع وزارة الدفاع. كان جزءا من سلسلة بعنوان "أصوات الناجين من الاتجار بالبشر"، أعدها مكتب إدارة برنامج مكافحة الاتجار بالبشر، وهي إحدى الوكالات العسكرية الرئيسة التي تحاول الحد من الانتهاكات.
وكتبت الوكالة التابعة للبنتاغون في مقدمة السلسلة "نحن ممتنون لهؤلاء الناجين الذين كرسوا وقتا لمشاركة قصصهم".
*****
-لمشاهدة تحقيق "إن بي سي نيوز" اضغط هنا
-لقراءة تحقيق "واشنطن بوست" حول الموضوع اضغط هنا
-تابع القضية على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال
هاشتاج TraffickingInc#
*****
ساهم في هذا التحقيق:
- كيتي ماكوا: صحفية مستقلة في المركز الدولي للصحافة الاستقصائية وصحيفة "واشنطن بوست".
-يوسف الشامري: صحفي مستقل يقيم في الكويت متعاون مع شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية (أريج).
هدى عثمان: عضو هيئة تحرير في شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية (أريج).
- ياسمين الملا: صحفية مقيمة في الكويت متعاونة مع شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج).
-تانكا داكال: صحفي مقيم في نيبال متعاون مع شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج).
- ميلفن هرس: متدرب في الوحدة الاستقصائية لـ "إن بي سي نيوز".
- أوغستين أرمينداريز: صحفي بيانات في الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ).
-إيميليا دياز ستروك: محرر بيانات وباحث في الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ).
******
هذا التحقيق إنتاج مشترك بين إن بي سي نيوز والاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ) وصحيفة واشنطن بوست وإعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) وراديو WGBH بوسطن، والمركز الفليبيني للصحافة الاستقصائية، وبرنامج التقارير الاستقصائية بجامعة كاليفورنيا، بركلي.