فداء سالم أبو منيفي - الاقتصادي: ضاقت الحياة بالشاب طارق عرار (30 عاماً)، بعد مرور خمس سنوات على تخرجه من جامعة بيرزيت في تخصص المحاسبة، فأضطر للعمل في أراضي 48، بعد فشله في ايجاد فرصة في السوق المحلية.
طارق أب لطفلين، اختار تخصصه عن رغبة، وكان يحلم في أن يصبح مديراً لأحد البنوك، لكنه لم يوفق في الحصول على وظيفة. ولم يكن أمامه خيار سوى التوجه إلى الداخل الفلسطيني للعمل في مجال الحدادة.
يقول عرار "فرص العمل قليلة بالضفة والأجور منخفضة وتكاليف المعيشة عالية، وللأسف ما اتقاضاه في (السوق الاسرائيلية) ثلاثة أضعاف ما يمكن أن اتقاضاه في السوق المحلية"، مشيراً إلى أن توجهه للعمالة داخل الخط الأخضر لن يقف حائلاً دون طموحه في إكمال دراسة الماجستير والعودة مجدداً لمجال تخصصه حال توفرت فرصة جيدة لذلك.
يرى عرار أن المستقبل مليء بالصعوبات والتحديات، فالطلبة والخريجيون يجتهدون وينفقون أموالاً طائلة على التعليم وفي نهاية المطاف ينضمون إلى صفوف البطالة معلقين شهاداتهم وآمالهم على الجدران، كالحديد الذي يعمل به ويصدأ مع مرور الزمن.
عرار ليس إلا واحداً من خريجي الجامعات الذين ضاق بهم الحال وعجزوا عن إيجاد فرص عمل في السوق الفلسطينية، فأرغمتهم متطلبات الحياة وقسوتها على أن يصبحوا عمالاً في مهن شاقة في الداخل.
يقول الخبير الاقتصادي د. ثابت أبو الروس "الجامعات في فلسطين تضخ نحو 40 ألف خريج للسوق سنوياً، بينما لا تتجاوز قدرة القطاعين العام والخاص على توفير أكثر من 7-8 آلاف وظيفة سنوياً، وهذا ما يرفع من نسبة البطالة في صفوف الخريجين في فلسطين الذين يجدون في (السوق الإسرائيلية) ملاذاً للبحث عن لقمة العيش، بالإضافة إلى فوارق الأجور التي تزيد نحو ثلاثة أضعاف عن السوق الفلسطينية".
أحمد إيهاب (19 عاماً)، يتمتع بصوت فريد، ولديه موهبة في تقليد المعلقين. التحق بكلية الإعلام بجامعة النجاح الوطنية قسم الإذاعة والتلفزيون، فرحاً باختياره تخصصاً يناسب موهبته منذ الصغر، لكنه وجد نفسه مضطراً لامتهان "صنعة" والده إلى جانب دراسته الجامعية.
يشير أحمد إلى أن والده كان يعمل بمهنة البناء بالداخل، ولديه تخوف تجاه مستقبل ابنه المجهول في ظل غياب فرص العمل التي أصبحت ضئيلة ليأخذ بيده ويعلمه صنعته التي لطالما اعتاش منها، فالابن يرث صنعة وشقاء والده لعلها تفيده إن لم تفيده شهادته الجامعية ليستطيع مواجهة الحياة في ظل الركود الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة وبخاصة في صفوف الخريجين.
يقول أحمد "الاحتلال سبب رئيسي في الضغوطات الاقتصادية التي يواجهها الشباب الفلسطيني، فهو يسرق خيرات البلاد، ويحول العباد إلى عمال"، منوهاً إلى أن السوق الفلسطيني مشبع بالتخصصات الجامعية ولا توجد هناك خطط لاستيعاب الخريجين.
ويضيف "الواسطات أيضاً تلعب دوراً كبيراً في بث اليأس لدى الشباب ودفعهم لسوق العمل الإسرائيلية".
أما الشاب صايل شراونة (33 عاماً) من مدينة الخليل خريج تخصص إدارة الأعمال من جامعة القدس المفتوحة عام 2016، فيقول: "حلم الشباب يتحطم على صخرة الواقع، لا يوجد وظائف في السوق، وإن وجد توضع شروط تعجيزية على الخريجين، بحيث لا يستطيعون منافسة من لهم خبرة في السوق".
واقع الحال دفع شراونة للعمل في الداخل بمجال الدهانات والديكور وترميم البيوت، مبيناً أن انخفاض الأجور في الأراضي الفلسطينية عامل آخر يدفع الشباب نحو (السوق الإسرائيلية).
وتبين الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن معدل الأجر اليومي للعاملين في (إسرائيل والمستعمرات) بلغ حوالي 272 شيقلًا في الربع الثاني 2022 بينما يصل معدل الأجر اليومي للعاملين في القطاع الخاص في فلسطين نحو 90 شيقلا.
ورغم أن نسبة البطالة في فلسطين تصل إلى نحو 26% حسب أرقام صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني غير أنها ترتفع بين خريجي الجامعات، إذ تظهر أرقام الإحصاء أن معدل البطالة بين الأفراد (20-29 سنة) الحاصلين والحاصلات على شهادة دبلوم متوسط أو بكالوريوس مرتفعاً، إذ بلغ هذا المعدل 53% في العام 2021، بواقع 35% في الضفة الغربية و74% في قطاع غزة.