غزة/ إسلام أبو الهوى/ الاقتصادي: باتت تكاليف حفلات الزواج في غزة العائق الأكبر أمام الشبان المقبلين على الزواج. ورغم تفاوت هذه التكاليف بين الأسر الفقيرة والغنية إلا أن الشكوى من ارتفاعها أصبحت الحديث الأبرز بين العائلات التي تخرج عادة من مراسم الزواج بالكثير من الديون.
وكثيرا ما يطرح الشبان على مواقع التواصل الاجتماعي هذه المشكلة طالبين اقتراح حلول لكثير من النفقات الباهظة التي يمكن الاستغناء عنها.
" الاقتصادي" استطلع آراء مواطنين وتقديرهم لتكاليف الزفاف في قطاع غزة، والذين أكدوا أن الأوضاع الاقتصادية أثرت بشكل كبير على تلك المراسم.
العروس لينا راضي (27 عاما)، من مدينة غزة اختارت أن يكون مهرها متوسط ما هو متعارف عليه في قطاع غزة عند 3500 دينار أردني، في حين يبلغ مهر الكثيرات 5 آلاف دينار أردني.
وتؤكد في حديث لـ "الاقتصادي" أن هناك بعض مراسم الزفاف لا يمكن الاستغناء عنها، لكن يتم اللجوء إلى الخيارات البسيطة. على سبيل المثال اختيار فستان زفاف 200 إلى 600 دولار بدلا من 1200 دولار، أو اختيار قاعة الحفل بـ 600 دولار بدلا من 2000 دولار، مبينة أن الشقة وتجهيزها أهم من أي مظاهر أخرى.
وأردفت: "الزواج في الوقت الحالي مرهق جدا للشباب، فتكاليفه في قطاع غزة ما يقارب 10 آلاف دينار أردني، تشمل المهر من 3 إلى 5 آلاف دينار، وصالة التي يكون متوسط حجزها في قطاع غزة نحو 600 دولار، وحفل عريس تتجاوز تكاليفها ألف دولار شاملة مسرحا وكراسي وغير ذلك. أما تجهيز الشقة وأثاثها بما أني مقبلة على الزواج وعلى اطلاع بهذه التكاليف وناهيك عما دفعه الشاب من تكاليف خارجة عن المبلغ المذكور تتضمن بناء شقة أو إيجارها أو تجهيز غرفة في بيت العائلة تقتصر على غرفة نوم وتوابعها".
بدوره، قال محمد الزعيم صاحب سنتر دريم لفساتين الزفاف، أن جميع الخيارات متواجدة والعروس تختار سعر الفستان المناسب لها وفق إمكانيات العريس، مبينا أن البعض يفضل استئجار فساتين الزفاف من أماكن معينة فقط من باب " الفشخرة" رغم أنه يمكنها أن تجد نفس الفستان في محل آخر لكنها لا تفضل.
ويرى أن الأوضاع المتردية في قطاع غزة أثرت على السلوك الشرائي للزبائن، فسابقا لم تكن المفاصلة وأي سعر نريده يتم دفعه لكن الآن يتم المفاصلة تحت شعار "أفضل الخدمات بأقل الأسعار".
ويؤكد الزعيم لـ "الاقتصادي" أن هناك أمور أهم من مراسم الزفاف التي يتم نسيانها بعد انتهاء الزفاف، التفاهم والمودة والرحمة هي من تبقى لكن تلك المظاهر تزول ولا يتبقى منها غير الإرهاق المادي التي يشتكي منه العريس لسنوات طويلة.
في السياق نفسه، تؤكد أم محمد سليمان (60 عاماً) أن الوضع الاقتصادي في غزة أثر بشكل كبير على تحضيرات الزفاف وأن الأمر لم يعد مقتصر كما كان في السابق على تقديم مهر يتم الاتفاق عليه في حدود المتعارف عليه، بل امتد لتحضيرات تستمر لأيام عدة قبل حفلة الزفاف الكبرى، موضحة أن تلك العادات الجديدة التي ظهرت مؤخرا تزيد من تكاليف الزفاف وبالتالي إرهاق المقبلين على الزواج بأعباء إضافية لا فائدة منها.
وتابعت: "منذ حوالي 21 عاما عندما زوجت ابني الكبير كان العرس يتضمن المهر، والقاعة، وتحضيرات العروس من فستان وتجميل، لكن الآن وأنا مقبلة على زواج حفيدي اختلف الأمر ليمتد إلى جلسات تصوير خارجية تكلف حوالي 700 شيقل".
وأضافت" حفلة العريس تقدر بحوالي بـ 5000 شيقل إضافة إلى متطلبات العروس لأحداث صيحات الموضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتختار فستان زفاف تصل تكلفته بالمتوسط إلى حوالي 1000 شيقل مع تجميل بحوالي 500 شيقل، وكل تلك التفاصيل دون المهر الذي أصبح يتجاوز 5 آلاف دينار أردني".
وأكدت سليمان أنه محظوظ من يستطيع الزواج في غزة لأن غالبية الشباب لا يقدرون على خطوة الزفاف دون مساعدة الأهل لإتمام المبلغ المطلوب للزواج وتكاليفه، وأن الشاب يحتاجون عشرات السنوات لجمع المبلغ المطلوب دون أن يثقلوا أنفسهم بالديون.
وأكملت سليمان وهي تضحك: "العروس الآن لا تقبل أن تزف بسيارة عادية، بل بـ (الجيب) وأن تذهب إلى صالون تجميل ذات صيت ذائع، إلى جانب جلسات التصوير التي أصبحت موضة وتدخل في إطار البهرجة الزائدة التي لا لزوم لها".
من جهتها، قالت فيرا الجمال صاحبة صالون " فيرا" الشهير في قطاع غزة إن هناك تسعيرة ثابتة للعرائس تتراوح ما بين 400 – 450 شيكلا، تشمل (تسريحة الشعر والتجميل) مبينة أنها لا تستطيع تخفيض السعر لأن المواد التجميلية التي تستخدمها ذات جودة عالية.
وتشتكي الجمال من ضعف الإقبال، الأمر الذي جعلها تتعاون مع جمعيات تيسير الزواج التي تضمن لها جلب عرائس بشكل دائم، مشيرة إلى أن تكلفة العروس تصل إلى 200 شيقل مشيا على مبدأ "قليل دائم خير من كثير منقطع".
وأكدت ان الأوضاع الاقتصادية في غزة أثرت على حركة الإقبال على صالونات التجميل وأن الوضع بالنسبة لصالون التجميل أصبح مرهقا بسبب التكاليف التشغيلية الإضافية نتيجة انقطاع التيار الكهربائي المستمر والذي كبدها الكثير من المصاريف الإضافية.
في الإطار ذاته قالت السيدة عايدة زيارة (44 عاما) إنها تريد تزويج ابنها بعد أن طلب الزواج مرارا، إلا أن ضيق الحال وتردي الأوضاع المادية في غزة يمنعها من الأقبال على هذه الخطوة التي تحتاج الكثير من المستلزمات.
وبعد أن صمتت قليلا: "ما أحلى العرس وما أكثر طقاطيقه"، وهذا هو الزواج في قطاع غزة الذي لا يقتصر على غرفة صغيرة أو مهر في متناول اليد، لكنه يمتد إلى مستلزمات كثيرة لا يستطيع الشاب الذي يصل راتبه إلى 1000 شيقل شهريا توفيرها.
وأشارت إلى أنها في حال أقدمت على خطوة الزواج ستقتصر الكثير من التكاليف التي سترهق ابنها إضافة إلى اللجوء إلى جمعيات تيسير الزواج التي تساهم في إتمام مراسم الزفاف.
في حين يشير الشاب سيف خليفة (22 عاما) والمقبل على الزواج أنه يعمل ليل نهار لإتمام تكاليف زفافه، والذي يشبه في وضعه آلاف الشباب الذين يعملون بما لديهم من قوة لتوفير مبلغ عشرة آلاف دينار أردني.
يقول: "هذا المبلغ يعد كبيرا خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي يعاني منها قطاع غزة إلى جانب قلة الفرص في الحصول على العمل والأجور المتدنية التي تجعل من تجميع تكاليف الزفاف أمرا غاية في الصعوبة مبينا أن هذا المبلغ يضم المهر وكافة تجهيزات الزفاف من حجز قاعة وحفل الشباب والغذاء إلى جانب الدعوات وتجهيزات العروس.
ويتمنى في حديث مع "الاقتصادي" أن تنتهي الكثير من العادات الاجتماعية المرهقة والتي لا تؤثر على فرحة الزفاف، لكنها مع الوقت أصبحت متطلبا لا يمكن التنازل عنه من باب الحفاظ على الشكل الاجتماعي من جهة وربطها بإدخال الفرحة لأهل العروسين من جهة أخرى.
ويشير إلى أن الكثير من أقرانه اضطر إلى الزواج في فترة انتشار فيروس كورونا لأن في ذلك الوقت تم اختصار الكثير من المستلزمات غير الضرورية والتي تزيد من عبء الشاب الغزي المقبل على الزواج، متمنيا أن تنتشر ثقافة الزفاف البسيط دون تكاليف باهظة ترهق العريس بالكثير من الديون وفي كثير في الأحيان تدخله السجن.
يذكر أن نسبة الفقر في قطاع غزة وصلت إلى نحو 44% حتى نهاية حزيران/ يونيو الماضي، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. بينما أشار المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان في تقريره السنوي إلى أن نسبة الفقر في القطاع تجاوزت الـ 60%.
وتظهر الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، وجود فجوة كبيرة بين دخل المواطن في قطاع غزة مع المواطن في الضفة الغربية، فقد بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي مع نهاية العام 2020 نحو 2900 دولار، بمعدل 4100 دولار في الضفة مقابل 1200 دولار فقط في غزة، أي أن نصيب الفرد من الناتج المحلي في الضفة أربعة أضعاف نصيب الفرد في غزة.