المحاميان صهيب الشريف وحمدية كحلة
تؤسس علاقة صاحب العمل بالعامل وفق قواعد وأسس محددة، لما في ذلك من أهمية لضمان حقوق والتزامات كلا الطرفين؛ فلا يمارس صاحب العمل سلطته على العامل دون ضوابط ومحددات واضحة، وقد شملت القواعد القانونية الناظمة لهذه المسألة، الشروط والضوابط الواجب اتباعها عند إيقاع صاحب العمل الجزاءات التأديبية على العامل.
منح قانون العمل الفلسطيني النافذ (قانون العمل رقم 7 لسنة 2000) صاحب العمل بما له من سلطة تنظيم كافة المسائل الخاصة بمنشأته، وبمقتضى تبعية العامل القانونية له، فلصاحب العمل صلاحية إيقاع الجزاء التأديبي على العامل، خصوصاً وأن هذا الحق يأتي من التزام العامل بأداء عمله وفقاً لما هو متفق عليه مع صاحب العمل، ولقاء الأجر الذي يحصل عليه.
تعدّ الجزاءات التأديبية من قبيل العقوبات التي يتم إيقاعها من صاحب العمل على العامل المخل والمقصّر بأحد التزاماته المفروضة عليه بموجب القانون أو العقد. غير أن سلطة صاحب العمل قد قُيّدت بضوابط ومحددات بموجب القانون؛ فقد أحاط المشرع الفلسطيني إيقاع الجزاء بعدد من الضوابط التي يضمن من خلالها أن يكون الجزاء عادلاً ومتناسباً، وصدر بهذا الشأن لاحقاً قرار عن مجلس الوزراء يحمل الرقم (121) بشأن لائحة القواعد المنظمة للجزاءات والتي تتضمن توضيح تلك الضوابط (سيُعرف في هذا المقال بـ "اللائحة").
يُمكن إجمال الضوابط والضمانات الخاصة بإيقاع الجزاءات التأديبية على العامل، بما يلي:
أولاً: إيقاع الجزاء التأديبي وفقاً للائحة الجزاءات التي يصدرها صاحب العمل والواجبة التصديق من وزارة العمل، وذلك بحسب نص المادة (1) من اللائحة: "لا توقع أية عقوبة على العامل إلا وفق لائحة جزاءات مصدقة من قبل وزارة العمل"، استناداً إلى ما أشارت إليه المادة )84) من قانون العمل بنصها: "لا يجوز لصاحب العمل اتخاذ أي إجراء تأديبي أو فرض غرامة على العامل إلا عن مخالفة منصوص عليها في لائحة الجزاءات المصدقة من قبل الوزارة".
وعليه، تغدو لائحة الجزاءات التأديبية هي مصدر ما يُمكن لصاحب العمل إيقاعه من جزاءات على العامل، أي بمعنى أن صاحب العمل يتقيّد بالجزاءات المنصوص عليها في تلك اللائحة، إذ يمنع عليه إيقاع أي جزاء تأديبي على العامل ما لم تنص عليه أو لم تتضمنه اللائحة. وعلى صاحب العمل أن يعد تلك اللائحة لتنظم استمرارية تقيد العامل بالتزاماته كونها جزء متمم لعقد العمل، مع وجوب تصديق هذه اللائحة من وزارة العمل في إطار إعمال رقابة الوزارة على صاحب العمل.
ثانياً: التقيد بإبلاغ العامل خطياً عند إيقاع الجزاء التأديبي عليه، بمعنى إشعاره بكتاب خطيّ بالمخالفة التي قام بها، إستناداً لما نصت عليه المادة (3/1) من اللائحة: "باستثناء عقوبتي التنبيه الشفهي أو الإنذار المكتوب، لا يجوز إيقاع أية عقوبة على العامل إلا بعد إبلاغه خطياً"، أي أنه لا يجوز إيقاع جزاء تأديبي على العامل إلا بعد إشعاره خطياً بذلك، باستثناء عقوبتي التنبيه الشفوي والإنذار المكتوب، وغير ذلك من الجزاءات مقيدة بإبلاغ خطي، وفي ذلك تنبيه للعامل بوقوع جزاء تأديبي بحقه الأمر الذي يعطيه الحق في الدفاع عن نفسه، و/أو التظّلم من قرار إيقاع الجزاء التأديبي عليه.
ثالثاً: الانسجام والتناسب بين الجزاء التأديبي والمخالفة التي قام بها العامل، والتي استوجبت إيقاع الجزاء بحقه؛ فلا يصدر الجزاء التأديبي إلا في إطار شرعية هذا الجزاء، كالموائمة بين الفعل الذي شكَل مخالفة والجزاء التأديبي على العامل، والتدرج في إيقاع العقوبة الذي نصت عليه المادة (6/2) من اللائحة: "يحق لصاحب العمل تطبيق العقوبة القصوى بالفصل للمخالفات المنصوص عليها في النظام الداخلي بشرط مراعاة التدرج في فرض العقوبة المنصوص عليها في لائحة الجزاءات ومراعاة الشروط التي يتطلبها قانون العمل".
رابعاً: تنظيم الغرامات الواقعة على العامل في سجل خاص، يبين فيها اسم العامل ومقدار أجره وأسباب فرض الغرامة عليه، إعمالاً لنص المادة (84/3) من قانون العمل بقولها: "أن ينظم سجل خاص بالغرامات التي تفرض، يتضمن اسم العامل ومقدار أجره وأسباب فرض الغرامة عليه"، وإلى ما أشارت إليه المادة (4/2) من اللائحة: "على صاحب العمل تدوين المخالفات والغرامات المالية المفروضة على العامل في سجل في المنشأة"، وهنا نشير إلى وجوب تسبيب فرض الغرامة على العامل كأحد الجزاءات الموقعة عليه، الأمر الذي يمكن من إعمال الرقابة على مدى مشروعية القرار وتناسبه مع المخالفة المرتكبة من العامل.
خامساً: وحدة الجزاء التأديبي، أي عدم فرض أكثر من جزاء للمخالفة الواحدة، ذلك أن صاحب العمل يستنفذ ولايته في إيقاع الجزاء التأديبي عن المخالفة الواحدة، ويحظر أن يوقع جزاء تأديبي ثاني على ذات المخالفة. وهذا ما أكدته نص المادة (3/2) من اللائحة "لا يجوز إيقاع أكثر من عقوبة واحدة على العامل عن نفس المخالفة"، غير أن حظر إيقاع أكثر من جزاء على ذات العقوبة ينحصر في الجزاءات التأديبية، أي أنه يمكن إيقاع عقوبة على العامل تختلف عن الجزاءات التأديبية كمطالبة صاحب العمل للعامل بالتعويض، وكذلك إيقاع عقوبة جنائية على العامل لا يمنع من فرض جزاء تأديبي على العامل لذات الفعل.
سادساً: إيقاع الجزاء التأديبي ضمن مدة محددة، ذلك أن حق صاحب العمل بإيقاع الجزاء التأديبي على العامل لا يخوله صلاحية إيقاع العقوبة في أي وقت، فقد حددت اللائحة مدة أسبوعين من تاريخ التثبت من المخالفة لايقاع الجزاء، فإذا مضت المدة القانونية دون إيقاع الجزاء التأديبي على العامل يسقط حينها حق صاحب العمل بمرور المدة، إستناداً لما نصت عليه المادة (3/5) من اللائحة "لا توقع العقوبة بعد مضي أسبوعين من تاريخ التثبت من المخالفة".
سابعاً: بعض القيود الأخرى، إذ نصت المادة (2) من "اللائحة " تنقسم العقوبات المفروضة على العامل عند ارتكابه لمخالفة إلى: 1- الجزاءات التأديبية، وهي على سبيل الحصر، ما يطلق عليها بالإجراءت التأديبية، وتشمل: التنبيه الشفهي، الإنذار المكتوب، الوقف عن العمل، الحرمان من الترقيات، الفصل من العمل. 2- عقوبات مالية ومنها الغرامة المالية.
وقد حدد المشرع عددا من الضوابط عند إيقاع هذه الجزاءات ومنها ما نصت عليه المادة (84/1/أ) من قانون العمل "لا يزيد مقدار الغرامة عن أجر ثلاثة أيام في الشهر" أي عند إيقاع صاحب العمل غرامة مالية على العامل لا يجوز له أن يزيد من الخصم ما مقداره أجر ثلاثة أيام في الشهر، ولا يجوز له أن يقتطع من أجر العامل بدل الجزاءات ما يزيد عن أجر ثلاثة أيام في الشهر، إضافة إلى تخصيص الغرامات للخدمات الاجتماعية العمالية في المنشأة، وفقاً لما جاءت به نص المادة (84/1/د) من قانون العمل، ومن القيود الأخرى التي تقع على صاحب العمل عن إيقاع الجزاء التأديبي تطبيق شروط لأحكام التكرار (وهو ما يُعرف بالعود - أي ارتكاب العامل مخالفة ثم يعود ويرتكب ذات المخالفة بعد مدة معينة)، ويحسب التكرار لغايات التشديد في العقوبة، وقد نص المشرع بالمادة (3/4) من اللائحة على قيد أحكام التكرار "لا يحتسب التكرار لغايات فرض العقوبات على المخالفات في مدة أقصاها سنة من تاريخ ارتكاب المخالفة الأولى، على أن تكون من ذات نوع المخالفة". أي أنه اشترط لاحتساب أحكام التكرار أن يكون العامل قد ارتكب الفعل لمرة ثانية خلال سنة، كما ويجب أن تكون من ذات نوع المخالفة.
نستطيع القول، إن المشرع الفلسطيني قد ضبط ايقاع الجزاء التأديبي من صاحب العمل على العامل بجملة من القيود، لما في ذلك من أهمية لحماية حقوق العامل، وعدم تفرد صاحب العمل بسلطاته وصلاحياته، ذلك أن سلطة صاحب العمل ليست مطلقة، إنما منظمة في إطار شرعية إيقاع الجزاءات التأديبية، وفق ما نص عليه القانون.