المحاميان صهيب الشريف وإيناس النتشة
الاقتصادي: يعتبر قانون العمل من أهم التشريعات الخاصة، ذلك أنه ينظم العلاقة بين العمال/ الموظفين وأصحاب العمل/ الشركات/ المؤسسات. وقد صدر قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000 وتبع سريانه ما يزيد عن 35 قرار ولائحة تنظيمية؛ لغايات تفصيل وتوضيح الالتزامات والحقوق الواردة فيه. وبالرغم من ذلك، ما زال الشق التشريعي الذي ينظم كل ما يتعلق بالعلاقة العمالية بين العمال وأصحاب العمل يشوبه اللُبس ويضم العديد من المسائل التي تحمل في طياتها التضادّ، بالإضافة إلى وجود العديد من المسائل التي غفل المشرع الفلسطيني عنها وبقيت دون تنظيم.
نسلط الضوء في هذا المقال على أبرز الأحكام والمواد التي يشوبها الغموض، كذلك نستعرض أبرز الأمور التي تُثير تساؤلات لم يعالجها قانون العمل الساري.
أولاً: تنظيم العمل الجزئي - Part Time
تلجأ بعض المؤسسات والشركات إلى تبني نظام العمل الجزئي، وبالرغم من توجه أصحاب العمل والعاملين لنظام العمل الجزئي لبعض الوظائف إلا أن قانون العمل لم ينظم العمل الجزئي بأي قواعد ولم يأت على ذكر حقوق العاملين ضمن هذا النظام. وفيما إذا كانت الحقوق التي يتمتع بها العامل بنظام العمل الجزئي هي ذاتها التي يتمتع بها العامل بنظام العمل الكامل من حيث العلاوات والبدلات والإجازات.
ثانياً: مدة فترة التجربة
نصت المادة (29) من قانون العمل النافذ على أنه: "يجوز أن يبدأ عقد العمل بفترة تجربة مدتها ثلاثة أشهر ولا يجوز تكرارها لأكثر من مرة واحدة عند نفس صاحب العمل". لم يحظى النص القانوني سالف الذكر بتفسير جامع مانع؛ ذلك أن البعض ذهب لاعتبار أن فترة التجربة ثلاثة أشهر غير قابلة للتجديد والبعض الآخر اعتبرها قابلة للتجديد لمرة واحدة، بحيث تصبح فترة التجربة في حال تجديدها ممتدة لتصل ستة أشهر.
وقد حسم القضاء الفلسطيني هذا الجدل الذي أخذ حيزاً كبيراً، إذ استقرت محكمة النقض على الأخذ بالاتجاه الذي اعتبر أن مدة فترة التجربة ثلاثة أشهر ولا يجوز أن تزيد عن ذلك، وقضى ببطلان أي اتفاق يزيد من تلك المدة.[1]
ثالثاً: مكافأة نهاية الخدمة والتعويض عن الفصل التعسفي لمن عمل أقل من عام
نصت المادة (45) من قانون العمل على أنه: " للعامل الذي أمضى سنة من العمل الحق في مكافأة نهاية خدمة مقدارها أجر شهر عن كل سنة قضاها في العمل على أساس آخر أجر تقاضاه دون احتساب ساعات العمل الإضافية، وتحتسب لهذا الغرض كسور السنة". ونصت المادة (47) من ذات القانون على: "مع احتفاظه بكافة حقوقه القانونية الأخرى، يستحق العامل تعويضاً عن فصله تعسفياً مقداره أجر شهرين عن كل سنة قضاها في العمل على ألا يتجاوز التعويض أجره عن مدة سنتين".
يعتبر حق العامل بالحصول على مكافأة نهاية الخدمة وحقه بالتعويض عن فصله تعسفياً في حال لم يمضي في عمله مدة تتجاوز سنة كاملة موضع خلاف. فقد ذهب الرأي الأول إلى أن العامل الذي لم يمضي سنة في العمل لا يستحق بدل مكافأة نهاية خدمة ولا تعويض في حال فصله بشكل تعسفي، وأن مرور سنة على عمله هو شرط أساسيّ لا بد من توافره ليحصل على حقه في مكافأة نهاية الخدمة أو تعويضه عن فصله التعسفيّ. بينما ذهب رأي أخر إلى عكس ذلك تمامًا؛ معتبراً أن عدم مضي مدة سنة على عمل العامل لا يحول دون حصوله على حقوقه العمالية كاملةً بما فيها مكافأة نهاية الخدمة والتعويض عن الفصل التعسفي حتى لو كان قد أمضى في عمله مدة أشهر قليلة، وبقي هذا الخلاف دائراً حتى بين المحاكم الفلسطينية نفسها على اختلاف درجاتها.[2]
رابعاً: ما يخصّ الإجازة السنوية
نصت المادة (74/4) من قانون العمل على أنه: "لا يجوز تجميع الإجازات السنوية لأكثر من سنتين"، وتعتبر هذه المادة مادة خلافية، فقد ذهب البعض إلى أن منع تجميع الإجازات يقتصر على التجميع العينيّ لا الماديّ للإجازة السنوية، بحيث يمنع على العامل تجميع الاجازة السنوية لأكثر من سنتين كأصل عام، ولكن في حال تجميعها فإنه يحق له المطالبة بالحصول على بدلها الماديّ وإن زادت عن السنتين. فيما رأى البعض الآخر أن المنع من تجميع الإجازات يشمل التجميع العينيّ والماديّ، وبالتالي، لا يستحق العامل - في حال تجميع إجازاته السنوية لأكثر من سنتين- إلا إجازاته المستحقة له عن آخر سنتين "فقط" سواء طالب الحصول على الإجازة أو بدلها.[3]
خامساً: قانونية العقوبات الصادرة دون وجود لائحة جزاءات مصدقة
نصت المادة (91) من قانون العمل النافذ على أنه: "وفقاً لأحكام هذا القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه تصدر المنشأة التعليمات الخاصة بالسلامة والصحة المهنية ولائحة الجزاءات الخاصة بها مصدقة من الوزارة، وتعلق هذه التعليمات في أماكن ظاهرة في المنشأة".
بخلاف العديد من الدول لم ينظم القانون الفلسطيني حالة عدم وجود لائحة داخلية للمنشأة/ أو المؤسسة تنظّم الجزاءات التي يمكن ايقاعها بحق العاملين في حال ارتكابهم المخالفات. فقد نصّت المادة (84) من قانون العمل على أنه" "لا يجوز لصاحب العمل اتخاذ أي إجراء تأديبي أو فرض غرامة على العامل إلا عن مخالفة منصوص عليها في لائحة الجزاءات المصدقة من قبل الوزارة".
وهو ما يعني وجود إشكالية في تحديد مدى قانونية اتخاذ أي إجراء تأديبي بحق العاملين في حال لم تصادق الشركة/المؤسسة على لائحة الجزاءات ولم تحدد العقوبات التي يمكن اتخاذها بحقهم.
سادساً: التزامات الموظف أمام الشركة
نصت المادة (33) من قانون العمل النافذ على أنه: "يلتزم العامل بتأدية عمله بإخلاص وأمانة وبالمحافظة على أسرار العمل". يحمل هذا النص في ثناياه الكثير من الإبهام ويفتقر للوضوح، إذ يترتب بموجبه على العامل الالتزام بتأدية عمله ضمن مبادئ الإخلاص والأمانة دون أن يوضح معايير تلك المبادئ وما المقصود بالعمل بإخلاص وأمانة.
سابعاً: ساعات العمل الإضافي
نصت المادة (71) من قانون العمل على أنه: "يجوز لطرفي الإنتاج الاتفاق على ساعات عمل إضافية لا تتجاوز اثنتي عشرة ساعة في الأسبوع". نظم القانون حالة عمل العامل ساعات إضافية تزيد عن الساعات الفعلية والتي يستحق بموجبها أجرة ساعة ونصف عن كل ساعة إضافية يعملها، إلا أن الخلاف الحاصل بما يتعلق بساعات العمل الإضافي يدور حول الساعات الإضافية التي يعملها العامل وتزيد عن الساعات التي حددها القانون؛ فالنص القانوني السالف الذكر نص على عدم جواز زيادة ساعات العمل الإضافي عن اثنتي عشرة ساعة في الأسبوع، ولكن في كثير من الحالات يخالف العامل وصاحب العمل هذا النص القانوني بالاتفاق على تشغيل العامل ساعات تزيد عن اثنتي عشرة ساعة. وفي هذه الحالة يقع جدل بين اعتبار الساعات التي تزيد عن اثنتي عشرة ساعة، خاضعة لقانون العمل ومعفاة من الرسوم القضائية كغيرها من الحقوق العمالية أم أن هذه الساعات تصبح خارج نطاق قانون العمل.[4]
ثامناً: طريقة دفع الراتب
نصت المادة (82) من قانون العمل النافذ على أنه: "يدفع الأجر للعامل بالنقد المتداول قانوناً شريطة أن يتم الدفع في أيام العمل ومكانه"، بالرغم من أن القانون قد حدد بشكل واضح كيفية دفع الأجرة واشترط أن يتم ذلك في مكان العمل، إلا أن الأنظمة المتبعة في الشركات تقتضي تسليم الأجور/الرواتب من خلال التحويلات المالية البنكية، بل إن العاملين في الكثير من المنشآت فُرض عليهم تحصيل أجورهم بهذا الشكل حصراً دون إتاحة أي وسيلة أخرى لهم للحصول على أجرهم؛ على الرغم مما يترتب على هذا التوجه من إيجابيات متعددة؛ إلا أن ذلك يُشكل مخالفة واضحة للقانون خصوصاً في حال اتجهت إرادة العامل إلى تحصيل راتبه نقداً في مكان العمل وليس من خلال اللجوء لقطاع البنوك.
باستكشاف الغموض الذي يشوب الكثير من نصوص قانون العمل تظهر الحاجة الماسّة لوجود معايير واضحة يمكن اعتمادها للوقوف على المسائل التي تحتاج لتفسير، وبالرغم من كون قانون العمل شُرع في المقام الأول بهدف إقامة التوازن بين طرفي العلاقة العمالية إلا أنه انحاز في غالبية قواعده إلى الموظف/ العامل باعتباره الطرف الأضعف. ولا شك أننا في حاجة إلى تدخل تشريعي لحسم المسائل الخلافية، بذات الوقت لإضافة بعض الأحكام التي ترسخ وتعزز التوازن بين طرفي العلاقة العمالية.
[1]حكم محكمة النقض الفلسطينية في الدعوى الحقوقية رقم (660/2014) التي نصت: (أن مدة التجربة هي ثلاث أشهر فقط ولا يجوز تكرارها أي أن أي اتفاق يزيد من هذه المدة أو يمددها لدى نفس صاحب العمل يقع باطلاً لمخالفته للقاعدة الآمرة بعدم تكرارها).
[2] حكم محكمة استئناف القدس في الدعوى الحقوقية رقم (264/2016) التي نصت: (ولا يمكن حرمان العامل من بدل التعويض عن الفصل التعسفي كون الفصل التعسفي كان قبل مضي السنة، ذلك أن العبارات الواردة في النص أنه يستحق أجر شهرين عن كل سنة قضاها في العمل لا تعني أن الاستحقاق مرتبط بمعنى سنة في العمل، وإنما جاء هذا التعبير كوحدة قياس لكيفية حساب التعويض).
حكم محكمة النقض الفلسطينية في الدعوى الحقوقية رقم (660/2014) فنصت: (أن المشرع اشترط على العامل أن يمضي سنة كاملة في العمل حتى يستحق مكافأة نهاية خدمة وأن عبارة كسور السنة المقصود بها الفترة التي تلي السنة الأولى) وجاء مخالفًا لما حكمت المحكمة ذاتها سابقًا في الدعوى الحقوقية رقم (496/2013) ونصت: (يستحق العامل عن كسور السنة بنسبة ما قضاه منها في العمل، فإذا كان العامل لم يمضي في العمل سوى عدة شهور فإنه يستحق مكافأة عن هذه الشهور).
[3] حكم محكمة النقض في الدعوى الحقوقية رقم 557/2010 التي نصت:(أن المشرع منع جمع الاجازات لأكثر من سنتين طبقا لأحكام المادة 74/4 من قانون العمل فالمنع في هذا الجمع لا يقتصر أثره على الجمع العيني للمدد بل يمتد ليقابل البدل المستحق للإجازة والقول بخلاف ذلك يشكل افراغاً لمضمون النص المذكور وغير جائز قانونا).
حكم محكمة النقض المتعقدة ذاتها في الدعوى الحقوقية رقم 917/2021 التي نصت:( أن نصوص قانون العمل تمثل الحد الأدنى لحقوق العامل، الأمر الذي لا يجوز التنازل عنها، وحيثما وجد تنظيم خاص لعلاقات العمل تنطبق على العمال أحكام هذا القانون أو أحكام التنظيم الخاص أيهما أفضل للعامل، الامر الذي نخلص منه أن تجميع الاجازات السنوية لمدة محددة بسنتين فقط، لا يعني عدم استحقاق العامل لبدل الاجازات التي لم تستنفذ خلال مدة عمله، على قاعدة لا اجتهاد في مورد النص، وما دام أن المادة 74 من قانون العمل لم تحرم العامل من المطالبة ببدل الاجازات السنوية طيلة فترة عمله).
[4] حكم محكمة النقض الفلسطينية في الدعوى الحقوقية رقم 659/2010 التي نصت: (أجور ساعات العمل الإضافي التي تزيد عن ذلك (تزيد عن اثني عشر ساعة في الأسبوع) فإنها لا تعد من الحقوق التي يرتبها قانون العمل وإنما تخضع لأحكام القانون المدني والمطالبة بها غير معفاة من الرسوم).
حكم محكمة النقض الفلسطينية في الدعوتين رقم 94/2009 و101/2009 وجاء النص بهما: (إن المادة 71 من قانون العمل اجازت لطرفي الإنتاج الاتفاق على ساعات عمل إضافية لا تتجاوز اثنتي عشرة ساعة في الأسبوع، إلا انها لا تعني بأي حال حرمان العامل من بدل أجرة ما زاد عن ساعات عمل إضافية).