نُحبهم شهداء وأحياء
AHC: 0.80(%)   AIB: 1.08(%)   AIG: 0.17(%)   AMLAK: 5.00(%)   APC: 7.25(%)   APIC: 2.27(%)   AQARIYA: 0.78(%)   ARAB: 0.82(%)   ARKAAN: 1.29(%)   AZIZA: 2.84(%)   BJP: 2.80(%)   BOP: 1.49(%)   BPC: 3.74(%)   GMC: 0.76(%)   GUI: 2.00(%)   ISBK: 1.12(%)   ISH: 0.98(%)   JCC: 1.53( %)   JPH: 3.58( %)   JREI: 0.28(%)   LADAEN: 2.50( %)   MIC: 2.47(%)   NAPCO: 0.95( %)   NCI: 1.75(%)   NIC: 3.00(%)   NSC: 2.95(%)   OOREDOO: 0.79(%)   PADICO: 1.01(%)   PALAQAR: 0.42(%)   PALTEL: 3.91(%)   PEC: 2.84(%)   PIBC: 1.09(%)   PICO: 3.50(%)   PID: 1.91(%)   PIIC: 1.72(%)   PRICO: 0.29(%)   PSE: 3.00(%)   QUDS: 1.06(%)   RSR: 4.50(%)   SAFABANK: 0.68(%)   SANAD: 2.20(%)   TIC: 2.98(%)   TNB: 1.20(%)   TPIC: 1.95(%)   TRUST: 2.85(%)   UCI: 0.38(%)   VOIC: 5.29(%)   WASSEL: 1.00(%)  
12:00 صباحاً 04 تشرين الثاني 2015

نُحبهم شهداء وأحياء

هُم فرحون لأن أبناءهم شهداء، لكنهم ليسوا فرحين بأنهم رحلوا الآن، وإلى الأبد.

تزغرد أمهات وقريبات الشهداء لحظة الإعلان عن استشهادهم، عائلات توزع الحلوى، وأخرى تقول: هنئوني باستشهاده، لكنهم جميعا متفقون بداخلهم أنهم فقدوا عزيزا وغاليا، ابنا أو أبا أو أختا أو قريبا.

بعد أيام قليلة من انتهاء بيت عزاء الشهيد، وحين ينفض الجميع، تذهب أمهاتهم بصمت وقهر إلى دولاب ملابسهم وأشيائهم الخاصة، يستنشقن آثرهم وروائحهم حتى الوجع الأخير!

خلال عامي 2014 و2015 دخلت منازل لــ14 شهيدا، وكُنت آخر من يخرج منها، رأيت كل شيء، الأشياء التي لا تعني الثائرين عن بعد، وأقلام الثائرين في مواقع التواصل الاجتماعي، وعدد من الاعلاميين، فالإعلام يحضر دائما وقت خروج الشهيد من بيته وجنازته، أي في الوقت الأكثر فوضى، الوقت الذي لا أحد فيه يعرف أحدا، يصور دمع الأم وجملة متقطعة منها ثم يُطفئ الكاميرا، في النهاية كل هذا موت وفقد، هؤلاء الشبان والأطفال الشهداء هم أزهار وورود بيوتهم وأهاليهم، وأحيانا لا تكون هناك دموع لأن الموقف أكبر منها. نبكي ونتأثر مجرد موت بطل في فيلم أجنبي، فلماذا لا يرغب البعض أن نبكي شبابنا وأطفالنا وهم حقيقة! أطفال وشبان لا نعرف كيف أنجبتهم أمهاتهم وكم عانى آباؤهم ليكبروا، ولا نعرف هم أنفسهم بماذا حلموا.. كل شهيد هو حلم انسان لن يخبرنا عنه أحد.

لكل شهيد أم وأب وأشقاء وشقيقات وأقارب يحبونه، تمنوه عريسا لصبية حلوة، ورجلاً تعرفه كل البلاد، يحبون الخروج والجلوس والسهر معه، وأخذ مشورته، ووجوده كفرد من عائلة لم تنقص أحدا، ولهم جدات بكينهم أمام الكاميرا لثوانٍ ثم ذهبن بعيدا، الجدات اللواتي أحببنهم كأحفاد، وأعطينهم أسماء أخرى غير أسمائهم كنوع من الدلال والمرح.

للشهداء بيوت وغرف ونوافذ وأدراج، هذا ما قالته نساء وفتيات الحارات والشوارع اللاتي ينتمون إليها، وتربوا وعاشوا فيها، ولهم نوادر ومواقف محزنة وأسرار في ذاكرة أصدقائهم.

في طريقي شهيد

مربك أن يكون في طريقك اليومي بيت شهيد، في الشتاء الفائت، حاولت أن أتصنع النوم حين وصلت مشارف بيت الشهيدة الطفلة ايناس دار خليل من سنجل، وألا تلتفت عيني للطريق الترابية التي كانت توصل خطواتها الناعمة إلى هناك. كان المطر يسيل في حفر صغيرة وقنوات رفيعة حفرها بتساقطه المستمر لثلاثة أيام، في الطريق الترابية لبيتها، تذكرت قدميها وهما تغطسان في هذه الحفر، أو تمازحها رفيقتها تولين برمي حجر في حفرة بجانبها، فتبللها. ماء يمشي وحده يا ايناس، وحده في الطريق لبيتك، لا تقلقه خطواتك.

 

الصوت الذي قال كل شيء

وأنت تصعد آخر صعود بعد كنيسة جفنا، -حتى طرق بيوتهم، صعودا- على يمينك توتة كبيرة، بإمكانك أن تنزل هُناك وتمشي 30 مترا، ثم تأخذ اليمين مرة أخرى، نزولا، طريق فرعية صغيرة، كُلها لوز، بالذات الجهة اليمنى منها، حيث كان يستظل أصدقاؤه قبل وصول جسده للمرة الأخيرة، محمولا. كل هذا الوصف كان الشهيد ليث الخالدي يعيشه يوميا.

صرخت أخته، تالا (4 سنوات): لاااايث، لاااااايث، وقتها كانت الإسعاف تُدير محركها، وتستعد للمغادرة محملة بالطفل الذي صار رجلاً وبطلا وشهيدا ورحيلا، صعد على دعامتها الخلفية 15 شابا، فتعطلت محاولتها الأولى بالسير، وتالا تصرخ: لاااايث، لاااااايث.. بينما عجلات الإسعاف تدور بقوة وضجة في مكانها، ناشرة الغبار، والحصى الصغيرة..

وكُنتَ قادرا على تمييز ذاك الصوت، وذاك النداء، وسط غبار وضجيج العجلات، وأصوات الأصدقاء وأهالي البلدة، وأهالي الفتى، ذاك الصوت الناعم، والذي لم يرتفع قبل تلك اللحظة بمثل ربع ذاك العنف..

وكأن كل شيء قد هدأ..

هدوء.. صفاء.. لوز، وتوت، وسرو، وزيتون بيرزيت يُطل عن التلال المُلقاة أمام الأعين، أناس، قطع قماش تُرفرف عاليا، سيارات، كاميرات، دموع، أرجُل تتداخل وتتراكض، كُلها تتحرك ببطء وهمس، همس.. يُشبه إعادة فيلم للوراء بضع دقائق، صوتٌ واحد يقتحم المشهد، فيُحيل الفيلم إلى واقع، صوتٌ واحد يُريد للمشهد ألا يُصبح فيلما مكررا، فيصرخ، مُحولا المشهد إلى جنازة حقيقية.

لحظات بعد الصرخات الأربع، يهبط الشبان عن سيارة الإسعاف، تُدار سماعة المسجد المجاور، وأجراس الكنيسة، وتلحق النساء ببداية التشييع، يقفز الجميع الى سياراتهم، وآخرون يجرون أمام الجميع، وتُرى الرايات وألوان الفصائل تتقاتل في الهواء، على اللاشيء!

لحظات ونبتعد، يتداخل كل شيء، تصبح الأصوات عالية ومتداخلة، هذا ينادي: يا أم الشهيد.. آخر: الله أكبر.. آخر: الرد الرد.. لحظات ويصرخ الجميع، فتفقد تركيزك، لأن صوت تالا، اختفى..

كان الوحيد القادر على أن يقول: كان الشهيد محبوبا.

 

 

نقلا عن وفا

Loading...