وكالات - الاقتصادي - في سن التاسعة عشرة، تركت إليزابيث هولمز الفتاة الهادئة دراستها في جامعة ستانفورد الشهيرة، لتؤسس شركة تكنولوجيا ناشئة متخصصة في تحليل الدم أطلقت عليها اسم ثيرانوس، تستخدم طرقاً مبتكرة تسمح بمعرفة الكثير من التفاصيل عن حالة المريض من خلال عينة صغيرة من دمه، يمكن الحصول عليها بـ"شكة دبوس"، نظراً لأنها ووالدتها كانتا تخافان من الإبر المستخدمة في تحاليل الدم التقليدية.
وبعد عامٍ واحدٍ من دخولها نادي المليارديرات في 2015، قيمت مجلة "فورتشن" ثروتها بما لا يتجاوز "الصفر"، واعتبرتها أسوأ نماذج قيادات العالم. وكان تقييم الشركة التي أسستها، بأكثر من تسعة مليارات دولار، وكانت تمتلك أكثر من نصفها.
وتواجه هولمز في محاكمتها، التي بدأت، الثلاثاء الماضي، ويتوقع أن تمتد لما لا يقل عن ثلاثة أشهر، اثنتي عشرة تهمة تتعلق بالاحتيال والتآمر في ما يخص مزاعم كاذبة قدمتها عن شركتها بهدف تضخيم تعاملاتها وأرباحها لخداع المستثمرين وزيادة قيمة الشركة بصورة غير حقيقية.
ووجهت وزارة العدل الأميركية قبل أكثر من ثلاثة أعوام اتهاماتها للمليارديرة الحسناء، وشريكها رامش بالواني، الذي كان أيضاً حبيبها، قبل أن تسوء الأمور بينهما وتنتهي بمشاجرات واعتداءات جسدية بسبب القضية.
وخلال النصف الأول من عام 2018، اتهمت هيئة سوق المال الأميركية هولمز بخداع المستثمرين في ما يخص التكنولوجيا الجديدة المزعومة التي تتبناها شركتها، لتدفع المليارديرة الصغيرة حفنة من دولاراتها لا تتجاوز 500 ألف لتسوية القضية، لكن تم منعها من المشاركة في مجالس إدارة الشركات العامة الأميركية لمدة عشر سنوات، ثم ليُوَجِّه لها بعد ذلك قاض فيدرالي اتهامات جديدة، هي ومدير العمليات بالشركة بالواني.
وتُنكر هولمز كل الاتهامات الموجهة إليها، ويدفع محاموها بأنها لم تكن أكثر من واجهة للشركة التي أسستها في مواجهة الإعلام والمستثمرين، ويلقون بعبء عمليات الاحتيال المرتبطة بأجهزة فحص الدم، التي تم التعاقد مع كبريات الصيدليات والعيادات وشركات التأمين الصحي لتوريدها لهم.
ويرى المحامون أيضاً أن المستثمرين الكبار الذين وضعوا أموالهم وثقتهم في الشركة الناشئة كان يتعين عليهم بذل المزيد من الجهد لإتمام الفحص النافي للجهالة المتعارف عليه في مثل تلك العمليات.
ونجحت هولمز بشركتها التي كانت واعدة عند إنشائها، وأيضاً بالصورة الذهنية التي خلقتها لنفسها بصوتها العميق وكلماتها الملهمة ونظراتها الحادة، وارتداء مجموعة من القمصان السوداء ذات الياقة العالية، كما تحركاتها بطائرتها الخاصة وسيارتها المقاومة للرصاص وفريق حراستها، في لفت الأنظار واجتذاب العديد من المستثمرين ذوي الخبرة.
بدأت هولمز كالمعتاد بأموال أقاربها، قبل أن تنجح في الحصول على مساهمة سخية من صديق والدها دون لوكاس، رئيس مجلس الإدارة السابق وصاحب الاستثمارات الضخمة في شركة أوراكل المتخصصة في منصات وتطبيقات الحوسبة السحابية، والذي تمكن وقتها أيضاً من إقناع لاري إليسون، مؤسس أوراكل، من المشاركة في عضوية مجلس إدارة شركة ثيرانوس.
أقنعت هولمز أيضاً جارها الملياردير تيم دريبر، صاحب إحدى شركات رأسمال المخاطر، ليكون من أوائل المستثمرين في شركتها، ليتبعه بعد فترة وجيزة مؤسسو شركة وولمارت، عملاق تجارة التجزئة في الولايات المتحدة، وروبرت موردوخ، إمبراطور الإعلام، ووزيرة التعليم السابقة بيتسي ديفوس وعائلتها، كما العديد من مليارديرات الولايات المتحدة، الذين خسروا أكثر من 700 مليار دولار قاموا باستثمارها في الشركة الواعدة قبل انهيارها.
ولم تكن هولمز وشركتها فرصة واعدة للمستثمرين فحسب، إذ استقطبت أيضاً مجموعة من الشخصيات المؤثرة في أروقة واشنطن وأعضاء الكونغرس وجماعات الضغط فيها، وكان من بينهم هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأميركي الأسبق، وجورج شولتز، وزير الخزانة والعمل الأسبق، وجيمس ماتيس، وزارة الدفاع في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ليكونوا ضمن مجلس إدارة الشركة، وكانت لهم بالطبع مساهمات فيها.
ومن المفارقات في قصة هولمز، أن تايلور شولتز، الموظف السابق في الشركة، كان من أوائل المنبهين للمخالفات وعمليات الاحتيال فيها، بينما كان جده يجلس ضمن مجلس إدارتها.
وقبل انهيار الشركة، كانت هولمز ملء السمع والأبصار، إذ تم تعيينها عضواً في مجلس زملاء كلية الطب بجامعة هارفرد، واختارتها مجلة تايم الشهيرة واحدة من أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم، وضمن أقوى نساء العالم في عام 2015.
كما حصلت على لقب امرأة العام من مجلة غلامور، وحصلت على الدكتوراه الفخرية من جامعة بيبردين، بالإضافة إلى العديد من الجوائز الأخرى.