تغييرات ملحوظة تطرأ على النظام الاقتصادي العالمي في السنوات الأخيرة، وفي مركز هذه التغييرات تجد تكنولوجيا المعلومات التي تتطور بشكل متسارع لتكون عاملاً مؤثراً وأساسياً في خلق منظومة اقتصادية جديدة ومختلفة، لا يعتمد فيها نجاح المشاريع وتطورها على رأس المال فقط، ولا يقتصر دور جمهور "الزبائن" على "الشراء" ودفع المال، بل للمستهلك دور فعال في تطوير الشركة ونجاحها دون أن يصرف الأموال.
بالنظر إلى موقع فيسبوك مثلاً، الذي اجتاح العالم خلال العقد الأخير ويعدّ أشهر وسيلة إعلام حديثة في العالم، فهو وسيلة إعلام لا تنتج أي محتوى بل تعتمد بشكل أساسي على المستخدمين والمتصفحين. فمستخدم فيسبوك هو من ينتج المحتوى بإرفاق الفيديوات والصور وكتابة المنشورات والتعليقات ومشاركة المعلومات.
وقد كبر موقع فيسبوك وتحوّل إلى شركة ضخمة عملياً نتيجة لتفاعل جمهور المستخدمين معه وتزويده بالمعلومات التي أصبحت نقطة قوته. فبعد تراكم المعلومات والبيانات وتخزينها أصبحت فيسبوك تستخدمها من أجل خدمة مصالحها وإدارة تعاملها مع شركات وجهات رسمية كبرى.
كما أصبح موقع فيسبوك أداة أساسية لإجراء الدراسات على سيكولوجية الجماهير وبث الأفكار أو دراسة تقبل الناس لأفكار معينة، إلى جانب رصد مواقفهم من الأحداث المختلفة، وقد ظهر ذلك بشكل واضح قبل أشهر عندما أتاحت فيسبوك مجال التفاعل مع القانون الأمريكي الذي يجيز زواج المثليين.
وفي حين تعتمد الشركات التقليدية على مبدأ "العرض والطلب" من أجل التصنيع أو تقديم الخدمات، لا تحتاج الكثير من الشركات الجديدة إلى ذلك، إذ أصبح العرض والطلب شأن المستهلك، في حين أن الشركة وفرت إطاراً مجانياً وسهل الاستخدام وفي متناول اليد يجمع مقدمّي الخدمات ومتلقّيها.
وعلى ذلك يمكن أن نأتي بعدة أمثلة، فشركة "uber" لتقديم خدمة سيارات الأجرة حول العالم لا تمتلك أي سيارة تاكسي وليس لديها مواقف خاصة للسيارات المشاركة بخدمتها. فهي تعتمد على مستخدميها الذين يسجلون أنفسهم في الموقع كسائقين، وعلى مستخدمين آخرين يطلبون خدمة "التاكسي" التي قد تكون سيارة شخصية لمواطن عادي موجود في المكان نفسه.
وبشكل مماثل يعمل موقع "Airbnb" الذي يعرف بكونه أكبر مزوّد للفنادق استخداماً عبر الشبكة لا يملك أي عقارات، أو فنادق أو سكنات تابعة له، إذ تعتمد خدمته على المستخدمين المستعدين لاستضافة مستخدمين آخرين سواء في بيوتهم الخاصة أو في عقارات وشقق وفنادق صغيرة يملكونها هم.
وهذا يختلف كثيراً عن شكل مشاريع الفنادق التقليدية التي كان تعتمد على التسويق لنفسها بنفسها بشكل مباشر ودون وسيط، وكان المستهلك يدفع مبالغ كبيرة للحصول على خدمات جيدة. وبشكل شبيه يقوم موقع "campinmygarden" بتوفير أماكن ومساحات لرحلات التخييم دون أن يمتلك معسكرات طبيعية خاصة به، بل بكونه وسيطاً بين مالكي الحدائق البيتية والباحثين عن أماكن لنصب خيمهم.
إلى جانب ذلك، أصبحت متاجر التجزئة عبر الإنترنت هي من المواقع الأكثر دخولاً واستخداماً على الرغم من أنها لا تملك مخازن ومستودعات ومصانع لتوفير المنتجات المطلوبة. ومثال على ذلك هو موقع "e-bay" الذي يعتبر متجراً إلكترونياً يبيع فيه الناس منتجاتهم ويشترون من الآخرين ما يريدونه، أي إن الموقع هو وسيط بين البائع والمشتري في أغلب الأحيان، وكذلك موقع "Alibaba" الشهير.