رام الله - الاقتصادي - فراس الطويل ومحمد عبدالله - عادت حادثة "باص جبع" المأساوية للحضور مجددا على الساحة المحلية، بعد 9 سنوات على الكارثة التي أودت بحياة 6 أطفال ومعلمة وعديد الجرحى.
سبب عودة الحديث داخل أروقة الحكومة والقضاء وقطاع التأمين، مرده إلى إرسال إشعار مؤخرا من الجانب الإسرائيلي للجانب الفلسطيني، بتنفيذ حكم نهائي صدر عام 2017، لصالح طفلة أصيبت بالحادث.
الحافلة التي تعرضت للحادث وفي داخلها أطفال خرجوا في رحلة مدرسية بتاريخ 16 فبراير/ شباط 2012، مؤمنة لدى الشركة الأهلية للتأمين المدرجة في بورصة فلسطين.
ففي 20 أبريل/ نيسان 2017، أصدرت المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس قرارا ضد شركة الأهلية للتأمين يطالبها بدفع مبلغ 11 مليون شيقل لإحدى المصابات في حادث جبع المأساوي.
لكن الأهلية للتأمين ترفض الامتثال لأي قرارات من القضاء الإسرائيلي لعدم اعترافها به، إلى جانب وجود قرار فلسطيني صادر في عام 2012، تتكفل فيه الحكومة وصندوق مصابي حوادث الطرق بالعلاج والتعويض.
** الحكومة تتولى تكاليف العلاج والتعويض
بتاريخ 26 يونيو/ حزيران 2012، صدر قرار من مجلس الوزراء الفلسطيني برئاسة سلام فياض في حينه، بتكفل الحكومة وصندوق مصابي حوداث الطرق، بعلاج وتعويض ضحايا ومصابي الحادث المأساوي.
وجاء في القرار الذي يملك "الاقتصادي" نسخة منه: "بناء على الصلاحيات المخولة لنا قانونا، وتنسيب رئيس لجنة التحقق واستخلاص العبر في حادث سير منطقة جبع.. يتم تكليف وزارة الصحة والصندوق الفلسطيني لتعويض مصابي حوادث الطرق، بتأمين العلاج وتعويض المصابين والضحايا وفقا للقانون".
وأورد القرار أن العمل به من قبل الجهات المختصة يبدأ اعتبارا من مطلع عام 2012 (أي بأثر رجعي)، وينشر في الجريدة الرسمية.
** تجدد المراسلات
بعد ثلاثة أشهر من صدور قرار المحكمة الإسرائيلية، أي في يوليو/ تموز 2017، ردت المحكمة العليا الإسرائيلية طلبا لشركة الأهلية بوقف تنفيذ القرار، ما دفع بمحامي المصابة نهاد ارشيد إلى مخاطبة هيئة سوق رأس المال ووزارة المالية ورئيس الوزراء في حينه رامي الحمد الله، لإجبار الشركة الفلسطينية على تنفيذ القرار القضائي الإسرائيلي.
وأنذر المحامي ارشيد في كتب المراسلات الموجهة للجهات المذكورة وحصل "الاقتصادي" على نسخ منها، بلجوء موكليه لتنفيذ قرار الحكم وتحصيل المستحق لهم بموجب القرار الإسرائيلي، وفق الآليات المنصوص عليها في الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وجاء في رد هيئة سوق رأس المال الفلسطينية، بأن "الهيئة ليست الجهة المسؤولة قانونا عن السير بإجراءات تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد شركات التأمين في فلسطين".
وترى الهيئة أن صلاحياتها بموجب قانون هيئة سوق رأس المال لسنة 2004 وقانون التأمين لسنة 2005 في التأكد من أن "شركات التأمين لديها القدرة المالية والفنية للوفاء بالالتزامات المترتبة عليها، وإذا حصل أي تخلف عن تسديد الالتزامات فإن الهيئة لها صلاحية اتخاذ إجراءات ضد الشركات تبدأ بالإنذار ووقف ترخيصها لمدة مؤقتة وصولا إلى إلغاء الرخصة نهائيا".
وتشير الهيئة إلى أن قانون التأمين رقم 20 لسنة 2005 يخول لها باتخاذ الإجراءات العقابية بحق شركة التأمين التي تتخلف عن تنفيذ الأحكام الصادرة القضاء الفلسطيني، ولا تتعاطى مع الأحكام الصادرة عن القضاء الإسرائيلي بصفته حكما أجنبيا، ما لم يتم تصديقه من القضاء الفلسطيني.
** ما علاقة أموال المقاصة؟
في ظل عدم تنفيذ القرار الإسرائيلي ضد شركة الأهلية للتأمين، لجأت عائلة المصابة في حادث جبع إلى المحكمة العليا الإسرائيلية لمطالبتها بإصدار قرار يلزم وزارة المالية الإسرائيلية بخصم مبلغ القرار القضائي الصادر عن محكمة الاحتلال المركزية في القدس من أموال المقاصة الفلسطينية.
وأفادت مصادر خاصة لموقع الاقتصادي بأن المالية الإسرائيلية وجهت مؤخرا رسالة لنظيرتها الفلسطينية تطالبها بإجبار شركة الأهلية للتأمين على تسديد المبلغ المنصوص عليه في قرار المحكمة الإسرائيلية تحت طائلة التهديد باقتطاع المبلغ مضافا إليه فوائد التأخير من أموال المقاصة.
والبروتوكولات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لا تخول للأخير الخصم من أموال المقاصة، والخصم الذي يقوم به الإسرائيلي يعتبر قرصنة.
وأفادت المصادر بأن وزارة المالية الفلسطينية ردت على الرسالة الإسرائيلية، بأنها ليست صاحبة الاختصاص في قضايا شركات التأمين.
ولم يخصم مبلغ الـ 11 مليون شيكل حتى تاريخه، من أموال المقاصة.
وفي حال إقدام سلطات الاحتلال فعلا على تنفيذ الخصم من أموال المقاصة، يتوقع أن تطالب وزارة المالية الفلسطينية شركة الأهلية بتسديد المبلغ باعتباره دينا عاما وفق اتفاق بين الطرفين، وفي حال الامتناع بإمكان الوزارة التوجه للقضاء الفلسطيني لاستصدار قرار يلزم الشركة بالتسديد، وفق مراقبين اقتصاديين وقانونيين.
وبحسب ما علم "الاقتصادي"، فإن لجنة مشكلة من طرف الحكومة للتباحث مع الشركة الأهلية للتأمين، بشأن التعامل مع القضية؛ فيما رفضت الحكومة ممثلة بوزارة المالية التعقيب لـ "الاقتصادي" على قرار القضاء الإسرائيلي أو تقديم أية معلومات بشأن تطورات التعامل مع القضية أو كيفية سداد المبلغ.
يذكر أن قضايا المطالبات المالية يجب أن تحل بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، من خلال اللجنة الاقتصادية المشتركة المنصوص عليها في اتفاق باريس الاقتصادي.
وينبثق عن بروتوكول باريس الاقتصادي، لجان فرعية لمختلف القطاعات مهمتها رفع المطالبات بين الطرفين لتحصيلها، منها لجنة مشتركة في قطاع التأمين، لم تعقد أي اجتماع منذ تشكيلها.
كذلك، علم "الاقتصادي" أن أزمة أخرى مرتقبة في قضية حادث جبع، مرتبطة بأي قضاء ستتعامل معه شركة الأهلية التأمين، الأول إسرائيلي والذي يلجأ له متضررون من الحادث يحملون الهوية المقدسية أو الجنسية الإسرائيلية، والثاني فلسطيني لجأ له المتضررون من الحادث، من حملة الجنسية الفلسطينية.
والشركة الأهلية للتأمين، مدرجة ببورصة فلسطين تأسست عام 1994، وأدرجت في السوق المالي عام 1997، سجلت صافي ربح بعد الضرائب في 2019 بقيمة 1.2 مليون دولار، بينما لم يتجاوز ربحها في الشهور التسعة الأولى من 2020، حاجز 230 ألف دولار.