وكالات - الاقتصادي - قدم "انترنت الأشياء" للبشرية في ثوبها المعاصر السيارات ذاتية القيادة، والمبردات الذكية، وأجراس الباب التي تعمل بالفيديو، واكتسبت الأشياء التي نتعامل معها في حياتنا اليومية خاصيات جديدة بعد تزويدها بمجسات ووحدات استشعار، وتوصيلها بشبكة الانترنت.
وبعد أن اعتادت البشرية على هذه النوعية الجديدة، طالعنا العلم الحديث بمفهوم آخر هو "انترنت الأجسام"، والذي يضفي على التكنولوجيا صبغة شخصية بحيث صارت تخاطب كل انسان بشكل متفرد عن الآخرين.
ويوضح دوغ إيفرينغ محلل الاتصالات بمؤسسة الأبحاث والتنمية الأمريكية راند، أن انترنت الأجسام قد يتجسد في صورة حبوب ذكية يتناولها الانسان، وتبث بيانات من داخل جسمه، أو أسرة ذكية تتابع نبضات القلب، ومعدلات التنفس أثناء النوم، ويشير إلى أن فريقاً طبياً أعلن أخيرا تطوير مرحاض ذكي يحلل الفضلات البشرية للوصول إلى استنتاجات طبية عن صحة المستخدم على المدى الطويل.
تحذير من الخصوصية
ورغم المكتسبات التي يمكن أن تعود على البشرية من انترنت الأجسام مثل تحسين نوعية الحياة والتوصل إلى تقنيات تسبر أغوار الانسان، وقد تنقذ حياته يوماً ما، يؤكد خبراء مؤسسة راند أن أي أداة إلكترونية قابلة للقرصنة الإلكترونية حتى لو كانت داخل الجسم البشري، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات كثيرة عن بحماية الخصوصية والمخاطر الأمنية لهذه الأجهزة التي تعيش معنا، أو حتى داخلنا، على مدار اليوم.
وتقول ماري لي عالمة الرياضيات في مؤسسة راند، إن "العمل يجري على قدم وساق لتنظيم قواعد إنترنت الأجسام، ونريد تحديد أطر بعض الفوائد التي تعود علينا من وراء هذا التقنيات، فشعبيتها آخذة في التصاعد، ولابد من حسم القضايا السياسية فيها أولا، والتأكد من وضع الأمور في نصابها الصحيح".
رقائق في اليد
وتنتمي تمارا بانبري، طالبة الدكتوراة في مدينة أنتاريو الكندية، إلى مجموعة صغيرة من المبتكرين الذين يحاولون غزو الجسم البشري بالتكنولوجيا الحديثة، وغرست بانبري في يديها رقاقتين إلكترونيتين، تبدوان في صورة نتوء أزرق فاتح اللون تحت الجلد، حيث تخزن على الرقاقة في يدها اليسري كلمات المرور، وبيانات هويتها، أما رقاقة يدها اليمني، فتستخدمها لتشغيل مقاطع الفيديو على هاتفها المحمول، بالتلويح للجهاز عن بعد.
ويعكف الباحثون في مؤسسة راند على وضع تعريف واضح لمفهوم انترنت الأجسام، وتوصلوا في نهاية المطاف إلى رؤية فضفاضة لمساعدة صناع السياسات على فهم التحديات والفرص السانحة، وخلصوا إلى أن هذا المفهوم ينطبق على أي جهاز يجمع بيانات صحية أو بيومترية، ويبثها عبر الانترنت سواء بذاته أو من عبر جهاز آخر مثل الهاتف المحمول.
أجهزة قياس الوظائف الحيوية
ويندرج تحت هذا التعريف أجهزة قياس الوظائف الحيوية للرياضيين ووحدات تسجيل المؤشرات الصحية وببطاقات التعريف الإلكتروني للموظفين، ويتسع هذا التعريف ليشمل أيضاً جهاز البنكرياس الصناعي الذي يضبط نسب السكر في الدم، والرقائق الإلكترونية في المخ لتشغيل الأطراف الصناعية والدعامات الذكية التي تثبت داخل الأوردة لتلافي جلطات الدم، والوحدات الاصطناعية التي تزرع داخل الأذن لاستعادة حاسة السمع أو داخل العين لاستعادة النظر أو تحسين الرؤية بشكل عام.
ويرى الباحثون في راند أن تأثير هذه التقنيات على منظومة الرعاية الصحية سيكون بلاشك ثوريا، فالبنكرياس الصناعي والدعامات الذكية ستحافظ على حياة البشر بكل تأكيد، ولكن المكسب الحقيقي يتمثل في الكم الهائل من المعلومات والبيانات التي ستجمعها الأجهزة الذكية ويمكن توظيفها للتوصل إلى أفضل السبل للحفاظ على صحة الانسان بوسائل علاجية أفضل، وتحسين الخدمة الطبية في المستشفيات، وخفض تكلفة الرعاية الصحية.
الجانب السلبي للأجهزة الذكية
ولكن لهذه العملة وجه آخر يكشفه توني شميدت خبير الكمبيوتر بولاية تكساس الأمريكية. ويعاني شميدت من اضطرابات في التنفس تتطلب استخدام جهاز لمنع انسداد مجرى التنفس أثناء النوم، ودون هذا الجهاز، يستيقظ مئات المرات في الليل وهو يشعر بالاختناق.
ويقول شميدت إنه استيقظ ذات صباح على رسالة إلكترونية من الشركة المصنعة للجهاز تهنئه على قضاء أول ليلة له من النوم الهادئ.
ويقول شميدت: "أدركت أن الجهاز ينقل بياناتي إلى الشركة المصنعة"، مضيفاً أنه سارع لشراء جهاز جديد وفصله عن الانترنت.
ويستطرد "لم أوقع أي وثيقة تسمح بنقل معلوماتي الصحية إلى أي شخص باستثناء طبيبي، وشعرت بانزعاج بالغ من نقل بياناتي إلى أشخاص لا أعرفهم".
وتمثل هذه الانتهاكات للخصوصية مصدر خطورة بالغ من الأجهزة الطبية الذكية، خاصةً بعد أن أظهر باحثون أنه يمكن على سبيل المثال التسلل إليكترونيا إلى جهاز حقن الإنسولين لشخص ما وإعطائه جرعة غير صحيحة، قد تنهي حياته.
وكان نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني يشعر بالقلق من احتمال التسلل عبر الانترنت للعبث بجهاز ضبط نبضات قلبه، لدرجة أنه فصل الخاصية اللاسلكية للجهاز الذي يستخدمه.
وضع قواعد لحماية الخصوصية
وخلص الباحثون إلى ضرورة وضع قواعد لضمان حماية خصوصية مستخدمي هذه الأجهزة الإلكترونية، مع ضرورة ابتكار برامج لقياس درجة الحماية التي توفرها هذه الأجهزة من القرصنة الإلكترونية، وتأكيد أهمية عمل الشركات المصنعة على سد الثغرات الأمنية في هذه الأجهزة التي ربما تكون داخل الجسم البشري بالفعل.
وتؤكد عالمة الرياضيات ماري لي أن لانترنت الأجسام فوائد طبية حقيقية، ولكن لابد من مجابهة المخاطر الأمنية أولاً حتى نحقق هذه الاستفادة بالفعل"