وكالات - الاقتصادي - بيانات يوم الجمعة الموافق 8 يناير/ كانون الثاني 2021، صدمت المتابعين لأسواق العملات الافتراضية، بسبب قفزات خيالية في سعر العملة الأكثر شيوعاً والأكثر تداولاً، حيث تجاوز سعر عملة بيتكوين سقف الـ 40 ألف دولار، وبلغ 41 ألف دولار بنهاية اليوم نفسه. والمثير للجدل توقعات بعض المجموعات الأميركية حول مستقبل هذه العملة، حيث ذهبت التقديرات في الأجل الطويل إلى أن يصل سعر البيتكوين إلى 146 ألف دولار، وبلا شك في أن مثل هذه التوقعات تصنع حالة من الإصرار لدى الموجودين في هذه السوق، بل تجذب عملاء جدداً.
ولكن السؤال هو: ما العوامل التي ساقت هذه المجموعة المالية إلى هذا التقدير؟ وما مبرر هذه المضاربات الجنونية، على عملة البيتكوين؟
سيناريوهات غامضة
لا تزال تسمية العملات الافتراضية، في إطار المجاز، إذا ما أردنا أن نطبق عليها قواعد تعريف العملة في علم الاقتصاد.
فهذه العملات ما زالت لا تتسم بكونها وسيلة للتبادل، فعالم التبادل من خلالها فئة محدودة، وبخاصة أصحاب الثقافات الإلكترونية العالية، أو أصحاب القدرات المالية المرتفعة، كذلك فإنها لا تعد مقياس للثروة بالمعنى الدقيق، لكون كثير من المجتمعات ما زالت تجهلها، كذلك من الصعب أن تكون العملات الافتراضية مخزناً للثروة، فهي شديدة التقلبات.
فمثلاً، بعد أن كانت عملة البيتكوين أقل من 400 دولار، صعدت إلى حدود 19 ألف دولار، ثم تراجعت مع الأزمات المالية إلى نحو 3.5 آلاف دولار، ثم بحلول أزمة كورونا اتجهت المضاربات عليها بشكل كبير، وكانت نهاية عام 2020 وأوائل عام 2021 مرحلة جديدة لارتفاع جنوني، حتى وصلت كما ذكرنا عاليه إلى تجاوز سقف الـ 40 ألف دولار.
إن قبول بعض الدول بالعملات الافتراضية، ومن بينها البيتكوين، جاء بناءً على أساس سيطرة البنوك المركزية على تعامل هذه العملات بأسواقها، حتى لا تسبب أزمات كبيرة لاقتصاديات هذه الدول. فعلى الرغم من أن بعض الدول رحبت بإصدار عملات افتراضية خاصة بها، مثل الصين، فإن الدافع هنا لم يكن أكثر من البحث عن مخرج من احتكار الدولار كعملة دولية للتسويات المالية والتجارية، وما تسببه السياسات النقدية والمالية الأميركية من أضرار للدول الأخرى.
إن العالم يعيش أزمة مزدوجة لجائحة كورونا وانهيار أسعار النفط، كذلك إن ما حدث في أميركا أصاب الدولار الأميركي بالضعف، ولا يعلم مستقبلها من حيث قوتها في الأسواق الدولية، ولذلك قد تكون هذه العوامل قد ساعدت على رفع سعر البيتكوين في سوق المضاربة عليها.
جنون المضاربة
لا تزال سوق العملات الافتراضية تخضع لمساحات كبيرة من الضبابية، ومن الصعب الوصول إلى أسباب بعينها للوقوف على سرّ التعاملات عليها، إلا أن ملمح المضاربة هو الأكثر قبولاً، وبخاصة أنه لا يوجد وراء هذه العملة اقتصاد قائم على الإنتاج والخدمات، ووجود أشياء ملموسة، وإن كانت بعض الأسواق تقبل البيتكوين وغيرها من العملات الافتراضية كمقابل مادي.
وفي ضوء حالة التراجع والضبابية للاقتصاد العالمي، في ظل الأزمة المزدوجة لفيروس كورونا وانهيار أسواق النفط، وكذلك حالة التذبذب في السوق العالمي للذهب، قد يذهب البعض إلى سوق العملات الافتراضية، بحثاً عن مساحة للربح السريع. وهنا لا تغيب عنا حركة غسل الأموال، التي تجد في سوق العملات الافتراضية، ملاذاً آمناً، لحركة أموالهم والبحث عن غطاء شرعي لنشاطهم، وبخاصة أن الاقتصاديات التي اعترفت بالعملات الافتراضية، ما زالت محدودة، وهناك العديد من الاقتصاديات ما زالت تجرمها وتتحسب لتأثيرها في أمنها الاقتصادي القومي من وقع هذه العملات.
والفارق الكبير خلال أيام قليلة، في سعر عملة البيتكوين، ليصل إلى الضعف، يضع الكثير من علامات الاستفهام، هل جرى التضييق على عمليات التعدين التي تعتبر الأصل في وجود هذه العملات؟ هل وُضعَت قيود تكنولوجيا عبر الخوارزميات التي تصدر هذه العملات بها، فأشيع أن العملات ستكون محدودة، وبالتالي سيرتفع سعرها.
أدت الزيادات المتتالية في سعر عملة البيتكوين خلال الأيام إلى حالة من الاستغراب الشديد، وغياب المنطق الاقتصادي، حتى فاقت معدلات المضاربة الموجودة في أسواق الأسهم والسندات، أو بورصات النقد، أو بورصات السلع، فالبيتكوين قفز سعرها بنسبة نحو 29% خلال الأيام الأولى فقط من عام 2021، بينما قفز سعرها خلال عام 2020 بنسبة 380%.
وهو ما يؤكد أن المضاربة على البيتكوين وصلت إلى حد الجنون، فمعظم الأنشطة الاقتصادية على مستوى العالم أصيبت في مقتل بسبب كورونا وانهيار أسعار النفط، فما هي السوق أو الاقتصاد الذي تنشط فيه البتكوين وأخواتها حتى ترتفع بهذا الشكل؟
صناعة الوهم
لا شك في أن دور بيوت الخبرة في أي نشاط، معتبر، ويحقق أهدافه من خلال حصول المستفيدين على الخدمات التي تقدمها بيوت الخبرة، سواء في مجالات التسويق أو الإنتاج، أو البورصات، أو دراسات الجدوى، أو غيرها.
ولكن ما دور بيوت الخبرة في مثل سوق العملات الافتراضية؟ هل سيكون للعملات الافتراضية أدوار كبيرة خلال الفترة القادمة، في ظل انتظار واقع نظام عالمي جديد؟ ولكن ما المؤشرات التي دفعت إلى سوق المضاربة على البيتكوين، لتتضاعف أسعارها في أيام معدودة؟ هل ستقبل المؤسسات المالية بالعملات الافتراضية كجزء من الاحتياطيات الدولية في بنوكها المركزية؟
هذه احتمالات بعيدة في ظل الوضع الحالي، وحتى إذا افترضنا صحتها، فمن غير المقبول أن يرتفع سعرها بهذه الصورة، بل كان سيساعد على إزالة العديد من صورة الغموض في إصدارها وحجمها وقيمتها على وجه التحديد، وبخاصة لدى البنوك المركزية، وستسعى الدول إلى إتاحة المزيد من المعلومات والشفافية تجاه هذه العملات. وسنجد من يدعون الخبرة في تلك الأسواق، يقدّمون ما يعرف بالتحليل الفني، لكي يقدموا لنا مجموعة من المنحنيات، تقول إنه عند كسر حاجز كذا سيقفز أو ينخفض سعر تلك العملات الافتراضية بكذا، وبلا شك، الكثير من المضاربين في تلك الأسواق يتابعون هذه التحليلات، وعلى أساسها يدفعون بأموالهم نحو هذه الأسواق.
الأمر جد خطير
كثير من الأمور غير المرغوبة دخلت حياتنا الاقتصادية والاجتماعية، وأصبحت جزءاً منها، إلا أن القوانين نظمت التعامل معها، مثل المضاربات في أسواق الأسهم والسندات، فبعد أن أصبحت المضاربات في سوق الأسهم والسندات هي الأصل، أمكن وضع بعض الضوابط، على حركة ارتفاع وانخفاض قيمة الأسهم، أو إيقاف حركة السوق عند حد معين لانهيار الأسعار.