: أ. أكرم فارس أبو جامع
ظهر هذا النموذج بعد ما شهدته اقتصاديات شرق آسيا من نمو اقتصادي للدرجة التي اعتبرها البعض اقتصاديات معجزة بعد أن أخذت العبر والدروس والمفاهيم التنموية اليابانية كأهم دافع ومحرك وملهم للتنمية الاقتصادي دون التركيز والاعتماد كثيرا على النظريات الاقتصادية وآراء المفكرين التقليديين، تعود فكرة الإوز الطائر إلى ثلاثينات القرن الماضي على يد الاقتصادي الياباني "كانامي أكاماتسو" حيث يقول "أن التنمية الاقتصادية في آسيا يمكن أن تتبع تشكيل نموذج سرب الإوز الطائر (The Flying Gease Model)، اليابان في المقدمة يتبعها الدول الأخرى ذات الشأن وفقا للمستوى التكنولوجي والاقتصادي، وقد انتشرت الفكرة ولاقت رواجا فترة الثمانينات على يد سابوروا كيتا، حتى تم صياغة هذا النموذج باعتباره نموذجا تاريخيا لمراحل التطور الاقتصادي للبلدان النامية ما ساهم في انتشار الفكرة.
فسرب الإوز الطائر يعتبر من الأمثلة التي يأخذ بها في توضيح المفهوم الشامل للقيادة حيث أن مسؤولية توجيه السرب والذي تشكيلته على شكل الحرف الانجليزي "V" تكون على عاتق الإوزة الأولى القائدة للسرب فهي تطيرا على ارتفاع أعلى من مثيلاتها من الإوز كما أن كل جناح لها يخفف عبئ اختراق الهواء على السرب الذي يليه من الإوز وبالتالي يلتحموا جميعا في شاكلة سهم يخترف المجال الجوي، لقد تحدث "أكاماتسو" في نموذجه عن ثلاث مرتكزات مهمة تحدد طبيعة المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلد النامي تركيبة الاستيراد ومستوى تطور القوى الانتاجية وتركيبات المنتج المحلي ومدى ديناميكية الصادرات.
لقد جاء هذا النموذج كأحد أوجه التخصصية مرتكزا على التكامل الاقتصادي بين الدول ذات الشأن على أن تكون البداية من الانتاج الخفيف إلى الانتاج الثقيل تحت عنوان الاقتصاد مدفوع الطلب, فكانت بداية اليابان الاقتصادية بعد الحرب المدمرة عليها مع الصناعات النسيجية لتنتقل بعدها فترة الخمسينات إلى الكيماويات ثم الحديد والصلب فالسيارات وحاليا الالكترونيات ..
إن الناظر إلى الواقع الاقتصادي الفلسطيني والخطط التنموية المقرة والتي تصطدم في حالة التشرذم والانقسام وما يعانيه هذا الاقتصاد من إجراءات وممارسات في ظل سياسة الحصار الإسرائيلية ذات الأبعاد الخطيرة انعكس على جميع متطلبات التنمية الاقتصادية في فلسطين وأدى إلى تراجع القاعدة الانتاجية بشكل كبير خاصة بعد الحرب الأخيرة على غزة، وبالتالي يجب العمل على استخلاص العبر وأن تكون هناك آليات وبرامج تستنهض الاقتصاد بجميع مكوناته تحت مظلة التنمية التحررية لا أن تكون الظروف الحالية مداعاة لليأس والسقوط لقد تعددت السياسات والخطط الحكومية ولكن هل من الممكن لصناع القرار في فلسطين اعتماد نموذج الإوز الطائر ولكن بشكله المصغر؟ فبدلا من أن نتحدث عن دول نتحدث عن منشآت صناعية وانتاجية على المستوى المحلي الضيق. وقد يكون ذلك بداية موفقة للخروج من عنق الزجاجة ودعم الانتاج والمنتجين بجميع تصنيفاتهم.
فمثلا تأخذ مبادرة الإوزة القائدة المنشآت الكبيرة كشركات الألبان وصناعة الكيماويات والمواد الغذائية والالكترونيات أو حتى المنشآت الخدمية لتوزع مدخلات ومتطلبات انتاجها النهائي على منشآت صغيرة أخرى تكون داعمة في عملية الانتاج على أن يتولى عملية الربط العنقودي والمتابعة بين هذه المنشآت مجلس اقتصادي فلسطيني ضمن خطة استراتيجية يتم وضعها بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية ذات الشأن والقطاع الخاص، إن هذا النموذج قد يكون رافعة في التخصصية الانتاجية وتعزيز دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة والتي تشكل نسبتها في الأراضي الفلسطينية حوالي 95% من المشاريع القائمة والنتيجة وخلق بيئة حاضنة لها بما يعزز ثقافة الريادة والإبداع وتطوير الأدوات التمويلية للنهوض بها ما قد يساهم بشكل كبير في امتصاص البطالة وخفض نسبة الفقر ودعم المنتج المحلي وتعزيز صمود المواطن الفلسطيني على أرضه في مواجهة الاحتلال وبالتالي قدرة الاقتصاد الفلسطيني لا نقول على المواجهة بل على تخفيف سطوة الاقتصاد الإسرائيلي وتحجيم توغله في الحياة الاقتصادية الفلسطينية.
بقلم: أ. أكرم فارس أبو جامع – باحث في الشؤون الاقتصادية