رام الله- الاقتصادي-عبد الغني سلامة- إمعانا منها في سياسة الاستيطان، تقدم الحكومات الإسرائيلية مزايا ضرائبية وحوافز مالية لتشجيع منتجات المستوطنات، ولهذا الغرض صادرت إسرائيل آلاف الدونمات في مناطق مختلفة من الضفة لإقامة مناطق صناعية عليها، بلغ عددها سبع مناطق. تضم نحو 250 مصنعا في شتّى المجالات، إضافة إلى 3000 منشأة أخرى، من مزارع وشركات ومحلات تجارية متنوعة. ولكن ما الذي تقدمه السلطة الوطنية في المقابل لمكافحة منتجات المستوطنات؟ وهل السطة جادة فعلا في محاربتها؟
محاولات وعراقيل
يقول إبراهيم القاضي مدير عام حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني "هناك جملة من الصعوبات والعراقيل، التي تقف أمام محاولات السلطة لمكافحة منتجات المستوطنات أهمها ضعف الإمكانات، وقلة عدد المفتشين مقابل عدد كبير جدا ومعقد من الملفات التي نحتاج إلى فتحها والتركيز عليها بدءا من الأغذية إلى بقية المنتجات والقطاعات والخدمات المختلفة التي تهم المستهلك"، ومع ذلك يشير القاضي إلى أن السلطة حققت إنجازات مهمة في مجال مكافحة منتجات المستوطنات.
وعن مدى خطورة منتجات المستوطنات على البيئة والاقتصاد الفلسطيني، قال "القاضي": "من ناحية بيئية معظم تلك المصانع تلحق ضررا بالغا في البيئة والصحة العامة، لأنها لا تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع التلوث، ولا تخضع منتجاتها لأي نوع من الرقابة على شروط الإنتاج. أما عن تأثيراتها السلبية على الاقتصاد الفلسطيني فهي تمثل تهديدا حقيقيا على مستقبل الصناعات الفلسطينية؛ ووفقا لتقديرات الوزارة، فإن اقتصاد المستوطنات يربح سنويا نحو 200 مليون دولار فقط من السوق الفلسطينية، فضلا عن مئات الملايين الأخرى المتأتية من الأسواق الخارجية. وبسبب المنافسة غير العادلة بينها وبين المنتجات الوطنية أخذت منتجات المستوطنات تحتل حيزا كبيرا في سلة المستهلك على حساب المنتج الوطني، ومع هذا الإغراق السلعي ضعفت القدرة التنافسية للمصانع والمنشآت الوطنية، وفي النتيجية بعضها أغلق، أو أضطر لتقليص إنتاجه إلى الحد الأدنى".
وعن إجراءات السلطة لمواجهة هذا الخطر، أضاف "القاضي": "قامت السلطة الوطنية بحملات إعلامية عديدة ضد الإستيطان، إلا أن إجراءات مكافحة منتجات المستوطنات ظلت ضعيفة، ودون رؤية واضحة أو قرارات معلنة، واستمر هذا الوضع حتى بداية العام 2010 أي حين اتخذت السلطة قرارا بتنظيف السوق الفلسطيني من منتجات المستوطنات، وللتأكيد على هذا التوجه أصدر الرئيس محمود عباس في نيسان من نفس العام مرسوم "قانون مكافحة منتجات المستوطنات"، والذي بموجبه تم حظر تداول خدمات ومنتجات المستوطنات، تحت طائلة المساءلة القانونية"، مشيرا إلى وجود قوانين وقرارات وزارية أخرى تناولت موضوع مكافحة منتجات المستوطنات، منها قانون حماية المستهلك، ولائحته التنفيذية. وهذه القوانين عرّفت كل من المستوطنات والبضائع والخدمات التي تقدمها، وحددت عقوبات صارمة للمخالفين؛ منها مثلا: يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات ولا تقل عن خمس سنوات وغرامة مالية لا تقل عن 1000 دينار لكل من استورد أو باع أو روج منتج مستوطنة. والسجن مدة لا تزيد عن سنة ولاتقل ستة أشهر و غرامة لا تقل عن 2000 دينار لكل من نقل منتج مستوطنة أو تستر عليه.
محاولات جادة ..ولكن!
وعن كيفية ترجمة توجهات السلطة لمكافحة منتجات المستوطنات ذكر المهندس "عمر كبها" الذي شغل منصب مدير صندوق الكرامة، وتولى مسؤولية هذا الملف أنه ومن أجل تنفيذ هذا القرار (التاريخي)، أنشأت الحكومة ما عُرف حينها بـ"صندوق الكرامة الوطنية والتمكين"، لغايات تمويل الحملات الإرشادية والإعلامية والتفتيشية وغيرها من مقتضيات تحقيق هذا الهدف. وخصصت كادراً إداريا وعدداً من المفتشين، بالإضافة لمئات المتطوعين الشبّان. وأكد "كبها" أن التوجه حينها كان جديا، وقد أخذ منحى تصاعديا، مضيفا: "كنا نقوم بحملات رقابة يومية، وصادرنا كميات كبيرة، فتقلصت منتجات المستوطنات بشكل كبير، وامتدت حملات المقاطعة إلى أوروبا والعالم على المستوين الشعبي والرسمي. لدرجة أن الإعلام الإسرائيلي شنّ حملة إعلامية شرسة ضد السلطة، كما هددت الحكومة الإسرائيلية بفرض عقوبات على الشعب الفلسطيني".
وإذا سلمنا بأن هذا التوجه هو تعبير عن مدى صلابة الموقف الفلسطيني تجاه ملف الاستيطان، وأن هذه الحملات أتت بنتائج إيجابية، وحققت إنجازات مهمة، وأضرت باقتصاد المستوطنات، بل وبسمعة إسرائيل نفسها؛ إلا أن هذه الحملات أخذت بالخفوت التدريجي، حتى أصابها ما يشبه الشلل. فقد حلّت السلطة صندوق الكرامة بعد سنة، ثم توقفت الحملات الإعلامية والإرشادية، وبدأنا نشهد عودة تدريجية لمنتجات المستوطنات في الأسواق المحلية؛ فبعد أن بلغت قيمة الكميات المصادرة نحو35 مليون شيقل عام 2010، فإنها تراجعت إلى 780 ألف شيقل فقط خلال هذا العام 2015. (حسب بيانات الوزارة) الأمر الذي يثير الشكوك في مدى جدية السلطة في مكافحة منتجات المستوطنات، والقول إن ما حصل كان مجرد حملات إعلامية (بروبوغندا).
لا بناء مؤسسي لمراكمة الإنجازات
مدير جمعية حماية المستهلك "صلاح هنية" فسّر هذا التراجع بأنه استمرار لحالة الارتجال التي حكمت النضال الفلسطيني طوال العقود الماضية، التي ترهن القضايا الوطنية بالأشخاص، دون أن يكون هناك أي بناء مؤسسي يعمل على مراكمة الإنجاز، وتقييم التجارب، والاستفادة من الأخطاء. أما المحلل السياسي "خليل شاهين" فقد أوعز هذا التراجع إلى ضعف الموقف السياسي الذي انطلق أساسا معتمدا فقط على انسجام الموقف الفلسطيني مع قرارات الشرعية الدولية، التي تنظر للكتل الاستيطانية على أنها غير شرعية، وبالتالي فإن كل ما ينتج عنها غير شرعي. مضيفا أنه كان الأجدى أن يكون الموقف الفلسطيني أكثر صلابة وجذرية، بحيث ينطلق من كون الاحتلال بحد ذاته غير شرعي، وبالتالي يكون الخطاب السياسي موجها ضد الاحتلال، وضد الحكومة الإسرائيلية التي هي الراعي الأول للاستيطان.
وأشار "كبها" إلى أن السفارات الفلسطينية في الخارج لم تقم بالدور الكافي للتجاوب مع الحملات العالمية المناهضة لمنتجات المستوطنات، ولم يكن بينها وبين وزارة الاقتصاد أي تنسيق في هذا المجال. ولم تستفد الفصائل الوطنية من حالة الوعي الشعبي، ومن مئات المتطوعين الشبان، بحيث تبني على هذه الحالة المزيد من الإنجازات.