المحامي طارق طوقان
تبشرنا بيانات وتقارير منظمة الصحة العالمية من حين لاخر بانحسار موجة الاصابات عالميا نتيجة تبني إجراءات الغلاق والتباعد على صعيد العديد من الدول، وتنذرنا هذه التقارير في الوقت نفسه بأن هناك تخوفا من تجدد هجمات الفايروس في حال تم رفع الاغلاقات بشكل فوري، فلسطينيا، ليس سرا انه وبعد ستة اسابيع من اعلان الطوارئ في المحافظات الفلسطينية وبعد اربعة اسابيع من فرض الاغلاق شبه التام ان هذه الإجراءات قد نجحت والحمد لله من منع تفشي الفايروس ولكن تركت شللا يسود في كافة مرافق هذه المحافظات، وفي احسن الحالات ان لم يكن شللا فان العديد من مناحي الاقتصاد الفلسطيني تعاني حالة من الخدر الذي يعتري مفاصلها، وبدات هذه الحالة بالتأثير على العديد من القطاعات الاقتصادية وعلى النواحي المجتمعية وعلى العديد من الاسر الفلسطينية، وهناك خشية حاليا من الضرر الذي الحقته وستلحقه تدابير مكافحة الفايروس على الوضع المعيشي وعلى الامن الاقتصادي والمجتمعي خلال فترة قريبة. وبشكل عام لا يستطيع المرء ان يمنع نفسه من مقارنة هذه الحالة بحالة المريض الذي تعرض الى جلطة دماغية ونجا منها لكن خرج بحالة شلل اصابت بعض اطرافه وحواسه.
على ما سبق من توصيفات طبية للحالة التي تمر بها المجتمعات البشرية والاقتصاد الفلسطيني، اعتقد بان الحل الامثل امام صناع القرار يتمثل باعتبار ان الجسد الفلسطيني كمجتمع قد تعرض الى جلطة دماغية وانه قد نجا منها ولكن بحاجة الى اعادة تأهيل والى الدخول في دورات علاج طبيعي تهدف الى علاج الألم والاصابة، من خلال فكّ العضلات المتقلّصة، وتنشيط الدورة الدمويّة، وتحسين وضع العمود الفقريّ ليزيد من مرونته، بغرض إعادة حركة الاقتصاد والمجتمع قدر المستطاع لتصبح كما كانت قبل الإصابة. ولا يعني ذلك التهاون في استكمال العلاج الطبي الذي بداته السلطات او عدم استكمال ووضع الخطط الصحية وبناء مرافق الطوارئ في حال تجدد الاصابات لا سمح الله، انما تأتي تدابير العلاج الطبيعي للاقتصاد كحل لبدء عملية التعافي وتعمل على تطوير القدرات الوظيفية للقطاعات الاقتصادية والحفاظ عليها في جميع السيناريوهات التي قد تمر بها، وقد يثمر ما سبق باعتباره حلا لعلاج الأعراض والآلام التي صحبت الانتشار الوبائي لهذا الفايروس بطريقة طبيعيّة ودون أي تدخل جراحيّ أو دوائيّ، ليصبح الجسد الفلسطيني بذلك نقيّاً من السموم الكيماويّة التي تؤذي أجهزته.
قانونيا، وفي ظل تعطل القضاء في القضايا الحقوقية والادارية، يستوجب تبني حل العلاج الطبيعي المذكور اعلاه، ومن النواحي التنظيمية والتشريعية والقانونية ان تكون هناك العديد من التعليمات والقرارات (والتشريعات ان لزم) التي تتميز بالمرونة وتهدف الى اعادة تأهيل المجتمع واعادة تنظيم علاقاته بشكل سليم وتهدف الى تحقيق التوازن المطلوب بين كافة قطاعاته ومكوناته، فعلى صعيد قانون العمل يمكن للحكومة اصدار سلسلة من القرارات والتعليمات المستندة الى حالة الطوارئ بغرض توضيح علاقات العمل وتوزيع الأعباء والخسائر بشكل متوازن بين اطراف العملية الإنتاجية؛ اصحاب العمل والعمال والدولة، وان لا تترك الامر لاي تفسيرات مزاجية او انفعالية من اي طرف من هذه الاطراف.
اما على صعيد الاعمال والشركات الصغيرة فهناك حاجة الى تبني رزمة تشريعات وقرارات تنظيمية محفزة لهذا القطاع، من حوافز ضريبية او تأخير جباية او اعادة جدولة لهذه الجباية، وقد يحتاج الامر الى تعديل التشريعات القائمة حاليا من خلال السماح بترخيص الاعمال من البيوت ومنحها صفة رسمية وقانونية مما يسمح بفتح فرص عمل امام العديد من الأشخاص الذين تعطلوا نتيجة حالة الاغلاق وفي نفس الوقت يفتح فرصة لمورد دخل للهيئات المحلية من خلال رسوم تشجيعية لهذا القطاع.
اما على صعيد الالتزامات المالية والتعاقدية فان حل العلاج الطبيعي او اعادة التأهيل يقتضي اصدار القرارات التي تعطي مرونة في معالجة التعثرات التي سوف تحدث، لا ان نعطي صكوك غفران ومسامحة لاي التزامات تعاقدية، بل نحتاج الى وضع ظوابط تنظيمية مستندة الى معايير واضحة يمكن مراجعتها من حين الى اخر ومع وجود تدرج في معاملة هذه التعثرات وامكانية للطعونات امام لجان ادارية وتنظيمية.
لا شك بان هناك ايضا العديد من القضايا المجتمعية والاقتصادية غير الحالات الثلاث التي أوردناها أعلاه والتي يمكن تطبيق حلول العلاج الطبيعي واعادة التأهيل عليها وليس مكانها هذا المقال. لكن ليس من العدل ولا من المنطق ترك الأمور على ما هي عليه الان وان يبقى الحل الوحيد الذي يتم تداوله هو حل التبرعات أو حل الصدقات. فعماد المجتمع هو الاقتصاد والانسان، ولا يجوز أن تأتي أي حلول على حساب الانسان وصحته أو على حساب الاقتصاد وصحته، انما المطلوب حلول ابداعية تهدف إلى تحقيق التوازن بين المصلحتين وبين الصحتين.
وكان الله في عوننا ما دمنا جميعنا في عون بعض.