ثائر العيسه
هذا المبلغ هو مبلغ معروف لدى أغلب الشباب الرياديين خاصة من أولئك الأشخاص المتابعين للمسابقات الخاصة بدعم الشركات الناشئة وتحديدا تلك التي تدعم الأفكار الإبداعية في فلسطين، وقبل الإجابة عن هذا السؤال أود أن اوضح للقارئ ما هي القصة خلف هذا المبلغ.
من المعروف بأنّ هنالك الكثير من الأشخاص الذين يتمنون ظهور مارك زوكربيرغ جديد يخرج من دولة فلسطين، وهذا الأمر ليس مقتصرا فقط على الأشخاص بل إن هذا الأمل موجود لدى العديد من الشركات الناشئة خاصة في مجال ريادة الاعمال، الأمر الذي يدفع الكثير من المؤسسات الداعمة الموجودة في فلسطين بما في ذلك الشركات غير الربحية للعمل من أجل توفير فرص العمل للشباب، وكذلك العمل على رفع مستوى الأيدي العاملة.
وهذا ما يفسر وجود قاسم مشترك وكذلك مصلحة مشتركة بين كلٍ من الرياديين والمؤسسات غير الربحية وهي تلك المؤسسات التي تسعى الى دعم الشباب الريادي، ولكن هذا الموضوع ليس بهذه البساطة.
إذ أنّ ما ينقص كلٍ منهما هو وجود المال الذي يعتبر المحرك الأساسي لكل الأمور، وهنا تأتي الحلقة الثالثة وهي المؤسسات الدولية الداعمة بالمال، هذه المؤسسات تبحث دومًا عن الأشخاص الذين بإمكانهم تقديم الخدمات الجديدة والغير مألوفة ومن ثم العمل على تزويد هذه الخدمة بفرص التدريب وكذلك الإشراف على الأفكار الريادية.
وذلك يكون من خلال طرح المسابقات التي تحتوي على مجموعة من المشاريع المتقدمة من أجل المنافسة على الحصول على الدعم المادي المطلوب.
تطرح المؤسسات الدولية عطاء لدعم عدة شركات ناشئة ضمن مواصفات معينة، وهنا يتقدم للمنافسة أغلب المؤسسات غير الربحية، وفيما بعد وتحديدًا عند انتصار إحدى هذه المؤسسات تبدأ عملية البحث عن المشاريع الريادية في السوق المحلي، ويبدأ الإعلان عن مواصفات هذه الشركات وتحديد الحوافز المقدمة.
وبعد ذلك تبحث المؤسسات عن الأشخاص وكذلك الشركات التي يمكن أن تقدم مجموعة من الخدمات التدريبية والاستشارية أو حتى التحكيمية لتكتمل أطراف المشروع.
ومن هنا تنطلق مجموعة من الدورات التدريبية و كذلك الورشات العملية و النظرية، الأمر الذي يستدعي عملية مهمة ألا وهي صرف المال الممنهج والذي هدفه الصرف في الدرجة الأولى لتقديم تقارير تثبت صحة التنفيذ للمؤسسات الدولية.
وفي نقاش طويل بين الداعم والمنفذ بناء على نوعية الشركات المتقدمة إلى تلك البرامج، والتي تكون في أغلبها لا ترقى الى المستوى المطلوب كشركات ناشئة تستحق الدعم إما لعدم كفاءة الفريق أو بسبب عدم جدوى الفكرة، و حتى برامج التوعية و التدريب تكون نظرية ولا تقوم على خبرة عملية.
وفي أغلب الأحيان تكون المشاريع المتقدمة هي عبارة عن أفكار لشركات صغيرة تسعى إلى إيجاد فرص عمل أو حتى زيادة الانتاج.
ومن الجدير بالذكر أنّ واحدة من أهم شروط هذه البرامج أن تقوم المؤسسة المنفذة بإنهاء خطوات وفعاليات البرنامج حتى لو كانت أغلب هذه الأفكار هي أفكار غير ريادية.
وعليه يتم استكمال مراحل التحكيم و التقييم لهذه المبادرات، وهنا يتم اقتراح مبلغ عشرة آلاف دولار كمبلغ داعم لهذه المبادرات ويعطى المبلغ لعدد ما بين ستة وحتى اثنتي عشر مبادرة، مع العلم أن جزء من هذا المبلغ يذهب لتنفيذ المصاريف التسويقية وكذلك من أجل تطوير البرامج بالإضافة إلى شراء المعدات.
ولتوضيح الفرق بين الشركة الناشئة والشركة الصغيرة فإنّ الأولى تُعرّف على أنها عبارة عن فكرة تسعى لإيجاد نموذج عمل متكرر يمكن أن يتوسع بشكل سريع، أما بالنسبة للشركة الصغيرة فهي عبارة عن مشروع ذو نموذج عمل واضح ومجرب من قبل الآخرين يهدف أصحابه إلى التوسّع وذلك ضمن منطق الزيادة الطبيعية.
وفي عودة الى سؤال هذه المقالة وعند النظر الى المبلغ المدفوع سوف تعلم بأن نسبة 10% من المبلغ سوف تذهب لتسجيل الشركة وفي أغلب الأحيان يتم توجيه الرياديين الى تطوير الخطة التسويقية من اسم و شعار و غيره من الأمور ما سيكلف الشركة نسبة 20% أخرى من المبلغ المستلم، والمتبقي لا يخدم تطوير شركة ناشئة حيث أن تطوير برنامج كمبيوتر "مبدئي يقدم خدمات اساسية" يعمل على تتبع خدمة التوصيل في فلسطين سوف يكلف حوالي عشرة الاف دولار "وهذا من نوعية minimum )i viable product (MVP" و لا نتحدث عن تطوير برنامج حقيقي يستطيع تقديم خدمة متكاملة، إذ أن هذه المبالغ لا تلبي الاحتياجات المطلوبة للشركات الناشئة، واعتقد بأن مثل هذه البرامج يجب أن تتوقف أو أن تتطور، حيث انه يتم صرف الكثير من المبالغ في فلسطين على منفذي البرامج والمنتفعين من مقدمي خدمات التدريب و كتابة الخطط دون جدوى حقيقية لهذا القطاع الذي يعول عليه الاقتصاد
الفلسطيني كثيرا.
هذه المشاريع الداعمة والتي تستهدف صغار الرياديين لا تلبي الطلب المتزايد لإيجاد شركات ناشئة حقيقية والتي تدعم الاقتصاد الفلسطيني، نحن نحتاج إلى برامج مسرعات واحتضان بمبلغ لا يقل عن $40000 والذي يمكن ان يعطي دفعة حقيقية لمشروع ريادي الى الانتقال الى المرحلة التالية، وهي الوصول الى قاعدة مشتركين حقيقيين.
المشكلة التي ستواجهنا هي هل تستطيع هذه المؤسسات المنفذة اختيار الشركات و المجموعات الحقيقية التي تحتاج إلى هذا المبلغ وهل يمكن ان تستمر هذه الشركات بعد الدعم او على الاقل هل يمكن ان تصل الى نسبة 50% استمرار بعد الاستثمار” اي ان تبقى 50% من الشركات التي تم دعمها تعمل بعد السنة الثالثة!".
ان الجواب على هذا السؤال سوف يضعنا في مواجهة مباشرة مع أغلب هذه المؤسسات، لكن دعنا نركز على خطوات عملية و ان لا ندخل في صراعات، وأن أطرح بعض الحلول المطروحة لتطوير هذه البرامج:
1. في حال عدم اجتياز الشركات المشاركة لتقييم الحكام في أية مسابقة فإنه من الأفضل إلغاء المسابقة وإعادة المبالغ الى المؤسسة الداعمة، والبحث عن شركات أخرى، إّ أنني أرى أنه من غير المجدي أن تربح شركة مبلغ عشرة آلاف دولار وهي لا تستحق هذا المبلغ، إذ أنه من ضمن آليات العمل المتبعة الان يتم اختيار أفضل الموجود! وهذا بحد ذاته مشكلة.
2. تنويع التحكيم واستقطاب حكام من خارج فلسطين، ولعل السبب في ذلك يعود إلى وجود الكثير من الانتقادات حول التحكيم ونوعيته وفي بعض الأحيان وجود علاقة بين الحكام والشركات المتقدمة للمسابقة، ما أثار الكثير من الجدل حول نزاهة القرارات.
3. تركيز الدعم على تطوير الأفكار والمنتجات وليس التدريب او تسليم خطط تسويق تقليدية لن يستفيد منها الريادي. ولتوضيح هذه النقطة، اغلب الدعم القادم يتم توجيهه الى التسويق والاستشارات وفي أغلب الحالات فإنّ الدعم يجب أن يتركز في نواحي أخرى مثل التصنيع أو المصاريف الإدارية الأخرى.
4. إنشاء برامج دعم للشركات الصغيرة والتي تختلف عن برامج دعم الشركات الناشئة (وذلك لتقليل مثل هذه الشركات التي تتقدم الى مسابقات الريادة).
إذا نظرنا إلى تجارب أخرى سوف نجد بأن التجربة التشيلية من أنجح التجارب والتي تشابه الحالة الفلسطينية من حيث:
1. ضعف مستوى الافكار الريادية. 2. قلة عدد المؤسسات الداعمة لهذا القطاع. 3. الفساد المتفشي في المنظومة.
قبل عشرة سنوات قامت الحكومة بإنشاء برنامج مسرع وداعم للشركات الناشئة start-up Chileii وهذه شروطه ومميزاته:
1. لا يشترط أن يكون الفريق من الدولة نفسها ولكن يجب أن تسجل الشركة في التشيلي وتعمل لستة أشهر.
2. هناك لجنة اختيار مستقلة لا تتبع للحكومة، وهي مؤسسة مستقلة لكن الدعم يجب أن يكون حكومي، وتتمثل وظيفة اللجنة باستقبال وفرز المتقدمين.
3. لجنة تحكيم تسعى لاختيار الأفضل والذي يمكن أن يعطي فرق لهذا البرنامج.
4. وضع تقييم صارم للبرنامج من خلال عدد الشركات الناشئة المحتضنة ونتائجها من حيث استقطاب استثمارات جديدة أو زيادة حجم الشركة.
5. أهم ميزة أن هذا البرنامج قدم 80000 دولار امريكي كمنحة أساسية لا تدخل في سياق الشراكة أو الاسهم.
هذا المبلغ الضخم بالنسبة للرياديين استقطب شركات حقيقية وافكار رائدة من شتى انحاء العالم ورفع مستوى ريادة الاعمال في سنتياغو الى أفضل عشرة برامج عالمية في مسرعات الشركات الناشئة وقد أصبحت مدينة سنتياجو ضمن أفضل عشرين مدينة حول العالم من حيث حجم الاستثمارات وقيمة الشركات الناشئة المسجلة. وفي فلسطين نحن نستطيع العمل على مشروعنا من خلال النقاط التالية:
• استقطاب رياديين فلسطينيين من كل دول العالم وبهذه الطريقة نزيد عدد المتقدمين ونرفع نوعية المشاريع.
• تسجيل الشركة بالشراكة مع رياديين محليين وتقديم حوافز ضريبية للشركات الناشئة. • تقديم دعم 40000$ على الأقل والمراقبة لمدة 6 أشهر على أداء الشركة. • استقطاب حكام فلسطينيين من الاردن والتشيلي وأمريكا والامارات من الأشخاص الذين عملوا في الاستثمارات في هذه الدول.
• العمل على إيجاد مسابقات لدعم مشاريع صغيرة لضمان عدم تقدم مثل هذه الشركات الى مسابقات ريادة الأعمال التي تبحث عن استثمار حقيقي وكبير، وبهذه الطريقة يمكن إعطاء تركيز أكبر على نوعية الشركات الناشئة المتقدمة الى المسابقات.
إن قطاع ريادة الأعمال من القطاعات التي يمكن أن تنهض بالاقتصاد الفلسطيني، حيث إنها تعطي فرصة لتوفير أفق جديد للشباب الذي تعب من التوجه الى مقابلات العمل في أماكن وتخصصات محدودة، وفي نفس الوقت يجب عدم إغفال الحقيقة الرائعة التي نراها في هذه المسابقات وهي وجود عدد كبير من الشباب الريادي الذي يعمل على إنشاء شركات صغيرة تقوم على أفكار صناعية او تجارية او زراعية، وهم يتقدمون الى مسابقات ريادة الأعمال لحاجتهم إلى دعم بسيط.
وهنا يوجد فرصة للمؤسسات الداعمة لإنشاء برامج دعم لهذه النوعية من الشباب، وهنا من الممكن أن نوجه الدعم الجديد إلى المشاريع الصغيرة التي تقوم على إيجاد فرص عمل لعدة اشخاص ما بين ثلاثة الى تسعة اشخاص في المرحلة الأولى، وللعلم هذه النوعية من المشاريع تشكل أكثر من 70% من الشركات المتقدمة لمسابقات ريادة الأعمال في فلسطين، ومبلغ 10000 دولار سوف يقدم دفعة حقيقية لمثل هذه المشاريع.
وعلى الجانب الاخر ستكون هناك ضرورة لرفع مستوى برامج دعم الشركات الناشئة التي تركز على الأفكار التي يمكن أن تتطور محليا وتتوسع إقليميا و عالميا.