وكالات - الاقتصادي - ما إن تم توقيع اتفاقية أوسلو بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية عام 1993 حتى سعى الاحتلال إلى إحكام سيطرة أكبر على مفاصل الحياة الفلسطينية، فألحق الاتفاقية بما أسماه توقيع "بروتوكول العلاقات الاقتصادية بين حكومة الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية" في التاسع والعشرين من نيسان/ ابريل عام 1994.
الاتفاقية التي عُرفت باسم "وثيقة باريس الاقتصادية" اعتُبرت مثيرة للجدل منذ توقيعها؛ حيث تضمنت بنودا رأى فيها المراقبون وخاصة الاقتصاديون منهم، أنها تكبّل الاقتصاد الفلسطيني وتجعل الفرصة فقط لأصحاب رؤوس الأموال دون إفادة معظم الشعب منه، وفي الآونة الأخيرة ظهرت مساوئ هذه الاتفاقية بتطبيقها واقعاً عبر احتجاز أموال السلطة وابتزازها.
بلاء
ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي كان أبرز ما انتقده الفلسطينيون في الاتفاقية؛ حيث أن دخل الفرد في "إسرائيل" يضاعف دخل الفرد الفلسطيني ثلاث مرات، ولا يمكن أن تتطابق أسعار المحروقات والمواد الغذائية مثلا في مكان مزدهر اقتصاديا مع آخر يعاني إنتاجياً ومثقلٍ بالعراقيل.
ويرى المحلل الاقتصادي الفلسطيني عزام أبو السعود بأن الاتفاقية تضمنت نواقص شديدة للاقتصاد الفلسطيني والتي تظهر بأن القائمين عليها غير مطلعين على الداخل الاقتصادي وليسوا على معرفة جيدة به.
ويقول لـ"عربي21" بأن الذين قاموا على صياغة الاتفاقية في حينه لم يعتمدوا على تقارير ودراسات تسد الثغرات في القضايا الاقتصادية بل اعتمدوا على معلومات غير دقيقة؛ خاصة أنها تمس الاحتياجات اليومية أو المتوفرة لدى الشعب والمنتج المحلي.
ويتحدث المحلل عن عدة أشكال "للبلاء" جلبتها هذه الاتفاقية أولها في موضوع تحديد أنواع السلع وإدخالها إلى السوق الفلسطينية والتي لم تتناسب معها؛ موضحا بأنه تم استغلال بنود الاتفاقية من قبل المستفيدين الذين وردوا إلى فلسطين أو الذين كانوا موجودين أصلا، لأنهم علموا قبل غيرهم كيف يحتجزون السلع لأنفسهم وخفايا إدخالها ما أثر بشكل كبير في الميزان الاقتصادي.
وتحتوي الاتفاقية الاقتصادية على عيوب أخرى ضخمة جدا بحسب أبو السعود أهمها أنها اعتمدت بالأساس على أن يكون الاقتصاد الفلسطيني خادما للاقتصاد الإسرائيلي وليس مستقلا على الإطلاق، لافتا إلى أنها أصبغت عليه صفة التبعية الكاملة للاقتصاد الإسرائيلي وهو الأمر الأخطر في بنود الاتفاقية فلم يُعط الفلسطينيون الاستقلالية في التصرف الاقتصادي.
ويشير إلى أن العنصر الثالث الذي جعل الاتفاقية مدمرة للاقتصاد الفلسطيني هو موضوع العملة، حيث تضمنت الاتفاقية ألا تكون هناك عملة وطنية أو بنك مركزي فلسطيني.
ويضيف: "كلها أمور كانت تعتبر سيادية ولكن تم التغاضي عنها أو تأجيلها إلى فترة ثانية ولم تتم مراجعة الاتفاقية، وبحسب الاتفاق فإنها يجب أن تراجع كل عدة سنوات لكنها بقيت على الأسس القديمة التي صيغت قبل عشرين عاما".
خطأ كبير
الاتفاقية نصت كذلك على سيطرة الاحتلال على المعابر ما مكّنه من تحديد كمية ونوعية السلع الواردة إلى السوق؛ بينما أدت تبعية الاقتصاد الفلسطيني إلى تدهور كبير وإحداث فجوة عميقة كان الخاسر فيها هو الطرف الفلسطيني أمام اقتصاد إسرائيلي قوي ومنتعش وينافس دولا عظمى.
بدوره يعتبر المحلل الاقتصادي الفلسطيني عادل سمارة بأنه لا يمكن أن تكون هناك فائدة بين القوي والضعيف والتابع والمتبوع، حيث كرست الاتفاقية العلاقة غير المتكافئة بين الاقتصاد الإسرائيلي والاقتصاد الفلسطيني.
ويقول في حديث لـ"عربي21" بأن التبعية التي وضع فيها الاقتصاد الفلسطيني هي تبعية المحيط للمركز بحسب الرأي التنموي، مبينا بأن من استفاد من الاتفاقية من الفلسطينيين هي الرأسمالية التابعة؛ بحيث كان شرح مصطلح اتفاق الشجعان هو اتفاق رأس المال بينما لم يجلب ذلك إلا الضرر على الصعيد العام للاقتصاد.
ويضيف: "من أبرز عيوب الاتفاقية الإبقاء على العلاقة التجارية تحت هيمنة الاحتلال وهذا خطأ كبير؛ حيث أن السلع الأساسية من الممنوع أن تدخل السوق الفلسطيني إلا بإذن الاحتلال بينما تدخل الأراضي المحتلة عام 1948 دون شروط".
ويشير سمارة إلى أن الاتفاق تضمن كذلك الحديث عن توسيع المستوطنات في الضفة المحتلة وحقها في التسمين وإنعاش الاقتصاد فيها وهو ما ينعكس على الفلسطينيين سلباً.
كل تلك البنود أودت بالاقتصاد الفلسطيني إلى الهاوية؛ وبناء على ذلك تفشت البطالة وضعفت فرص العمل وانخفض دخل الفرد وأصبحت الواردات بيد نسبة قليلة جدا من الشعب، وحتى الضرائب والجمارك للاحتلال الحق في تحصيلها على الواردات الفلسطينية، وما زالت الأصوات تعلو مطالبة بتعديل أو إلغاء الاتفاقية التي تكرس سيادة الاحتلال وتدفن الاقتصاد الفلسطيني بشكل أو بآخر.
عربي 21