وكالات - الاقتصادي - طقس فلسطين - لعلّ معظم محبي فصل الشتاء ينتظرون بشغف قدوم الزائر الأبيض الجميل الى المنطقة بعد سنينَ عِجافٍ من انقطاع الثلوج عن المنطقة ، حيث كانت آخر ثلوج شاملة في فلسطين بتاريخ 20 شباط 2015 عندما تساقطت الثلوج في مناطق واسعة من البلاد وعلى ارتفاعات دون المتوسطة وصلت الى 300 متر عن سطح البحر ، حيث تميزت بالشمولية ولكن لم تتميز بالقوة كما كان عليه الحال بعاصفة يالو/أليكسا الثلجية التاريخية في ديسمبر 2013 والتي تراكم على إثرها أكثر من 120 سم من الثلوج في بعض مناطق نابلس والخليل ورام الله .
ومنذ ذلك الحين لم تؤثر على فلسطين أي عاصفة شاملة أو ثلوج قوية ، في حين تساقطت الثلوج بشكل محدود بتاريخ 26 كانون الثاني/يناير عام 2016 في بعض المرتفعات ابتداء من 750 متر عن سطح البحر ولفترة قصيرة وتساقطت بشكل محدود في مناسبات أخرى فوق المرتفعات العالية التي تزيد عن 900-1000 متر وبشكل سريع ومحدود.
لماذا لم تتساقط الثلوج حتى الآن ؟
من ناحية إحصائية ، فإن الثلوج تتساقط في فلسطين من حين لآخر بحيث قد تمر سنون عديدة أحياناً ولا تتساقط فيها الثلوج ، وآخر سلسلة سلبية من السنين كانت في مواسم 2008/2009 ، 2009/2010 ، 2010/2011 ، حيث لم تتساقط الثلوج لثلاثة مواسم على التوالي في الجبال المتوسطة الارتفاع ولم تتعرض فلسطين لأي عاصفة ثلجية بالمفهوم المتعارف عليه .
في حين تساقطت الثلوج بعد ذلك في مواسم 2011/2012 (ثلجة محدودة بتاريخ 2 آذار 2012 ) ، 2012/2013 ( ثلجة متوسطة بتاريخ 10 يناير 2013 بعد عاصفة مطرية طويلة) ، 2013/2014 (عاصفة ثلجية تاريخية 12 الى 14 كانون أول ديسمبر 2013 ) ، 2014/2015 ( ثلوج محدودة في الفترة من 7 الى 10 كانون الثاني / يناير 2015 تخللها فترة انجماد ، وثلوج شاملة بتاريخ 20 شباط/فبراير 2015 بسماكات تراوحت من 20 الى 40 سم في الجبال المتوسطة والعالية ) .
ثم تكررت السلسلة السلبية مرة أخرى في مواسم 2015/2016 ، 2016/2017 ، 2017/2018 ، مع استثناءات محدودة كما ذكرنا آنفاً .
أما من ناحية علمية ، فإن تساقط الثلوج يتطلب اجتماع العديد من العوامل والظروف والمؤشرات المناخية التي تسمح بإنزلاق أحواض قطبية من أقاصي شمال الكرة الأرضية باتجاه حوض شرق المتوسط ليتشكل على إثر ذلك منخفض يوصف بأنه من أصل قطبي ، وتتساقط الثلوج على ارتفاعات مختلفة تبعاً للقيم المصاحبة لهذه الأحواض القطبية ، فكلما ازدادت درجات الحرارة بالانخفاض في مختلف الطبقات الجوية وازداد عمق هذه الطبقات ، كلما تدنت مستويات تساقط الثلوج الى ارتفاعات أقل ، بشرط توافر الرطوبة ، حيث إن غياب الرطوبة يؤدي الى موجات من الصقيع والانجماد وذلك يكون بإنزلاق الأحواض القطبية الى شمال شرق بلاد الشام بدلاً من انزلاقها الى محيط جزر قبرص وكريت وتركيا عموماً .
وفي السنين الماضية ، لم تجتمع العوامل المؤدية لذلك ، ومن المعلوم أن فقدان أحد العوامل يؤدي الى ذهاب الأحواض القطبية لمكان آخر بعيداً عن فلسطين ، وخير مثال على ذلك ما حدث في شهر كانون الثاني يناير من عام 2017 ، حيث كانت المنطقة قاب قوسين أو أدنى من قدوم عاصفة ثلجية قوية ، إلا أن عدم تمركز المرتفع الجوي في أوروبا في المكان المثالي أضاع الفرصة وذهبت العاصفة الثلجية الى غرب تركيا والى إيطاليا في مناسبتين متتاليتين خلال ذلك الشهر .
ونلاحظ من الخارطة أعلاه أن حوضاً قطبياً شديدة البرودة انزلق نواحي غرب تركيا والجزر اليونانية بتاريخ 7 يناير 2017 ، إلا أن الضغوط الجوية في شمال الأطلسي وأجزاء من المناطق الشمالية لم تكن مثالية ، ونلاحظ أن المرتفع الأوروبي يتمركز فوق غرب القارة الإفريقية امتداداً الى منطقة البرتغال في غرب أوروبا ، وهو محور لا يخدم فلسطين والأردن ، وبذلك لم نتأثر بالحوض القطبي وتساقطت الثلوج بكثافة شديدة في غرب تركيا واليونان وصولاً الى أجزاء من أواسط أوروبا .
أما خلال الموسم الحالي 2018/2019 ، فجاءت التوزيعات الجوية مناسبة لفلسطين في النصف الأول من الموسم ولكن من ناحية مطرية ، حيث هطلت الأمطار بشكل غزير وبكميات كبيرة فوق معدلاتها خلال الخريف والأيام الأولى من فصل الشتاء في ديسمبر المنصرم، وذلك بفعل ما يعرف بالتدخل المداري من الجنوب والشرق ، حيث تندفع الرطوبة من إفريقيا وتقطع مسافات طويلة عبر الجزيرة العربية والعراق ومن ثم بلاد الشام ، وتتلاقى مع قدوم أحواض باردة نسبياً من أوروبا باتجاه فلسطين مما ينجم عن ذلك هطول واسع للأمطار الرعدية .
وفي الوقت الحالي ، ظهرت إشارات جديدة تعتبر جيدة لإقتراب الأحواض القطبة من المنطقة ، إلا أنها لحد الآن لم تكتمل بسبب ظروف مشابهة لما حصل في يناير 2017 .
، حيث إن التوقعات الحالية تشير الى نزولات قطبية متوقعة فوق أوروبا الشرقية وأجزاء من أواسط أوروبا في الأيام القادمة كما نرى من الخارطة أعلاه ، في حين يعتبر تمركز المرتفع الجوي غير مناسب لفلسطين والأردن مجدداً ، بسبب وقوعه بين غرب إفريقيا وبين البرتغال والمحيط الأطلسي في غرب أوروبا ، حيث يلزم أن يتمركز الى الشرق أكثر نواحي الجزائر وتونس وصولاً الى وسط وغرب أوروبا ، كما أن الضغوط الشمالية نواحي شمال الأطلسي وجريلاند لا تعتبر مثالية تماماً .
وعلى إثر ذلك يتوقع أن نتأثر بأطراف منخفضات جوية باردة غير شاملة بحيث تهطل الأمطار بشكل سريع من حين لآخر خلال الثلث الأول من الشهر الجاري في أجزاء من البلاد مع أجواء باردة ، أما في الأيام الأولى من الثلث الثاني فقد تتغير المعطيات الجوية وهي غير ثابتة ، حيث إن المؤشرات للفترة البعيدة تكون متقلبة وغير ثابتة وهذا بديهي في علوم الطقس والمناخ .
وفي هذا المقام ، نشير الى أن فرصة تساقط الثلوج تبقى واردة خلال هذا الموسم حيث ما زلنا في الفترة الأولى من الفترة المعتادة لتساقط الثلوج في فلسطين ، حيث يعتبر شهر شباط /فبراير هو الأفضل إحصائياً لتساقط الثلوج في فلسطين بعد شهر كانون الثاني / يناير .
وكملخص عام ، يلزم لتساقط الثلوج في فلسطين كونها تقع في عروض دنيا وبعيدة عن القطب الشمالي ، يلزم أن يتمركز مرتفع جوي مثالي فوق القارة العجوز في الأجزاء الوسطى والغربية ، من دون أن يمتد كثيراً الى الشمال نواحي بريطانيا واسكندنافيا ، كما يجب أن يكون هذا المرتفع الجوي صلباً ومتماسكاً خصوصاً في قاعدته نواحي شمال غرب إفريقيا ، وكذلك بابتعاد المرتفع السيبيري وتقهقره الى الشمال الشرقي نواحي سيبيريا ، في حين يجب أن يكون هناك اندفعات قطبية في المنطقة الشمالية بصورة سلسلة حتى تتمكن من الاندفاع بسلاسة نواحي شرق أوروبا ومنها نحو تركيا ومن ثم الى بلاد الشام ، وقبل كل ذلك كله ، نستذكر أن كل ذلك مرهون بإرادة الله عز وجل وحكمته ، وإنما أمره كُن فيكون .