وكالات - الاقتصادي - من عادة موظفي المبيعات في سنغافورة أن يمنحوا العملاء إيصالات الشراء سواء كانوا يريدونها أم لا. ونتيجة لذلك، يتخلص كل مقيم في البلاد بين الحين والآخر من عدد هائل من الإيصالات الموجودة في حافظته أو حقيبته.
ولا يوجد أدنى شك في أن تكلفة المعيشة في هذه المدينة مرتفعة للغاية، لكن هل هي المدينة "الأعلى تكلفة" في العالم؟ حسنا، هذا الأمر قابل للمناقشة.
تصدرت سنغافورة عناوين الأخبار مرة أخرى عندما وضعتها "وحدة المعلومات الاقتصادية" التابعة لمجلة الإيكونوميست مؤخرا على قمة مؤشر تكاليف المعيشة في العالم.
وقد أعد هذا المؤشر لهدف محدد، وهو أن يرسل لأقسام الموارد البشرية في المؤسسات والشركات لكي تعرف تكاليف إنفاق موظفيها في رحلات العمل بالخارج، وغالبا ما يكون ذلك لأصحاب الوظائف ذات المرتبات المرتفعة.
وعندما تصدرت سنغافورة هذا المؤشر لأول مرة عام 2014، أشار نائب رئيس وزراء المدينة، ثارمان شانموغاراتنام، إلى أن المؤشر لا يعكس ارتفاع الأسعار بقدر ما يعكس معيشة المغتربين، مضيفا أن سلة البضائع والسلع التي اعتمد عليها المؤشر تضمنت "الجبن المستورد، واللحم البقري، ومعطف فاخر من نوع 'بيربري'، وأفضل أربعة مقاعد لمشاهدة عرض مسرحي، وعشاء فاخراً من ثلاثة أطباق لأربعة أشخاص".
وقال معد المؤشر، جون كوبستيك، لا يوجد قانون يفرض على أي شخص شراء كل السلع، فلا يمكن مثلا أن يشتري شخص معطفاً ثقيلا للتدفئة وهو يعيش في منطقة خط الاستواء. ويضيف: "يمكنك أن تجد سلعا مخفضة في أية مدينة في العالم تقريباً، وأن تعيش بتكلفة أقل من تلك التي نطبقها في المؤشر."
ولكن إذا لم تسرف في النفقات وكأنك صاحب مصرف، فما هي التكلفة الفعلية للعيش في سنغافورة؟
وضعت مجموعة من الأكاديميين بكلية لي كوان يو للسياسة العامة بجامعة سنغافورة الوطنية مؤشرا يميز بين المغتربين والسكان المحليين. وأشار المؤشر إلى أن سنغافورة هي رابع أغلى مدينة في العالم بالنسبة للمغتربين، أما بالنسبة 'للمقيمين العاديين'، فتأتي المدينة في المرتبة 48، بين لشبونة وبيتسبرغ.
وفي مؤشر 'وحدة المعلومات الاقتصادية' التابعة لمجلة الإيكونوميست، فإن تكلفة المعيشة في سنغافورة أعلى بكثير منها في العديد من المدن الغنية، ويعود السبب وراء ذلك إلى أمر واحد فقط، وهو ارتفاع أسعار السيارات بشكل كبير. وتتعمد الحكومة ذلك لكي تحد من الاختناقات المرورية، وهو ما يجعل الشخص يدفع نحو 70 ألف دولار لشراء سيارة عادية مثل سوزوكي سويفت.
ومع ذلك، تتمتع المدينة بشبكة مواصلات عامة رخيصة وجديرة بالثقة، علاوة على توافر سيارات الأجرة بتكلفة معقولة، وهو ما يجعل من السهل العيش بدون امتلاك سيارة. وتبدو تكلفة التنقل في مدن أخرى أكبر مقارنة بسنغافورة.
وقد شعر ديفيد شين، وهو سنغافوري يعمل في مجال التسويق، بالدهشة عندما أدرك مدى غلاء وسائل المواصلات في أستراليا عندما زارها في كانون الأول.
ويقول شين متحدثا عن أستراليا: "من المكلف حقا أن تستقل سيارة أجرة أو إحدى سيارات 'أوبر'."
وتتميز المواصلات العامة في سنغافورة بأنها رخيصة للدرجة التي تجعل العديد من المغتربين يوفرون من المبالغ المخصصة للتنقل والمواصلات.
يقول جيريمي ماكي، مخرج أمريكي الأصل يقيم في سنغافورة: "أنفق نحو 250 دولار سنغافوري (178 دولارا أمريكيا) كل شهر على سيارات الأجرة والقطارات. أجريت مؤخراً عملية حسابية وتبيّن أن ذلك يعادل تقريباً نصف ما أنفقته على شراء سيارة وتأمينها في الولايات المتحدة الأمريكية".
ورغم ما ذكر، يقول كوبستيك إنه إذا ما نحينا السيارات خارج المعادلة، فإن سنغافورة ستهبط للمركز التاسع في مؤشر وحدة المعلومات الاقتصادية، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن هناك عددا كبيرا من السلع الأخرى باهظة الثمن في سنغافورة، وخاصة في محال البقالة والملابس والأغذية والمشروبات.
وفيما يتعلق بأسعار الأغذية والمشروبات، من السهل أن تدفع عدة مئات من الدولارات مقابل وجبة فاخرة لشخص في سنغافورة، وخاصة إذا كنت ترغب في تناول النبيذ. لكن يمكنك في نفس الوقت أن تجد، بدون عناء، وجبة غداء بسعر أقل من 5 دولارات سنغافورية (3.57 دولارا أمريكيا). في الحقيقة، تتباهى سنغافورة بأنها تقدم أرخص وجبة طعام في مطعم حائز على نجمة ميشلان في العالم.
في بعض المدن التي تكون فيها تكلفة المعيشة مرتفعة، تبدو المواد الغذائية والمشروبات أكثر غلاءً. ويقول ديفيد ووكر، مصمم غرافيك انتقل في الآونة الأخيرة من سنغافورة إلى زيوريخ، إن أسعار المشروبات الكحولية في زيوريخ تنافس أسعارها في سنغافورة، وغالباً ما تكون أعلى منها.
ومن الطبيعي أن يدفع المرء 20 دولار أمريكيا أو أكثر لتناول كأس من النبيذ. وبينما هناك وفرة من الخيارات الأرخص للأطعمة في سنغافورة، فهذا ليس هو الحال في زيورخ في حقيقة الأمر.
يقول ووكر: "هذا غير موجود في زيوريخ، فلا يوجد أي مكان يقدم طعاما رخيصا."