نابلس- الاقتصادي- وفاء الحج علي- ينقسم الفلسطينيون إلى فريقين: سكان المدن الذين يحلمون بهدوء الأرياف واستقرارها، والقاطنون في القرى الذين يتمنون حياة المدينة التي لا تنام.
لكن ما أبرز الفروق بين العيش في المدن الفلسطينية وأريافها؟
الحياة الاجتماعية مختلفة
يقول عبد اللطيف الزغب، المغترب منذ سنوات في فنزويلا، أثناء زيارته لقريته الأم في ضواحي نابلس: "رغم وجود اختلافات كبيرة بين الحياة في المدن الفلسطينية وقراها، إلا ان الطبقية في مجتمعنا تبقى شبه محدودة، ذلك لأن الشعب الفلسطيني مرتبط بعضه ببعض بعادات وتقاليد وأعراف متشابهة، ما يجعل التنقل للعيش من مدينة إلى قرية أو العكس أمرًا هينًا نسبيًا، هذا ما استنتجته بعد عيشي في قريتي جماعين خلال شبابي، وفترة في مدينة رام الله، وبقية وقتي في إحدى المدن الرئيسية في فنزويلا".
وبين انه رغم تشابه المجتمعات الفلسطينية، إلا أن الجانب الاجتماعي في القرى يختلف عنه في المدينة، ويقول: "في القرى، غالبًا، ما تلحظ لحمة اجتماعية قوية بين الناس، فترى جيرانك يوميًا وتسهر معهم صيفًا، وتشاطرهم الفطور والقهوة والفرح والطرح، ورغم أن لهذا سلبيات كثيرة مثل انعدام الخصوصية، إلا أنه يبقى حسب البروتوكول الفلسطيني القائم على احترام العائلات القوية المتينة، أمرًا محبذًا".
ويتابع الزغب: "عندما عشت في رام الله، افتقدت لهذا الترابط، وكسبت نوعًا من الخصوصية، التي أحستني بالوحدانية، فلم أجد شركاء في لعب الشدة، ولا من يشاطرني "رأس الأرجيلة"، وكنت أحاول تعزيز علاقاتي مع جيراني خلال عطلة نهاية الأسبوع، إلا ان معظم جيراني كانوا يتركون رام الله خلال الإجازة لزيارة قراهم او مدنهم الأصلية، فرام الله جمعتنا من كل بقاع الوطن، ووضعتنا في رقعة صغيرة فرقتنا أكثر عن بعضنا".
كالعادة... المال يتحدث
لكن الفروق الاجتماعية ليست الشيء الوحيد الذي يختلف في المدن والقرى الفلسطينية، فالمال والاقتصاد هو من أهم عوامل اختيار السكان الفلسطينيين لأماكن سكناهم.
رحمة عمران، من قرية بورين، انتقلت إلى رام الله مع عائلتها (زوجها وابنتيها)، عندما حصلت على وظيفة لها في "العاصمة الفلسطينية الاقتصادية والسياسية المؤقتة".
وتقول: "كنا نعتاش من راتب زوجي الذي لا يتعدى الـ3000 شيقل شهريًا، إلا اننا لم نمر بالضائقة المالية التي عايشناها منذ انتقلنا إلى المدينة، فإيجار البيت مرتفع جدًا (قرابة ألف دولار)، والحضانة التي أضع فيها إحدى ابنتي غالية جدًا، لا أذكر أن دراستي الجامعية في جامعة النجاح كانت مكلفة إلى هذا الحد!"
وتتابع عمران: "ما يصعب الأمر علينا هو غلاء المواد التموينية والحياة بشكل عام في رام الله، فأذكر اننا كنا نكسي البيت من كل شيء بـ1000 شيقل شهريًا، إلا ان هذا المبلغ في رام الله لن يصلني أبعد من أقرب سوبرماركت إلى منزلنا، ويبقى البيت فارغًا من الطعام ومليئًا بالفواتير!"
وتبيّن عمران أن شراء منزل في المدينة هو بمثابة حلم بالنسبة لها وعائلتها، مضيفة أنها اختارت وزوجها رام الله للعيش، لأن المؤسسات غالبًا ما تدفع رواتب أفضل منها في القرية، وتضيف: "ورغم أن الراتب تضاعف، إلا أنني أحسست بصعوبة الحياة هنا".
للمدن أيضًا حسناتها
لكن لا يشتكي كل الأشخاص من العيش في المدينة، بل هناك من يجد فيها بوابة نحو حياة أسهل وأترف.
إسراء خضير، التي درست هندسة الاتصالات في جامعة النجاح، انتقلت من مدينتها زيتا (جنوب نابلس) للعيش في نابلس، حيث وجدت وظيفة محترمة براتب جيد. وتقول خضير: "سكنت في نابلس وعملت هنا، وتغيرت حياتي كليًا، فطورت نفسي على الصعيد الاجتماعي، وشكلت صداقات جديدة نخرج سويًا عندما نشعر بالملل أو الروتين، الأمر الذي في قريتي يكون محدودًا جدًا".
وتتابع خضير: "ليس هذا فحسب، ما يعجبني في حياة المدينة هو توفر كل شيء فيها، من لباس وطعام وشراب ومواصلات ودوائر رسمية وغيرها، فعندما كنت في قريتي كنت احتاج لأن أفرغ نفسي نهارًا كاملاً وتعطيل دوامي لإجراء فحص طبي في إحدى المستشفيات في المدينة مثلاً، في حين لا يتطلب مني الآن سوى الركوب في سيارة أجرة".
وتضيف: "مرافق التسلية والسياحة متوفرة في المدن أيضًا، هذا إلى جانب إمكانية تطوير نفسي في وظيفتي من خلال العمل في النهار والتطوع في مراكز المساء دون أن أي ارتباط مع شركة حافلات لتوصلني إلى بيتي".