رام الله- الاقتصادي- تخيل أن يتخرج ابنك من المدرسة وهو مبدع في عزف البيانو أو رقص البالية، ومتقن للغتين الإنجليزية والفرنسية بالإضافة إلى العربية، وأن يكون أيضًا ملّمًا بآداب السلوك، والتعامل، والأكل، والاستماع، ومحبًا للمطالعة قادرًا على تذوّق الفن العربي والغربي، فضلاً عن تمكنه على المستوى الأكاديمي... هذا هو المخرج النهائي الذي تعد به المدارس الخاصة في فلسطين.
مدارس لا ترحب بالفقراء
لكن إن كنت ترغب بكل هذا، فعليك أن تطلق العنان لجيبك وحسابك البنكي، فالتعليم الخاص في فلسطين قد يصل إلى ما يتراوح بين الـ1000 والـ5000 دولار أميركي، سنويًا في بعض المدارس.
سهير عورتاني، تعيش وزوجها في المناطق المحاذية للقدس، وهم آباء لأربعة أطفال، كلهم في سن مرحلة المدرسة، وإيمانًا منهما بجودة التعليم الخاص قررت وزوجها أن يلحقا أطفالهما في مدرسة خاصة.
تقول عورتاني: "كافحت وزوجي لإبقائهم في المدرسة الخاصة بعد أن تعودوا على جوّها، إلا أن العبء المادي كان أكبر من ان يحتمل، حيث كنا ندفع ما يزيد عن العشرين ألف شيقل سنويًا، وهذا مبلغ لا يدفعه طلبة الجامعات حتى!"
قررت العائلة أن تنقل أطفالها إلى مدرسة حكومية... فماذا طرأ على أولادهما من تغيرات؟
تتابع عورتاني: "اضطررنا لمواجهة الواقع، ونقلنا الأطفال إلى مدرسة حكومية، حيث لا ندفع الآن لكل واحد منهما فيها أكثر من 200 شيقل سنويًا، والمفاجأة الكبيرة التي لم نتوقعها هي أنه لم يطرأ أي تغير ملحوظ على أبنائنا، على مستوى التحصيل العلمي، أو السلوكي".
وعن تجربة انتقاله من المدرسة الخاصة إلى الحكومية يقول ابنهما شاد (11 عامًا): "ما أزعجني هو تركي للأصحاب والزملاء والمدرسين الذين كنت اعتدت على تواجدهم في حياتي، إلا أن شيئًا آخر لم يتغير، على مستوى دراستي على الأقل".
هل هناك تهاون بالأنظمة؟
يبدو ان المجتمع الفلسطيني هو من أنصار التعليم الحكومي المجاني على العموم، فكثير من الفلسطينيين يتهمون التعليم الخاص بالنخبوية وبأنه معاد لديمقراطية التعليم، ومتهاون بالأنظمة التعليمية، رغم غلاء أسعاره.
عطا العريض، الذي آمن بالتعليم الخاص وأحقيته باحتضان ولديه منذ أن التحقا بالمدرسة، تلقى صفعة مؤلمة عندما رسب ابنيه التوأم (محمود وكوثر) في الثانوية العامة، بعد ان كانا تحصيلهما العلمي جيد في إحدى مدارس رام الله الخاصة، وأنفق أموالاً طائلة (16000 شيقل سنويًا).
ويقول العريض: "أدركت متأخرًا للأسف، ان التعليم الخاص في فلسطين لم يصل بعد إلى مرحلة النضج، فتتهاون المدارس بالأنظمة والعواقب، وتكافئ الطلبة بتحصيل علمي مبهر، أحيانًا دون أحقية، كي تحتفظ بالطالب في كنفها، فالغاية المادية هي الأولوية بالنسبة لمدارسنا الخاصة".
ميزات التعليمين
يقول الاستاذ فتح الله زيتاوي الذي خدم في المدارس الحكومية والخاصة لسنوات، إن التعليم الخاص، الذي لا يضم أكثر من 25 طالبا في كل صف، وفي غالبية الأحيان، قادر على أن يعطي الطالب حقه وحصته من الاهتمام والتركيز، وبخاصة مع تباين قدرات الطلبة، فقلة العدد في الصف الواحد يمكن المعلم من التركيز على كل طالب حسب ما يحتاج.
ويتابع زيتاوي: "ينمي التعليم الخاص قدرات لا نجدها في المدارس الحكومية، مثل اللغات الأجنبية (الفرنسية والإنجليزية)، فغالبًا ما نجد طلبة المدارس الخاصة أكثر حظًا في إتقان اللغة الإنجليزية والفرنسية".
ويضيف: "كما لا يمكن أن ننكر بأن التعليم الخاص يركز على النواحي النفسية، والتربوية إلى جانب التعليم الأكاديمي البحت، فهو يشدد على اللامنهجية في التعليم كجزء لا يتجزأ من العملية، مكونًا مخرجًا مدركًا لموهبته وقدرته وميوله، سواء أكانت هذه فنية أم علمية".
وحول ميزات التعليم الحكومي يقول زيتاوي: "الجيد في المدارس الحكومية هو ان هذه لا تتهاون في تطبيق القوانين والأعراف التعليمية بحذافيرها، فنادرًا ما نرى تجاوزات تمر مرور الكرام في هذا النوع من المدارس".
ويوضح: "لا تنمي المدارس الحكومية الطلبة أكاديميًا فحسب، بل تسلحه بذكاء الشارع الذي لا يمكن أن يحصل عليه إلا من الاحتكاك بمحيطه بكل تفاصيله، كما أن هذا النوع من التعليم يعزز التنافسية عند الطالب، إضافة إلى كونه مجانيًا، وبمنهاج أكاديمي مطابق لما يطرح في المدارس الخاصة".