غزة- الاقتصادي-إسلام أبو الهوى- إن الحصار عملية سياسية ليس لها هدف يقبل به الضمير الإنساني نهائيا، والأزمة التي يمر بها قطاع غزة من انقطاع للتيار الكهربائي وإغلاق المعابر ما زالت ممتدة وتهدد كافة القطاعات في قطاع غزة والقطاع الزراعي بصورة كبيرة، فالزراعة توفر أكثر الاحتياجات الغذائية لكافة الفئات التي تدافع عنها منظمات حقوق الإنسان وكافة المؤسسات الحقوقية والقانونية وترعاها كافة الأديان فأين هي عن ما يحدث في قطاع غزة؟
إن ما يُرتكب في قطاع غزة ليست مشكلة تتعلق في الوقود أو القطاع الزراعي بشكل خاص إنما هي مشكلة تجويع وقتل حقيقي. ويقول المزارع أبو محمد (53) عاما من خان يونس :" بسبب تقلص عدد ساعات التيار الكهربائي من 8 ساعات إلى ست ساعات لم أتمكن من ري محصولي بشكل جيد ما أتلف محصولي الكوسا والملفوف بسبب الَبرد القوي، لافتا أن الامر لم يقتصر عليه فقط بل امتد إلى كثير من المزارعين الذين خابت آمالهم في محصولهم وتكبدوا خسائر كبيرة.
وأضاف :" المطر فقط من سيعيد إلى أراضينا الحياة بعد جفاف محاصيلنا بسبب توقف آبار المياه عن العمل بسبب انقطاع الكهرباء وشح الوقود، متمنيا أن يتم حل هذه الأزمة بأقرب وقت مكملا بحزن :" ليس هناك أقسى من أن تشاهد محصولك يتعرض للجفاف والموت أمام عينيك وأنت لا تستطيع ان تفعل شيء".
بينما تذمر المزارع سعد مقاط من بيت لاهيا من الوضع الذي وصفه بالمأساوي الذي يمر بقطاع غزة من استمرار للحصار وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة تصل إلى 15 ساعة.
وأضاف:" في السابق كنت اعتمد على السولار المصري في حال انقطاع الكهرباء لتشغيل الماتور لأقوم بالري، لكن المصري اختفى وحل محله السولار الاسرائيلي الذي يزيد سعره ما أدى إلى ارتفاع أسعار المحاصيل.
وأكمل بحنق:" الآن لا يوجد مصري ولا اسرائيلي فقط تنتظر رحمة الست ساعات التي لا تكفي لتلبية احتياجاتنا والانتظار على دور محطة الوقود أشبه المعجزة للحصول على كمية محدودة لا تكفي لتشغيل الماتور لمدة ساعة".
ودعا مقاط كافة الجهات للتدخل لإنهاء المعاناة بحق المزارعين التي طالت رزقهم وحق كافة شرائح المجتمع الغزي وتوفير أدنى مقومات الحياة فما يحدث في غزة قد فاق حد التحمل والصبر.
بدوره، قال المهندس نزار الوحيدي مدير عام المياه والتربة من وزارة الزراعة في قطاع غزة إن تأخر موسم هطول الأمطار لهذا العام أدى إلى طول موسم الري ما يعني الاضطرار إلى تشغيل آبار مياه أكثر مما يجب حيث بدأت الزراعات المغطاة( الدفيئات الزراعية) ما زاد من الاحتياج المائي .
وأضاف:"أصبحت المحاصيل مهددة بكارثة زراعية كبيرة مرجعها عدم تمكن تشغيل قرابة 5 آلاف بئر تخدم قطاع الزراعة ومعظمها يعمل بالكهرباء والقليل يتوفر له ماتورات إضافية تعمل بالديزل مبينا أنه كان يمكن للمزارعين في السابق التغلب على الكهرباء إلا أن منعهم مشكلة انعدام الوقود السائل من تشغيل آبارهم في فترة تعتبر زراعية حرجة جدا .
ولفت الوحيدي إلى أن استمرار توقف آبار المياه عن العمل يهدد جميع المحاصيل المزروعة في الدفيئات والمحاصيل الزراعية التي بدأت زراعتها وبالذات بساتين الحمضيات مهددة بشكل كبيرة وقد يؤدي إلى فقدان معظم المحصول بسبب التعطيش الذي يسبب في سقوط الثمار الناضجة قبل موعدها وتلفها وأيضا إلى عجز نمو الثمار التي سيتأخر نضجها في الأسابيع والأشهر القادمة.
وحذر" إن لم يتم تدارك المشكلة فلن يكون هناك حل حتى لو توفرت المياه في وقت لاحق، لأن تشقق الثمار يعني ضياع المحصول وصغر حجم الثمار عن سنها هو ظاهرة فسيولوجية مرتبطة بنقص المياه الذي يؤثر في مكونات الثمرة من حيث الشكل والحجم والجودة.
وتابع الوحيدي: أن المحصول أصبح مهددا فعلا في ظل تأخر سقوط الأمطار ووسائل الري البديلة وما ينطبق على الحمضيات ينطبق على كافة المحاصيل الأخرى حتى عن الإنتاج الحيواني الذي هو الاكثر تضررا بسبب احتياجه للتدفئة أيضا خاصة في الأسابيع الأولى من تربية الطيور الداجنة فهذه الفترة تكون حاسمة وحيوية وقد تؤدي إلى هلاك معظم الزراعة كما يقول الدكتور البيطري المختص.
ولفت إلى أنه مع دخول موسم الشتاء وتساقط الأمطار قد تكون احتياجات الري بالوسائل البديلة أقل لكن الدفيئات تحتاج إلى استمرار عمل الآبار، مشيرا إلى أنه في أوقات نزول الصقيع يضطر المزارع إلى تدفئة ورش الدفيئات بمياه الآبار وعدم توفر ذلك سيتسبب في مشاكل للقطاع الزراعي.
وأضاف:" ما زلنا في وزارة الزراعة في طور حصر الأضرار وقراءة النتائج لكن يمكن القول إن أكثر من 70% من القطاع الزراعي متأثر بانقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود، لافتا إلى أن الوزارة تقوم بتوزيع حصص من السولار وغاز التدفئة على المزارعين خاصة مربيي الدواجن، مؤكدا أن هذه الحصة أصبحت صمام أمان المزارعين لكن الوضع أصعب من أن يتم التغلب عليه .
ويقول الوحيدي:" لم يحدق أن تعرض قطاع غزة لمثل هذه الأزمة الخانقة، ففي كل الأزمات السابقة كان يمكن السيطرة عليها سواء بإدخال الوقود عبر الأنفاق أو المعابر لكن هذه المرة كان الحصار مطبقا بصورة قاسية على ما يبدو دُرست جيدا".
ودعا كافة الجهات إلى تكاثف الجهود مع كافة الأطراف المعنية لفتح المعابر وإدخال الوقود لتخفيف هذه الكارثة الإنسانية التي طالت أكثر من مليون ونصف مليون مواطن و 170000 دونم وإعادة الحياة للقطاع الزراعي.
من جانب آخر، ذكر المحلل الاقتصادي د. محسن أبو رمضان أن لانقطاع الكهرباء تأثيرا كبيرا على القطاع الزراعي لأن مشاريع الثروة الحيوانية تتوقف في هذه الحالة ما يحدث خسائر كبيرة فيما يتعلق بهذا القطاع، لافتا إلى أن استمرار توقف عمل الكثير من الآبار سيؤدي إلى جفاف الكثير من المزروعات التي ستهدّ.
ولفت أبو رمضان إلى أن استمرار الحال على ما هو عليه من انقطاع للسولار المصري وارتفاع سعر السولار الاسرائيلي خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية في قطاع غزة دون إيجاد حلول ينذر بكارثة حقيقية على كافة القطاعات دون استثناء ما يهدد حياة المواطن الغزي.
وطالب بضرورة حل هذه المشكلة وتحميل الاحتلال الاسرائيلي المسؤولية الكاملة لما يحدث لقطاع غزة من استمرار للمعاناة، مؤكدا ضرورة إنجاز موضوع المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام.