الدكتور فريد المحاريق
اقتصاد إيران هو ثالث أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط والتاسع والعشرون في العالم بحجم 337.9 مليار دولار (2010). ويعتمد اقتصاد إيران بشكل كبير على تصدير النفط والغاز. وإيران واحدة من عدد قليل من الاقتصادات الكبرى التي لم تعان مباشرة من الأزمة المالية العالمية 2008.
الا ان ايران في الاعوام الأخيرة اصبحت تعاني من أزمات اقتصادية داخلية كبيرة وخصوصا ارتفاع نسبة البطالة داخل والتي وصلت إلى 26% ، و تدخلاتها السياسية بالدول العربية و دعمها لحلفائها في الدول العربية، وهنا على سبيل المثال سوريا .
تنفق إيران ما يقارب 35 مليار دولار سنوياً على دعمها للنظام السوري وتشكيلاتها المسلحة، و كما نعلم ان الانفاق الايراني العسكري هو انفاق ضخم ليس لسوريا فقط بل للبنان و لليمن و العراق، و أن الانفاق العسكري للدول يؤدي بالتالي الي التزايد غير المتوازن للإنفاق العسكري و يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي من خلال عدد من القنوات، كتراجع معدلات الادخار والاستثمار، بالإضافة إلى تراجع الإنفاق في قطاعات الصحة والتعليم. وينتج عن ارتفاع الإنفاق العسكري مزيدا من العجز في الموازنة، وتزايد الديون، وتراجع إنتاجية القطاع الخاص، ففي موازنة السنة المالية 2015/2016 زادت حصص إنفاق القطاع العسكري والأمني بشكل كبير، مقارنة بموازنة العام الماضي. ومع تراجع أسعار النفط وزيادة الإنفاق العسكري ورغبة الإدارة الاقتصادية في تقليص إنفاقها من مصادر دخلها الريعية، قررت طهران في العام المالي الحالي رفع عائداتها الضريبية الفعلية بنسبة 22%، كما أن الحكومة الايرانية الغت دعمها للمحروقات المتمثل بحصة تبلغ 60 ليترا من البنزين المدعوم للأفراد ووحدت بالتالي أسعار هذه المادة، كما أن الريال الايراني الذي يعد أحد أهم مؤشرات الثقة في الاقتصاد شارف على الانهيار الكامل في العام 2012، حيث انخفض بنسبة 75% من قيمته. ليست هذه الأسباب وحدها ما دفع ايران الي الذهاب للتفاوض حول برنامجها النووي فهناك اسباب سياسية، الا أن الأسباب الاقتصادية هي صاحبة الفصل في هذا الموضوع في ظل عجز النظام عن تحقيق اهداف وطموحات شعبة مع زيادة العقوبات عليها .
و هنا سنتحدث حول النتائج الاقتصادية التي ستحصل عليها ايران و باقي دول العالم و تأثير مثل هذا الاتفاق على دول الاقليم و العالم في حال ابرام اتفاق بين ايران و الغرب و من الفائز و الخاسر ؟
ان اول المستفيدين بهذا الاتفاق طبعا بالدرجة الاولي هي ايران و خصوصا انها تمتلك 10% من احتياطيات النفط المؤكدة بالعالم. وهي عضو في منظمة البلدان المصدر للنفط أوبك، وتنتج إيران 4 ملايين برميل يوميا أكثر من نصفها يصدر إلى الخارج فيما تذهب الكمية الباقية للاستهلاك المحلي، كما تقدر احتياطيات إيران من الغاز الطبيعي بنحو 29.61 ترليون متر مكعب وهو ما يشكل 15% من احتياطيات الغاز في العالم.
بعد أن ترفع العقوبات عن ايران فإن اول ما ستعمل علية طهران هو اعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي.. فهذا سيعمل على تحفيز الانتعاش الاقتصادي ، بفضل ارتفاع صادرات النفط ، وكذلك القدرة على استرجاع الأصول الإيرانية المجمدة في الخارج والتي تقدر ب100 مليار دولار، فضلاً عما ستشهده إيران من تدفقات كبيرة لرأس المال الأجنبي، كما أن الاقتصاد الإيراني في 2015 سيشهد انتعاشا كبيرا، ومن المتوقع أن يحقق زيادة قدرها 53 مليار دولار عن المستوى المسجل في 2014، ومن المتوقع ان ينمو الاقتصاد الايراني بنحو 6% في العام المالي 2016 / 2017، مقابل تقديرات بنمو 3% في العام المالي 2015 / 2016، بعد رفع العقوبات الاقتصادية، حال التوصل لاتفاق نهائي بين طهران والقوى الغربية.
ولا تقتصر على هذ الحد بل أنها ستكون مدفوعة بحدوث طفرة في الصادرات والاستثمار الخاص، وتراجع عجز الموازنة، كما يمكن وقتها القضاء على الفارق الكبير في سعر الصرف بين السوق السوداء والرسمية بنهاية عام 2015، كما سيمكن هذا السلطات الإيرانية من أن تمضي قدماً في الإصلاحات لتحسين بيئة الأعمال، كما أنه من المتوقع تعافي إنتاج النفط الإيراني وكذلك الصادرات، مما قد يؤدي إلى استمرار انخفاض أسعار النفط عالمياً بعد عام 2015.
اما المستفيد الثاني بعد ايران هم الاوروبيون و ذلك ان ايران تنظر الى السوق الاوروبي بأنه الأقرب والاقوى لها، كما أنه من المتوقع أن تركز إيران على بعض دول الاتحاد الأوروبي التي لا تعاني مشكلات مفصلية معها، مثل ألمانيا، والنمسا، والنرويج والسويد، إذ بإمكان الاتفاق أن يفتح الباب أمام هذه البلدان للاستثمار في السوق الإيرانية بمشاريع ضخمة، خاصة شركات الطاقة الأوروبية التي ستحظى بعقود تصل إلى عشرات مليارات الدولار لتطوير صناعة النفط والغاز الإيرانية المتعطشة للتقنية الغربية.
كما ان المستفيد الثالث هي الدول الصاعدة كالصين والهند وتركيا وغيرها، والدول النامية ايضا ستستفيد بالتالي من انخفاض اسعار النفط، و هنا قد يشعر المواطن الفلسطيني بتأثير الاتفاق الايراني الغربي، فمع هبوط اسعار النفط العالمية فإن اول ما سيحدث داخل السوق الفلسطيني هو انخفاض اسعار المحروقات، وهذا بالتالي سيؤثر على اسعار المواصلات و اسعار المنتجات الفلسطينية الداخلية، وسيؤدي الي انخفاض التضخم الاقتصادي الفلسطيني، و خصوصا ان التضخم الاقتصادي الفلسطيني هو تضخم مستورد و يعتمد بالدرجة الاولى على اسعار المحروقات . فمع هبوط النفط قبل عام من 110 دولار الي 50-60 دولارا للبرميل، وخفض السلطة الوطنية من اسعار المحروقات بنسبة قليلة وهي 10%،الا ان هذا الخفض ساعد بالتالي على خفض نسبة التضخم، ومع التوقعات بانخفاض أسعار البترول نتوقع انخفاض جديد لأسعار المحروقات في فلسطين .
ويمكن القول إن هنالك ضحايا كثرا لهذا الاتفاق النووي أهمها النفط و"أوبك"، وبالتأكيد هنالك خاسرون ورابحون. وتعد أسعار النفط ومداخيله في السعودية وباقي دول التعاون، أكبر الخاسرين. كما من المتوقع هبوط اسعار النفط العالمية و قد تصل إلى قرابة 40 دولاراً أو أقل. كما ان هناك بعض الدول المصدرة للبترول بسبب هبوط اسعار النفط سجلت عجزا داخل ميزانياتها مثل دولة الكويت، وبعد الاتفاق والهبوط المتوقع للنفط فان كثيرا من الدول المصدرة للنفط ستشهد عجزا كبيرا في ميزانياتها وخصوصا دول الخليج وهي التي تشارك في تحالف عسكري في اليمن جيث إن الانفاق العسكري لها يزداد ايضا .
*دكتوراه بالاقتصاد والعلاقات الاقتصادية الدولية