فكري جودة
الخبر : سوق الأسهم الصينية يتراجع بنحو ثلث قيمته منذ منتصف يونيو 2015
لإدراك حجم الخسارة الهائل الذي يمكن ترجمته عن هذا الخبر يمكن أن نستعير وصف أحد خبراء الاقتصاد العالميين إذ كتب "يكفي أن نقول إن حجم الخسارة يعادل قيمة اقتصاد المملكة المتحدة مجتمعا، بل ويفوقه قليلا".
وتأتي هذه الخسائر المتتالية عقب زيادات غير مبررة في الأسواق الصينية تواصلت لمدة سنة كاملة مدفوعة بما يمكن اعتباره فقاعة ديون عقارية جديدة على النمط الصيني هذه المرة. جاءت هذه الزيادات كنتيجة لهروب المستثمرين الصينيين من الأسواق التقليدية المعتمدة على التصنيع الكثيف بقصد التصدير، حيث سجلت هذه الأسواق خلال السنتين الماضيتين تباطؤا واضحا ظهر من خلال الفشل في تحقيق نسب النمو المستهدفه بـ 7.5% على أساس ربع سنوي، وغني عن القول إن الصين تمتعت بنسب نمو عالية جدا خلال السنوات العشرين الماضية فاقت 10% ووصلت في بعض الأحيان لحدود 15%.
لكن يبدو أن الصين ومع نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين قد وصلت إلي نهاية قصة النمو المستمر، فسياسة التصنيع الكثيف للتصدير كانت قد استنفذت جميع وسائل اختراق الأسواق العالمية وأصبحت المورد الأول للسلع المصنعة عالميا. إلاّ أن الأزمات المالية التي توالت عالميا منذ خريف العام 2008 نتج عنها انخفاض مزمن في الطلب العالمي على السلع المصنعة، والذي انعكس مباشرة على معدلات الانتاج والنمو في الصين، وزاد كذلك معدل فشل وإفلاس المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة بمعدلات غير مسبوقة. وبالتالي زاد توجه المستثمرين في الأسواق الصينية نحو أدوات جديدة بعيدة عن الأدوات التقليدية، فازدهرت أدوات الاستثمار في الديون والرهن العقاري ودعم هذا التوجه ظهور طبقة متوسطة ذات توجهات استهلاكية جديدة تتماهى مع النمط الغربي للاستهلاك والذي يتطلب بنى تحتية عقارية سكنية وترفيهية مكلفة يلزم لتمويلها إيجاد آليات تمويل جديدة كالرهن العقاري وبيع الديون وغيرها على غرار النمط الأمريكي في التمويل، مما نتج عنه في النهاية أيضا فقاعة تمويل عقاري صينية الصنع هذه المرة. أخذت هذه الفقاعة دورتها الطبيعية منذ بدايات 2013 ، وواضح أنها انفجرت في منتصف حزيران- يونيو2015 الماضي بسبب تداعيات الموجة الأولى من التخلف عن السداد.
أدوات التدخل:
لطالما فاخرت الصين الأمم بنظامها الاقتصادي الليبرالي الذي يعمل تحت نظر حكومة شيوعية العقيدة، اشتراكية التوجه، وأن الحكومة الصينية تسيطر بشكل محكم على جميع مفاصل القطاع الاقتصادي بما يشكل درعا واقيا من أي تأثير سلبي لآليات السوق الحر الخاضع لتقلب دوراته المتعددة. لكن الواقع يثبت الآن زيف هذه السيطرة، فالحكومة الصينية قد أعلنت سابقا عن ضخ ما يعادل 20 مليار دولار أمريكي لتحفيز النمو في قطاعات الاقتصاد الصيني الأكثر تأثرا بالأزمة، لكن لم يلاحظ أي تأثير إيجابي لهذه الخطوة، بل بالعكس أدى ذلك لتنامي موجة من الفزع الذي أدى لموجات من البيع لخفض الخسائر واستمرت هذه الموجة حتى اليوم وليس من المتوقع أن تتوقف قريبا. وكعلاج سريع وفي محاولة لكبح جماح الانهيار الاقتصادي السريع أعلنت السلطات الصينية اليوم الأربعاء 8/7/2015 خطة إنعاشية طارئة بقيمة 40 مليار دولار من خلال تنشيط مشاريع البنى التحتية والإعمار .
مما سبق يتضح أن عيون العالم التي اتجهت نحو الأزمة اليونانية تحت تأثير وسائل الإعلام، يجب أن تعي أن الخطر الحقيقي على الاقتصاد العالمي يأتي من انهيار العملاق الأصفر لا غرق الفيلسوف الإغريقي.
*خبير ومحلل اقتصادي- مدير دائرة التخطيط المشاريع في وزارة الاقتصاد بغزة